إسرائيل تنسبها إليها في نشاط على هامش الألعاب الأولمبية
عندما تكون شقائق النعمان... صفراء

أسامة العيسة من القدس: يشعر الفلاحون الفلسطينيون، بغصة كبيرة، لا يمكن لأحد أن يقدر ألمها غيرهم، وهم يواجهون موسم جفاف، ستكون له تأثيرات واضحة، وسيلمسها باقي المواطنين، عندما يحين موعد المنتوجات الصيفية، فلا يكون منها شيئًا في الأسواق.

وبسبب شحة الأمطار خصوصًا في شهر آذار ( مارس )، فإن المزروعات الصيفية البعلية(التي تعتمد على المطر)، مهددة، وستذهب جهود الفلاحين هباء، الذين ما زالوا يأملون، بأن تجود السماء عليهم بـ quot;مطرةquot; شديدة في الأسبوعين الأولين من شهر نيسان ( أبريل ) الجاري، لعلها تنقذ المزروعات الصيفية.

وعلى الرغم من أحزان الفلاحين الفلسطينيين، ومحبي الأرض، إلا أن امتلاء السفوح والبراري، بالنباتات البرية، يدخل الكثير من البهجة إلى قلوبهم، ومن هذه النباتات زهرة قرن الغزال، التي يُطلق عليها محليًا عدة أسماء منها (الزوزو) وهي النبتة التي يتهم الفلسطينيون، الإسرائيليين، بسرقتها ونسبتها إلى الدولة العبرية، التي تشارك بها في نشاط سيقام على هامش الألعاب الأولمبية، التي ستنظمها الصين في صيف هذا العام.

واختارت إسرائيل هذه الزهرة، بعد مسابقة شارك فيها آلاف الإسرائيليين، للاختيار بينها وبين زهرة شقائق النعمان الحمراء، التي يطلق عليها الفلسطينيون اسم (الحنون).

وتحظى زهرة شقائق النعمان، بشعبية كبيرة ليس في فلسطين فقط، ولكن في بلاد الشام، وانحاء من العراق، وترتبط بميثولوجيا مهمة في تاريخ هذه البلاد، تتعلق بالملك العربي المسيحي النعمان بن المنذر، الذي قتل بطريقة مؤثرة نقلها الاخباريون العرب، حين داسته فيلة الجيش الفارسي، التي كانت درة الآلة الحربية لذلك الجيش، بعد رفضه للخضوع لكسرى، وتسليم نساء العرب له، في قصة معبرة، مما جعل ابنته هند تعمل على توحيد القبائل الحربية، لتخوض معركة ذي قار، التي حالف العرب، النصر فيها.

وتأثرًا بقصة استشهاده المأساوية، نسجت حكايات حوله، مثل أن زهرة شقائق النعمان الحمراء، نبتت على قبره، ومن هنا أخذت اسمها.

ولكن علماء النبات، يؤكدون أن عمر هذه الزهرة، اقدم بكثير من زمن الممالك العربية الصحراوية، ولهذا فإن الرواية الأرجح حول اسمها، هو ما قيل عن إعجاب النعمان بها، فأمر بحمايتها، واكثر من هذا فإنه أمر بزراعتها في قصره بالحيرة.

ولم يكن النعمان بن المنذر فقط من تأثر بهذه الزهرة، التي تشبه حمرتها بلون الدم، ولكن كثيرين من الشعراء والناثرين العرب.

ومن المفارقات أنه يكاد لا يعرف أحد من المهتمين بهذه الزهرة، أن لها ألوانًا أخرى غير اللون الأحمر، وحسب المختصين، فإن من ألوانها أيضًا: البنفسجي، والزهري، والأبيض، والقرمزي، والقرنفلي، والأرجواني.

وليست هذه الألوان فقط التي تمتاز بها زهرة شقائق النعمان، فإنها تظهر أحيانًا، وبشكل نادر، بلون لا يخطر على بال بالنسبة إلى زهرة مثلها، لها كل هذا الثقل في الوجدان الشعبي، وهو اللون الأصفر.

وتعتبر زهرة شقائق النعمان بلونها الأصفر، زهرة نادرة، من الصعب العثور عليها في البراري الشامية، وفي هذا العام نبتت واحدة منها في برية القدس، التي ننفرد بنشر صورها مع هذا التقرير.

وعثر مراسلنا على هذا النبتة الصفراء، صدفة وسط حقل من شقائق النعمان الاحمر، قريبًا من السفوح الشرقية المطلة على البحر الميت.

وأبدى كثيرون من المهتمين بهذه الزهرة استغرابهم، بأن يكون الأصفر، أحد ألوان شقائق النعمان، في حين أن بعض منتجي بصيلات النباتات قد تنبهوا مبكرًا لذلك، مثلما هي حال الشركات الهولندية، التي تجمع بذور وبصيلات النباتات من مختلف أنحاء العالم، وتعيد تصديرها، إلى بلدان هذا العالم، ومن بينها الدول العربية.

وتوجد في الاسواق العربية، بصيلات لشقائق النعمان الاصفر، وسط اعتقاد شائع، لا يربط بينها وبين شقائق النعمان بصلة، وبأنها نبتة غريبة عن بلادنا.

وتدخل ضمن اهتمامات الشركات الهولندية، بعض النباتات البرية الموغلة في الموروث الشعبي، مثل زهور (البابونج) الصفراء التي تسمى فلسطينيا (القريعة)، التي تنبت في الوديان والجبال الفلسطينية، ولكنها تصل إلى الأسواق الفلسطينية الآن، بطريقة تبدو غريبة، إستيرادًا من هولندا.

ووفقًا لبعض المستوردين، فإن هولندا تستورد هذه النبتة من بعض الدول العربية، مثل مصر، ثم تعيد تصديرها إلى الدول العربية، وغيرها من دول العالم.

وإذا كان مفهومًا، أن تستورد بعض الدول العربية الغنية، النباتات التي تنبت في أراضيها، كجزء من ثقافة استهلاكية شائعة، فإن الأمر أكثر من مستغرب في ما يتعلق بوطن تحت الاحتلال، مثل فلسطين، يعاني اقتصاده من خلل بنيوي كبير.

والبابونج، واحدة من نباتات كثيرة، استخدمها فلاحو بلاد الشام، لمزاياها الطبية، وهناك كثير من النباتات تدخل أيضًا في ثقافة المطبخ المحلي الفلسطيني، مثل (عكوب الجبل)، و(الزعتر)، وغيرهما، وتحظر السلطات الإسرائيلية قطفهما، لأنهما ضمن قائمة النباتات المحمية.

ومع انتشار ثقافة الاهتمام بالنباتات البرية لدى جمهور واسع في إسرائيل، فإن كثيرًا من الإسرائيليين يبدون اهتمامًا، بالموروث الشعبي الفلسطيني المتراكم حول هذه النباتات، وهذا ما جعل الإسرائيليين يعتنون ببعض النباتات، مثل ما يعرف باسم (اللوف الفلسطيني)، وهي عشبة يبلغ ارتفاعها نحو 30 سم، وتنبت بين الصخور وتحت الأشجار. لونها اخضر غامق، وتمتاز بلون ارجواني جميل.

فهذه النبتة سامة، ولكنها تدخل في المنظومة الغذائية في بعض قرى فلسطين، وقرى جنوب لبنان، على الأقل، وهو ما توفر من معلومات في اثناء اعداد هذا التقرير من مطلعين وشهود عيان، ويتم التخلص من سميتها بالتجفيف، قبل طهوها.

وهو ما يفعله محبو هذه النبتة، فبعد أن يقطفونها، يجففونها، قبل طبخها، ويقلد الإسرائيليون، الطريقة الفلسطينية أو الشامية في طبخ هذه النبتة، التي يتردد حديث عن فعاليتها في مكافحة بعض الأمراض مثل السرطان.

وفي أجواء الأراضي الفلسطينية، حيث قبضة الاحتلال هي الغالبة، وتحول أجزاء واسعة من هذه الأراضي إلى مستوطنات، أو أراض عسكرية مغلقة، أو محاطة بجدران، وصنع جغرافيا جديدة، فإن الكثير من الموروث الشعبي الفلسطيني يتم تدميره، بطريقة منهجية، مع نشوء أجيال فلسطينية، ولدت وعاشت وأنجبت في ظل احتلال قاهر، بعيدًا عن الأرض، ونباتاتها البرية.

وبينما كان يمكن في السابق مشاهدة العائلات الفلسطينية، تقصد البراري، لقطف النباتات، فالأمر مختلف الآن، حيث أفواج المستوطنين، المسلحين، هي التي تملأ الأرض الفلسطينية، في مثل هذا الوقت من العام، بحثًا عن النباتات الربيعية، وتقديم رواية جديدة لها، مثلما هيالحال في نبتة قرن الغزال، التي ستعرض باسم إسرائيل في أولمبياد الصين.

الصور بعدسة إيلاف