افتتاح متحف يهودي في بلدة القدس القديمة
مسيرة إسرائيلية لا تهدأ لتهويد القدس

أسامة العيسة من القدس: على أنغام موسيقى دينية، وأغاني صاخبة تمجد إسرائيل، فتحت زجاجات الشمبانيا، في أحد شوارع بلدة القدس القديمة، الذي أطلق عليه اسما يهوديا، والمناسبة، الاحتفال بمشروع جديد، في مسيرة إسرائيلية لا تهدأ لتهويد المدينة المقدسة. والمشروع التهويدي، مختلف هذه المرة، عن الصور التي عادة تبثها وكالات الأنباء وتتضمن مشاهد هدم منازل، أو قتل، أو سيطرة على عقارات فلسطينية، والحديث عن افتتاح متحف عن الملك داود، تشرف على إدارته، ناشطة من غلاة المستوطنين. ويقع المتحف اليهودي الجديد، في قلب القدس القديمة، ويهدف إلى تأكيد ما يسميه القائمون عليه التاريخ اليهودي لمدينة القدس، عبر أحد الرموز اليهودية الكبيرة، وهو الملك داود، الذي يحتل جزءا رئيسيا في الكتاب المقدس، وهو أيضا واضع كتاب المزامير.

ويقدم القائمون على المتحف، الملك داود، كأول غاز لمدينة القدس، وجعلها عاصمة لمملكته، وهو الأمر الذي يكتسب أهمية كبيرة في الخطاب اليهودي الخاص بفلسطين والقدس تحديدا. ويمثل الملك داود في المتحف، كغاز من نوع مختلف، يقف أمام أسوار القدس العصية وهو يحمل آلة (الهارب) الموسيقية، وتم تخصيص قسم في المتحف لبيع نماذج مصنوعة من هذه الآلة، التي تنسب فيه إلى الملك داود، وهو ما قد يغضب المتحيزين للحضارة الفرعونية، الذين يعتبرون، هذه الآلة فرعونية خالصة.

ويضم المتحف، الذي شارك في حفل افتتاحه، فخاريات، وأغراض مصنوعة من السيراميك، وقطع نقدية قديمة، ونصال، ومجوهرات مقلدة تحاكي رموزا يهودية، وغيرها. ويوجد في المتحف قسم مخصص للمواد المطبوعة عن الملك داود، وما يطلق عليه جبل الهيكل، ومن ضمنها نسخة من كتاب المزامير، تعود إلى عام 1511م، بالإضافة إلى نسخ عن طبعات مختلفة تبدا من عام 1696.

ومن محتويات المتحف، ما يقدم على انه أنواع من البخور التي كانت تستعمل يوميا في جبل الهيكل المفترض، وهو الموقع المقام عليه الحرم القدسي الشريف الان. ويؤكد المتحف، على قضية إشكالية، بتقديمه لتاريخ القدس عبر 3 آلاف عام، أي من غزو الملك داود المفترض لها، وهو ما يثير عادة انتقادات علماء الآثار المستقلين في العالم، الذين يرون بان تاريخ القدس اقدم من ذلك بكثير.

وكان مشروع أطلقه ايهود اولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، عندما كان رئيسا لبلدية القدس، في عام 1996، للاحتفال بما سمي بمرور 3 آلاف عام على انشاء مدينة القدس، انتقادات عالمية واسعة، أدت إلى فشل المشروع رغم تخصيص إمكانيات مادية هائلة له. وانتقدت المشروع آنذاك، بشدة وسائل إعلام مرموقة، مثل مجلة التايمز الأميركية، لكن ذلك لم يغير أبدا من التأكيد الإسرائيلي الدائم، على ما يطلق عليه التاريخ اليهودي للقدس، الذي استمر 3 آلاف عام، وفقا لأصحاب هذا الرأي.

ويذهب القائمون على المتحف، بعيدا، بنشرهم لما يقولون انه شجرة انساب للملك داود، واتاحتهم الحواسيب للزوار، لكي يختبروا صلتهم البيولوجية بالملك داود، ومعرفة مدى صلة القربة به، وإذا تعذر عليهم ذلك، فيمكنهم طلب المساعدة من موظفين مختصين في المعهد بعلم الأنساب. وتقف وراء المتحف، ومركز الأنساب التابع له، سوزان روث، وهي ناشطة في صفوف المستوطنين اليهود، ورغم طبيعتها الدينية، إلا أنها لا تلتزم بالزي quot;الشرعيquot; اليهودي، الذي يميز المستوطنات، وإنما تبدو متأنقة، بملابس حديثة، وتتحدث الإنجليزية بطلاقة لوسائل الإعلام.

وتفخر روث، بما تعتبره تاريخها الكفاحي، وتشير مثلا، إلى قيادتها لجماعات يهودية متطرفة، للحفاظ على ضريح راحيل، بين بيت لحم والقدس، التي تقول بان رابين وبيرس، كان سيتنازلان عنه للفلسطينيين. وتسيطر إسرائيل على هذا المقام الإسلامي منذ عام 1967، وتحول الان إلى ثكنة عسكرية، وسيرت روث مئات الحافلات التي تحمل اليهود المتدينين إليه، وتحول خلال سنوات انتفاضة الأقصى، إلى أحد اكثر الأماكن سخونة في الأراضي الفلسطينية، وقتل الجنود الإسرائيليون الذين يعتلون الأبراج العسكرية المحيطة به عشرات من الشبان الفلسطينيين.

وتنسب روث لجهودها، تحول ضريح راحيل، إلى معبد يهودي خالص، مفتوح على مدار الساعة لليهود. وتحدثت روث للقناة الإسرائيلية (عرتوس 7) عن فكرة المتحف، مشيرة إلى أنها راودتها، عام 2000، مع اندلاع انتفاضة الأقصى، التي تسميها (حرب أوسلو)، وتعرض اليهود إلى هجمات العرب بشكل يومي، كما تقول، وفي تلك الأثناء نشرت كتابا يتعلق بأنساب الملك داود، وبدأت بتلقي طلبات، حول هذا الأمر، ورغب الكثيرون من اليهود معرفة أشجار أنسابهم، وسرعان ما تطورت الفكرة، حتى تحولت الان إلى متحف ومركز للأنساب.

وقبل ذلك أسست في عام 2006، منظمة (سلالة داود)، وتم البدء بوضع الخطط لبناء المتحف الذي أرادت روث أن يكون على مرمى حجر من جبل الهيكل (المسجد الأقصى)، الذي تقول بان الملك داود اشتراه بخمسين قطعة ذهبية، واعده ليبني ابنه سليمان هيكله عليه. ويرتدي موظفو المتحف، الزي التقليدي، الذي يعتقد القائمون عليه انه كان سائدا زمن الملك داود، ويصطحبون السياح في جولات داخل المتحف، الذي يضم قسما للملابس القديمة، الخاصة بكهنة الهيكل المفترض، ومن بينها ملابس رئيس الكهنة والمساعدين.

وتبدي روث حماسا وتفاؤلا، بالنسبة لمتحفها، وتقول بأنه ومركز الأنساب التابع له، سيحدثان ما تسميها ثورة في طريقة تفكير اليهود والإسرائيليين، فيما يخص الملك داود، وفي اليهودية نفسها. وتقول quot;يجب أن يكون لسلالة الملك داود دور خاص، في مساعدة اليهود، ليفهموا إرادة الملك داود، وهي أن يكونوا، قبل أي شيء، أمة واحدةquot;. أما أمين المتحف إسرائيل كوهين فيقول quot;الملك داود كان أول ملك وحد الشعب اليهودي، وتحويل اليهود من قبائل، ليصبحوا أمة، ويصبح هو زعيمها دون منازع، تاركا أثره على الأمة اليهودية حتى اليوم، ونأمل أن نتمكن اليوم من إيجاد ملك مثل الملك داودquot;.

وانتهى الاحتفال بافتتاح المتحف، بحلقات رقص نظمها المستوطنون، على باب المتحف، بينما كان صدى صراخهم يسمع في الحرم القدسي الشريف، الذي يحذر الفلسطينيون بشكل دائم، مما يقولون أنها مخاطر حقيقية تحدق به، وانه معرض للانهيار في أية لحظة بعد اكثر من أربعين عاما من حفريات تجري تحته، وتهدد أساساته.