إحياء الذكرى الستين للنكبة بطريقة غير تقليدية
مفتاح عودة فلسطيني طوله عشرة أمتار

أسامة العيسة من بيت لحم: آخر ما يحتاج إليه سكان مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين، شمال مدينة بيت لحم، هو تشييد بوابة جديدة في مدخل مخيمهم، المحاصر بالجدران والبوابات العسكرية الإسرائيلية من كل جانب، إضافة إلى وجود الجيب العسكري الإسرائيلي المعروف باسم قبة راحيل بمحاذاة المخيم، والجدار العازل الذي بنته إسرائيل لفصل المخيم عن مدينة القدس والذي تحول إلى المكان المفضل للوفود الأجنبية المتضامنة مع الفلسطينيين، لتعبر عن رفضها لممارسات الاحتلال، وبالقرب من هذا الجدار وقبة راحيل، سقط العديد من فتيان المخيم شهداء وجرحى برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي، وهم يحتجّون على ما يصفونه سجنًا مغلقًا يعيشون فيه، بعد 60 عامًا من طردهم من قراهم الأصلية التي أصبحت الآن جزءًا من دولة إسرائيل.

ويشكل وجود قبة راحيل، كجيب عسكري استيطاني ديني يهودي بمحاذاة المخيم، مرتبط بمدينة القدس التي تسيطر عليها اسرائيل، تهديدًا لا يوصف على حياة السكان الذين يصلون الى منازل سالكين طرقًا التفافية. وعلى الرغم منأن هذا هو وضع أهالي المخيم مع الجدران والبوابات، إلا أن المخيم يشهد الآن تشييد بوابة جديدة، بأيدي فلسطينية هذه المرة، لتكون رمزًا لما يقولون أنها النكبة المستمرة، وتعبيرًا عن تمسكهم بحق العودة.

واطلق على البوابة، التي يتسارع العمل فيها لإنجازها قبل الثامن من شهر أيار (مايو) المقبل، اسم بوابة العودة، وهي جزء من مشروع يضم أيضًا مفتاحًا ضخمًا يرمز لمفاتيح منازل الفلسطينيين التي تركوها قبل 60 عامًا، يأمل المشرفون على المشروع بتسجيله في موسوعة جينس للأرقام القياسية باعتباره اضخم مفتاح على الإطلاق. وقال منذر عميرة، رئيس مركز شباب مخيم عايدة الاجتماعي في مخيم عايدة، واحد نشطاء حركة فتح، أن المشروع يتضمن أيضًا جدارية ضخمة تم الانتهاء منها، مستوحاة من المأساة الفلسطينية، رسمها فنانون محليون مستذكرين بعض اشكال الحياة الريفية التي سادت في القرى الفلسطينية التي دمرت في عام 1948.

وتم تصميم البوابة من قبل الفنان عايد عرفة لتلائم المفتاح الضخم، الذي يبلغ طوله 10 أمتار، ويزن 2 طن من الحديد، وما زال العمل مستمرًا فيه، وسيتم نصبه إلى جانب بوابة العودة والجدارية. وقال عميرة، إن هذا النشاط، المدعوم من قبل مكتب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن)، يأتي في إطار الفعاليات الفلسطينية لإحياء الذكرى الستين لنكبة الشعب الفلسطيني.

واضاف عميرة لمراسلنا وهو يقف أمام البوابة التي يجري تشييدها quot;أردنا إحياء الذكرى الستين للنكبة، بطريقة غير تقليدية، لذا فكرنا بتشييد البوابة وتصميم مفتاح العودة الضخم، لإدخاله في كتاب جينس للأرقام القياسية وهو الأمر الذي سيمكننا من الوصول إلى العديد من الشعوب الغربية، لنقل رسالتنا إليهم بطريقة حضاريةquot;.واشار عميرة إلى انه جرت مراسلات مع إدارة كتاب جينس منذ اكثر من شهر ونصف حول هذا الموضوع، وتبين أن مفتاح العودة هو أضخم مفتاح فعلاً، ولكن تواجهه عقبات لإدراجه في الكتاب، بسبب مآخذ من إدارة جينس على طابعه السياسي.

وقال عميرة quot;نحن لا نخفي الطابع السياسي للمفتاح، والذي يأتي في سياق أشكال النضال السلمية ضد الاحتلال، وهي أشكال نضالية مشروعة عالميا، ولا نخجل منها أبدًاquot;. واضاف quot;ما زلنا ننتظر ردًا من هيئة جينس، لتسجيل المفتاح، وهذه المرة الأولى التي تتوجه بها مؤسسة فلسطينية تعنى باللاجئين للمشاركة في كتاب جينسquot;. وسيتم تنظيم احتفال مركزي في الثامن من شهر أيار (مايو) المقبل لإطلاق المشروع، وعن سبب اختيار هذا التاريخ يقول عميرة بان quot;احتفالات إسرائيل بنكبتنا التي تسميها ذكرى استقلالها ستبدا في 8-5، ونحن أيضًا سنطلق مشروعنا في هذا التاريخ، خصوصًا أن فعاليات كثيرة سيتم تنظيمها في ذكرى النكبة منذ منتصف أيار، ونريد أن نعطي زخمًا إعلاميًا للموضوعquot;.

ويشير عميرة إلى أنه سيصار في الاحتفال، إلى تسليم أوراق ملكية الأراضي للقرى الفلسطينية المدمرة من الأجيال التي عايشت النكبة إلى الأجيال الأحدث سنا، تعبيرًا عن استمرار التمسك بحق العودة الذي لا يسقط بالتقادم. وقال إن ممثلين عن الجيل الجديد من اللاجئين سيخطون على البوابة أسماء القرى التي هجروا منها، وأيضًا باقي أسماء القرى التي دمرتها إسرائيل، باستخدام السيراميك.

وستشمل فعاليات افتتاح بوابة ومفتاح العودة، أيضًا مسيرة جماهيرية وسينظم مهرجان ضخم، من المقرر أن تشارك فيه شخصيات فلسطينية من الأراضي المحتلة منذ عام 1948 quot;تأكيدًا على وحدة الشعب الفلسطيني، على الرغم منكل محاولات الاحتلال للفصل بين أبناء الشعب الواحدquot;- حسب ما يقول عميرة.

ويولي عميرة أهمية كبيرة على المشروع، ويسعى لأن يصبح رمزًا للمخيم بدلاً من الجدار المحيط به، الذي يستقطب المتضامنين الأجانب ورجال السياسة الدوليين، الذين يزورون المخيم للاطلاع على ما يسميها السكان الجريمة التي ترتكب بحقهم، ومن بين الذين زاروا المكان بان كى مون، أمين عام الأمم المتحدة، والذي تلقى هدية من الأهالي هي عبارة عن مجسمات استخدم فيها التطريز الفلسطيني، ولكن الإسرائيليين صادروها في مطار بن غوريون، عندما كان المسؤول الاممي يغادر البلاد.

ويشكو عميرة مما يسميه قلة المعلومات عن القضية الفلسطينية لدى العرب والمتضامين الأجانب، ويشير إلى خبرته في هذا المجال من خلال استقباله لضيوف المخيم من المتضامنين العرب والأجانب، والذين يعتقدون كما يقول عميرة بأن مأساة اللاجئين بدأت مع الجدار الفاصل. ويضيف quot;لم نكن نحتاج إلى أي جهد لشرح قضيتنا للمتضامنين والمتعاطفين معنا، لأنهم أصلاً يؤيدون حقوقنا، ولكننا نريد تزويدهم بمعلومات أكثر وأوفى عن القضية الفلسطينية، ونأمل أن تشكل البوابة والمفتاح والجدارية، مساهمة ذات معنى في هذا المجالquot;.

ويقول quot;عندما يدخل أي زائر إلى المخيم متجاوزا الحواجز والاسوار الإسرائيلية، سيرى البوابة، التي تعبر بمفتاحها واسماء القرى والجدارية عن معاناتنا وتعطي فكرة عن الأمل الذي نتمسك به، حتى العودة إلى ديارنا التي شردنا منهاquot;. ويأمل عميرة ان تشكل البوابة أيضًا جسرًا لتلاقي الأجيال الجديدة التي ولدت وعاشت في المخيم مع الأجيال الأولى للنكبة.وحسب الصحافي منجد جادو وهو أحد أبناء المخيم، فإن quot;هدف بناء البوابة والمفتاح الضخم في هذا الموقع هو لربطها بما يعانيه الشعب الفلسطيني بعد ستين عامًا، خصوصًا مع بناء إسرائيل الجدار العازل الذي يحصر الفلسطينيين ويقتل آمالهم في المستقبل على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصاديةquot;.

وقال جادو quot;اصبح موقع الجدار مزارًا للمتضامنين الأجانب الذي يأتون لمشاهدة الجدار، وأثره على حياتنا، واعتقد أن إنشاء بوابة العودة والمفتاح الضخم سيقدم شرحًا لهؤلاء المتضامنين حق العودة ومدى تمسك اللاجئين بهquot;. ومن المقرر أن تشهد الأراضي الفلسطينية احتفالات ضخمة لإحياء الذكرى الستين للنكبة، في حين ستطلق إسرائيل احتفالات ستستمر لمدة سنة، في ذكرى ما تسميها استقلالها.

وكانت إسرائيل أعلنت من قبل المنظمات الصهيونية في 15 أيار (مايو) 1948، بعد انتصارها على جيوش عدة دول عربية، دخلت فلسطين، لإنقاذ شعبها، وانتهى هذا التدخل بتشريد الشعب الفلسطيني فيما يعرف الآن باسم النكبة المستمرة منذ ستين عامًا، التي تمر ذكراها في ظل ظروف صعبة يعيشها الفلسطينيون، الذين توجد أغلبيتهم في المنافي، بينما تحاصر إسرائيل من تبقى منهم في الضفة الغربية وقطاع غزة في كانتونات صغيرة، وكل هذا وسط حالة من الانقسام داخل حركة التحرر الوطني الفلسطينية التي لم تنجز أي من أهدافها حتى الان.