الأسد رئيسًا للقمة العربية لمدة عام
ليونة في فلسطين والعراق وتصلب في لبنان

بلال خبيز من بيروت: لا شك أن لبنان يشكل بالنسبة إلى سوريا أكثر الساحات القلقة في المنطقة العربية أهمية استراتيجية. وهذا يعود لأسباب عديدة تجعل من لبنان أكثر حيوية لسوريا من الساحة الفلسطينية أو العراقية، حيث يقع معظم الفعل السوري في هذه الفترة من الزمن. ويعرف المطلعون على شؤون السياسة السورية أن النظام السوري أبدى ليونة لافتة في الملفات كافة وأكثر من مرة، لكنه طالما ابدى تشددًا مطلقًا في ما يخص الملف اللبناني. وكان لافتًا أن يحضر الرئيس الفلسطيني محمود عباس قمة دمشق ويستقبله الرئيس بشار الأسد، على الرغم ممّا بين الرجلين والنهجين من ندرة في الأواني المستطرقة. وكان لافتًا ايضًا صمت خالد مشعل قبل القمة وبعدها، وهو خصم عباس اللدود المقيم في دمشق، والذي يقول المطلعون على اسرار العلاقة بينه وبين قادة دمشق بأنه لا يخرج عن طوعها. فهذا ملف على اهميته الكبيرة بالنسبة إلى السياسة السورية، إلا إنها تستطيع التساهل فيه، وسوريا تسمح لمحمود عباس في فلسطين ما لا تسمح به لعباس زكي في لبنان. ذلك أن الملف الفلسطيني لا يدار بالنسبة إلى سوريا في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، بل ايضًا واساسًا يدار من لبنان. وذلك بسبب من خصوصيات الوضع الداخلي الفلسطيني وواقع مجاورة قطاع غزة لمصر والخشية التاريخية السورية من تضارب مصالحها مع مصالح مصر الحيوية.

فضلاً عن الملف الفلسطيني الذي تستطيع سوريا ادراته من لبنان من دون ان تثير حفيظة مصرية وسعودية، فإن سوريا ايضًا تحتفظ في لبنان بأحد اهم عناصر قوتها التي تؤمن لها التوازن مع حليفها الأول في ايران. فإيران تعرف ان سوريا تقبض على الشريان الوحيد الذي يتغذى منه حزب الله، وهو مثلما يعرف القاصي والداني اقرب إلى القيادة الإيرانية من بعض من هم في سدة السلطة في ايران. بل ان المراقبين رأوا في تأبين وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي لقائد حزب الله العسكري الحاج عماد مغنية تحصيلاً حاصلاً، مما يفيد ان قائد المقاومة الإسلامية في لبنان وعمادها على ما يصفه امين عام حزب الله حسن نصرالله، كان ايضًا ركنًا بارزًا من اركان السياسة الإيرانية وهو امر لم يتحصل لغير الإيرانيين منذ فجر السياسة الإيرانية وحتى اليوم.

لهذه الأسباب الجوهرية، لا يجدر باللبنانيين ان يستبشروا خيرًا في ترؤس الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية طوال العام المقبل. فسوريا التي تعرف مصالحها جيدًا، تريد ان تحافظ على اوراقها سالمة من كل أذى، أقله حتى يحين موعد صرفها بالسعر الذي تراه مناسبًا. والحق ان المصالح السورية في لبنان تتجاوز مسألة المحكمة الدولية إلى ما هو ابعد من ذلك بكثير. لأن التفريط بالورقة اللبنانية يعني تفريطًا بالتوازن الذي تحافظ عليه سوريا محافظة دقيقة مع ايران، مما يتيح لها البقاء قادرة على تقديم العروض ورفض ما لا يناسبها منها.

وفي هذا السياق لا يبدو الإغراء السعودي ndash; المصري لسوريا في العودة إلى الحاضنة العربية كافيًا للتخلي عن ورقتها الأهم. وإن كانت في القمة الأخيرة ابدت حسن نية في الملفين الآخرين اللذين تملك القمة بعض مفاتيح الحل والربط فيهما، فلم تلعب على وتر الخلافات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، مثلما انها لم تشاكس في الملف العراقي الذي تنظر إليه المملكة العربية السعودية باهتمام بالغ، إلا انها استمرت على تشددها في الملف اللبناني. ذلك ان العرض السعودي ndash; المصري يقترح على سوريا حماية النظام وتحصينه بالحاضنة العربية وتحت سقف المشروع العربي العام. لكن سوريا فضلت الخلاف على الاتفاق في هذا الملف لأن استمرار الخلاف يبقي دورها محوريًا ويكاد يكون موازيًا للدور الإيراني في المنطقة، في حين ان الاتفاق يجعلها لاعبًا احتياطيًا في فريق تقوده مصر والمملكة العربية السعودية. في وقت لا ترى الإدراة السورية ان وقت اعتزالها قد حان، وما زالت تملك بعض الهمة والنشاط لتكمل هذا الشوط في لبنان حتى نهاياته المضطربة.

اللبنانيون من فريق 14 آذار ndash; مارس يكررون من دون كلل ان الهجوم السوري سيستأنف على لبنان بعد القمة اعنف مما كان عليه قبلها. وهم في ذلك محقون. لكن ما لا يبدو مفهومًا حتى الآن بالنسبة إلى الجميع هو حدود المصلحة السورية في لبنان، وتاليًا إلى اي حد تريد لهجومها ان يصل.