توقعات بمساهمة خفية
هل شاركت ألمانيا في الحرب على العراق؟
محمد مسعاد من برلين:
ذكرت مجلة دير شبيغل الألمانية في تصريح نسبته للاري فيلكيرسون أحد المساعدين الأساسيين لوزير الخارجية الأميركية السابق كولين باول، أن جلسة مجلس الأمن للخامس من فبراير 2003، وشاءت الصدف أن يترأسها يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا السابق، و كان باول يعرض فيها صورا ومعلومات تدعي امتلاك العراق للاسلحة البيولوجية، أنها معلومات توصلت بها المخابرات الأميركية من نظيرتها الألمانية. وأضاف هذا المسؤول أن هذه المعلومات توصلت بها المخابرات الألمانية من مهندس عراقي اعتمد من لديها كمصدر أساسي في هذه المعلومات، وهو العميل الذي يحمل اسما حركيا quot; كورفبالquot;.
وحسب المجلة الألمانية الواسعة الانتشار، فإن المهندس العراقي وصل إلى ألمانيا سنة 1999. وقدم طلبا للجوء السياسي ووضع نفسه رهن إشارة المخابرات الألمانية بكونه يملك عددا من الوثائق والمعلومات حول البرنامج النووي العراقي. وحسب فيلكيرسون فإن هذا المخبر هو مصدر هذه المعلومات التي عرضها كولين باول أمام مجلس الأمن الدولي، والتي اعتمدت كذريعة للحرب على العراق، وهي المعلومات التي توصل بها جهاز المخابرات الألماني في حوالي 50 جلسة عقدها مع هذا المهندس العراقي إلى حدود سنة 2001.
ويضاف هذا التصريح لسلسلة التصريحات التي تدعي فيها أجهزة الاستخبارات الأميركية وعدد من المسؤولين السياسيين في البيت الأبيض تورط ألمانيا ومساهمتها الخفية في الحرب الأميركية على العراق بعدما نسب جهاز السي أي اي في السابق قوله أن ألمانيا كانت على علم بكل الأهداف العراقية التي كانت عرضة للقصف الأميركي الجوي. وهي التصريحات التي سببت وقتها فضيحة سياسية في برلين تطلب انشاء لجنة استماع برلمانية في البندستاغ الألماني وتم الاستماع فيها إلى وزير الخارجية الألماني فالتر شتاينماير. وجاءت التصريحات الجديدة لتكشف النقاب عن الدور الخفي لجهاز الاستخبارات الألمانية في هذه الحرب، وهي التصريحات التي سترخي بكل تأكيد ظلالها على المشهد السياسي والاعلامي الألماني، خصوصا و أنه على المستوى السياسي والعسكري الرسمي ظلت برلين متشبثة بموقفها الرافض لهذه الحرب. ولقد صرح لاري فيلكيرسون أن ألمانيا لها أيضا جانب من المسؤولية في هذه الحرب على اعتبار أن هذه المعلومات هي معلومات استخباراتية ألمانية، وأنها كانت متأكدة من هذه المعلومات قبل أن ترسلها إلى جهاز الاستخبارات الأميركية، واعتبر أيضا أن ارسال هذه المعلومات لم يكن على سبيل الصدفة، بل أن المخابرات الألمانية قامت بتحليلها وهي تعي جيدا مدى خطورتها.
وفي السياق نفسه يذهب أيضا دافيد كاي وهو المفتش الأميركي السابق في أسلحة الدمار الشامل العراقي، والذي اتهم BND وهو الاختصار لاسم جهاز الاستخبارات الألمانية بعدم المسؤولية و غياب الاحترافية ويفتقد للمصداقية، بحيث أنه أرسل معلومات خاطئة دون أن يكلف نفسه عناء تمحيصها، وهي المعلومات التي عرضها وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولين باول، والتي اعتبرت حاسمة في الهجوم على العراق. شكلت هذه المعلومات موضوع تقرير للبرنامج الأسبوعي Frontal 21 الذي تقدمه القناة العمومية الثانية ZDF كل ثلاثاء مساءا، وهو التقرير الذي تعرض بالتفصيل لتداعيات هذه التصريحات و مدى تأثيرها على مصداقية الخارجية الألمانية و كذا على جهاز المخابرات الألمانية. و استطاع فريق البرنامج الحصول على تصريح ليوشكا فيشر وزير الخارجية السابق، والذي دافع من خلاله على جهاز الاستخبارات الألمانية، مؤكدا على أن المراسلة التي وجهها هذا الأخير لنظيره الأميركي والتي تظم معلومات المهندس العراقي بخصوص برنامج التسلح النووي لبغداد، كانت تضم إشارة واضحة مفادهاquot; إن المعلومات الآتية قد يكون صاحبها على حق وقد يكون مخادعاquot;، قبل أن يضيف: quot;لا أحد يستطيع اتهامناquot;، وهو بذلك يرد على التصريحات الأميركية التي تتهم برلين أيضا بالمسؤولية على تحمل الخطأ أيضا. وفي هذا الاتجاه صرح السفير السابق لألمانيا في مجلس الأمن لمجلة دير شبيغل قائلا:quot; بالنسبة لي كان هذا تحذيرا واضحا، واعتبرت أن هذه المعلومات سوف لن يتم استعمالهاquot;.
التحذير الذي يشير إليه السفير الألماني مفاده الرسالة التي أرسلها رئيس المخابرات الألمانية السابق أوغوست هانينغ لنظيره جورج تينيت في 20 من ديسمبر 2002 ، والذي جاء فيهاquot; إننا نعتبر أن هذه المعلومات هي معلومات صحيحة، غير أننا لا نستطيع تأكيدهاquot;. أما في سياق الاتهام الذي يرى أن هذه المعلومات هي التي كانت حاسمة في اتخاذ قرار الهجوم على بغداد، رد وزير الخارجية السابق يوشكا فيشر بسخرية على تساؤل للبرنامج التلفزيوني قائلا:quot; من الخطأ تصور أن هذه المعلومات أو حتى جلسة مجلس الأمن أياها، هي التي حددت الحرب على العراقquot; فالقرار كان قد اتخذ و كان وقت تنفيذه فقط مسألة اجراءات لوجيستيكية من طرف واشنطن، يضيف فيشر. حالة العميل quot;كورفبالquot; هي أيضا موضوع كتاب صدر في أميركا لخبير صحيفة لوس أمجليس تايمز في شؤون المخابرات الأميركية بوب دروغين. ولقد صرح أيضا لفريق البرنامج التلفزيوني الألماني قائلا:quot; أعتقد أن حكاية كورفبال كانت حاسمة في انطلاق الحرب على العراقquot; وأضاف أيضا انه لا يفهم لماذا تقدم معلومات لم تكن موضع ثقة. و تبقى الاشارة إلى أن مجلة دير شبيغل كتبت أن العميل العراقي يتواجد الآن في جنوب ألمانيا، وهذا ما أكده برنامج فرونتال21 ، وأنه ينتظر تجنيسه بالجنسية الألمانية هو وعائلته، ولقد حصل على الموافقة المبدئية في سبتمبر 2007. من دون شك سترخي هذه المعلومات بظلالها على المشهد السياسي و الألماني الذي لن يقبل سياسية الكيل بمكيالين، فمن جهة كانت برلين ضد الحرب، ومن جهة أخرى كانت ألمانيا ومخابراتها تساهم ولو بشكل خفي في حرب قلبت العديد من التوازنات ولايزال إرثها يؤثر في العلاقات الدولية.