خلف خلف من رام الله: يكتنف الغموض معالم المرحلة المقبلة بين سوريا وإسرائيل، فتارة تغرق الساحة بتقارير إعلامية تنذر باقتراب اشتعال شرارة الحرب بين الجانبين، وتارة أخرى يجري الحديث عن تبادل رسائل تهدئة كمقدمة لإجراء مباحثات سلام. وهي وضعية تبقي باب التكهنات مفتوحًا على مصراعيه، وتوفر كذلك أرضية خصبة لتقاطع واختلاف وجهات النظر.

فبينما يرى العديد من المحللين السياسيين والخبراء العسكريين أن تقدير خاطئ قد يشعل حربًا. في المقابل يعتبر كثيرون أن سيناريو محادثات سلام بين دمشق وتل أبيب هو الأكثر والأقرب منطقية وتطبيقًا على المدى المنظور، وفقًا لجملة من العوامل، أهمها الأوضاع الداخلية لدى الطرفين، والظروف الدولية الحالية، وبين هذين الرأيين تنضج رؤية ثالثة تؤكد أن سياسة quot;لا حرب..ولا سلامquot; ستسود لسنوات عديدة مقبلة.

وعلى مدار اليومين الماضيين، سجل تضارب في التقارير التي تناقلتها الصحف العربية والعبرية، فبعد رفع النقاب عن إرسال رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت لأكثر من عشرين رسالة خلال العام المنصرم إلى الرئيس السوري بشار الأسد تضمنت البحث بأفق استئناف المفاوضات، خرجت بعدها بيوم واحد فقط تقارير تقرع طبول الحرب، وتشير لتأهب عالي في منظومات المدفعية والصواريخ لدى سوريا وإسرائيل.

والتذبذب السريع في هذه التقارير، أعاد للذهان ذات التقديرات المتضاربة التي سادت قبل نحو سنة فقط، في أشهر الربيع والصيف التي سبقت هجوم سلاح الجو الإسرائيلي على شمال سوريا، في 6 أيلول/سبتمبر من العام الماضي، ولكن هذه المرة ما كانت المعطيات الجديدة تأخذ مفعولها من التداول الجماهيري، حتى سارع العديد من المسؤولين الإسرائيليين لنفيها، والتأكيد على أن إسرائيل لا تخطط لأي هجوم ضد سوريا.

ومنهم رئيس القسم السياسي ndash; الأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية اللواء عاموس جلعاد والذي شرح بأنه ليس لإسرائيل وسوريا مصلحة في مهاجمة الواحدة الأخرى، وأن التقارير في وسائل الإعلام العربية عن تجنيد احتياط واسع في الجيش السوري مغلوطة، كما أن النائب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي الوزير حاييم رامون، تحدث بنفس الصيغة.

كما أشارت مصادر عسكرية إسرائيلية إلى أنها لا ترى quot;مؤشرات حرب واضحةquot; في الجبهة السورية. ولكنها أكدت أنه يوجد في الطرفين مستوى تأهب عالٍ نسبيا، بسبب التخوف من خطوات الطرف الخصم وبالأساس على خلفية خطط الثأر لحزب الله. وبالتوازي عادت إسرائيل لتبث رسائل مهدئة لدمشق، في قنوات مختلفة بموجبها لا تنوي المبادرة إلى أي هجوم عليها.

ولكن quot;ما الذي يؤدي إذن إلى التوتر؟quot; سؤال طرحته صحيفة (هآرتس) العبرية في عددها الصادر يوم أمس الجمعة، وأجابت عليه، قائلة: quot;أولا وقبل كل شيء، التوقعات التي خلقها حزب الله في وعوده بالرد. واضح لكل الأطراف بان إسرائيل سترد بشدة على عملية قاسية وأن مثل هذه الخطوة يمكنها ِأن تؤدي أخيرا إلى تصعيد إقليمي. إضافة إلى ذلك فان الاستعداد الدفاعي الشاذ للجيش السوري كفيل بأن يدل على أن دمشق شريك في مخططات حزب الله، ولهذا فهي تتوقع تصعيداquot;.

ويمكن كذلك إجمال العوامل التي قادت إلى التوتر بين سوريا وإسرائيل، بالآتي: تأجيل وزير الأمن الإسرائيلي أيهود باراك لزيارته التي كانت مقررة إلى ألمانيا، وكذلك توزيع إسرائيل على سكانها للكمامات ضد الأسلحة الكيماوية، كما أنها تستعد لإجراء أكبر مناورة حربية في تاريخها يوم الأحد المقبل. وحسب مصدر سياسي ndash; أمني كبير: quot;لا يوجد أي سبب للقلق، هذه مناورة وليس إعدادا لحربquot;. وبالمقابل، فأن وزراء ليسوا أعضاء في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر اعتبروا أن القرار في توزيع الكمامات كفيل بان يخلق حالة فزع.

وللأسباب السابقة يضاف، زيارة وزير الأمن الإسرائيلي للحدود الشمالية نهاية الأسبوع الماضي، حيث أطلق خلالها العديد من التصريحات التحذيرية والتوعدية لكل من يهاجم إسرائيل، مما زاد من حجم المخاوف من حرب قريبة. فقد تحدث باراك خلال زيارته المذكورة بأن إسرائيل هي الدولة الأقوى في الشرق الأوسط، وأنه لا يوصي أحدا باستفزازها.

وأيضا الرسائل التي نقلت من إسرائيل لسوريا عبر قنوات سرية، تقضي بأنها ليس لديها نوايا هجومية تجاه سوريا، ولكنها أوضحت في ذات السياق، بأنه لن تتجلد إزاء هجوم، حتى لو ادعى حزب الله وسوريا بان هذا quot;إغلاق حسابquot; على اغتيال مغنية.

وبحسب تقديرات مصادر عسكرية إسرائيلية تحدثت لصحيفة يديعوت الصادرة يوم الخميس الماضي فأن مخاض عملية الثأر ستبدأ بعد نحو أسبوعين من يوم الأربعين لاغتيال مغنية، وهذا يأتي أيضا بعد مؤتمر القمة العربية في دمشق التي عقدت في نهاية الأسبوع الماضي. كما تقدر صحيفة هآرتس في عددها أمس أن حالة التوتر بين دمشق وتل أبيب ستبقى قائمة على الأقل حتى عملية الثار التي سينفذها حزب الله انتقامًا لاغتيال القيادي في الحزب عماد مغنية. وبقى من الضروري الإشارة إلى أنه منذ نحو 36 عاماً، والملف السوري الإسرائيلي ما يكاد يغادر وسائل الإعلام العربية والعبرية حتى يعود لمقدمتها كلما هدأت الجبهات الأخرى نسبيًا.