سبق على التسلح... وإصرار على هزيمة quot;المستقبلquot;
العودة من الدوحة بلا حل تساوي حربًا أهلية

إيلي الحاج من بيروت: وضع اللبنانيون أيديهم على قلوبهم وهم يتابعون أخبار التباعد الشديد في وجهات النظر بين قادة طوائفهم وأحزابهم في الدوحة وبروز ما يشبه التهاوي في مساعي قطر وجامعة الدول العربية على كل المحاور- البنود التي تضمنها إتفاق أولي أعلن في بيروت، وتوجه على أساسه القادة اللبنانيون إلى قطر بحثًا عن حل للأزمة التي تعصف ببلادهم منذ سنة ونصف. وتمظهرت البلبلة في سيل من الأخبار المتناقضة عن حقيقة المواقف لكل من الطرفين، بينما بقي صامدًا صوت رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر الذي أكد مرارًا لوسائل الإعلام أن قائد الجيش العماد ميشال سليمان سيُنتخب رئيسًا توافقيًا خلال أيام، على الرغم من كل شيء.

ويجمع المراقبون في العاصمة اللبنانية على أن إنتهاء مؤتمر الدوحة اللبناني من دون حل وانتخاب رئيس للجمهورية سيفضي إلى عودة الوضع، في بيروت خصوصًا إلى ما كان قبيل وصول الوفد الوزاري العربي إلى بيروت الأسبوع الماضي أي إلى هدوء أمني هش بحماية قوى أمنية أثبتت أنها غير قادرة حتى على توفير الحماية للناس، وإلى استمرار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة محاصرة وغير قادرة على اتخاذ أي قرار. وسينطلق كل الأفرقاء في سبق مجنون على التسلح بذريعة الحاجة إلى quot;الدفاع عن النفسquot; لأن ثمة حربًا أهلية على الأبواب وميزان القوى العسكرية غير متكافئ على ما ظهر خلال quot;حرب الأيام الستةquot; في بيروت والجبل الدرزي. كما أن القول باحتمال العودة إلى quot;الستاتيكوquot; الذي ساد لبنان منذ فراغ كرسي الرئاسة بمغادرة الرئيس السابق إميل لحود قصر بعبدا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي لم يعد ممكنًا على الإطلاق بل هو أضغاث أحلام بعد كل ما جرى من أعمال عنف انجرف إليها أطراف وسيعاودون اندفاعهم إليها وبعنف أشد مع انضمام أطراف آخرين وفي مناطق أخرى إليهم عاجلاً أم آجلاً وفق ما يقول منطق الحرب الأهلية التي تبدأ جولاتها الأولى محصورة لتتسع لاحقًا.

أما الأمل في حل جزئي ومرحلي على قاعدة quot;إعلان نواياquot; ينتج في بند أول انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة موقتة حيادية ndash; إذا كان هناك مجال لحياد في لبنان- أو حكومة مثلثة بين الغالبية والمعارضة والرئيس العتيد وغير قادرة على القرار، مع إرجاء البحث في قانون الإنتخابات ، فهو أمل غير مبني على أسس واقعية على ما اتضح إثر بيان قوى المعارضة الذي أكد الترابط بين بنود الإتفاق على الحكومة والقانون ثم انتخاب الرئيس. ولكن يبدو أن القطريين ومعهم ممثلي الجامعة العربية يصرون على هذه الرؤية إلى الحل، على الرغم مناعتراضات رئيس quot;تكتل التغيير والإصلاحquot; الجنرال ميشال عون في شكل خاص.

وغني عن التذكير بأن انتخاب رئيس سيؤدي تلقائيًا على ما وعدت المعارضة إلى فك الإعتصام في وسط بيروت، ويأمل النائب المر ومن يسعى معه في اتجاه تحقيق الإنتخاب أن تحل الأزمات الفرعية تباعًا بعد ذلك، لكن الواقع أن تشكيل الحكومة بعد الإنتخاب ليس مضموناً، وإذا تعثر فقد تستمر حكومة السنيورة في تصريف الأعمال زمناً طويلاً . وهذه بداية سيئة لعهد رئاسي جديد. كما أن الإتفاق على قانون إنتخابي جديد قد يتعثر أو يتعذر، وفي هذه الحال سوف يتمنى اللبنانيون أن تطول الهدنة أقله لمدة أشهر وألا تكون وقتاً مستقطعاً للتزود بالسلاح والذخيرة. وقد تتسهل في ظل هذه الأوضاع والمخاوف مسألة تشكيل حكومة إنتقالية حيادية تكون مهمتها وضع قانون للإنتخابات والإشراف على إجرائها بعد 9 أشهر.

وواضح أن قوى المعارضة ولا سيما quot;حزب اللهquot; تضع نصب أعينها ضرب quot;تيار المستقبلquot; سياسيًا بعدما ضربته عسكريًا في quot;حرب الأيام الستة quot; وتستمر في الضغط عليه أمنيًا في بيروت من خلال إبقاء العناصر الميليشيوية فيها وإن من دون سلاح ظاهر، وفتح المراكز الحزبية في الشوارع والإحياء في مقابل إستمرار ترهيب أنصاره ومنعهم من ممارسة العمل السياسي الظاهر وحتى من العمل الإجتماعي.

وواضح في المقابل إن قوى 14 آذار/ مارس لم تتأثر في مواقفها السياسية بالتغييرات التي طرأت عسكريًا وأمنيًا لغير مصلحتها في العاصمة، وبسبب إصرارها على عدم الإعتراف بهذه النتائج إستطاعت الحؤول دون استثمار quot;حزب اللهquot; وحلفائه ما عدوه quot;إنتصارًا ميدانيًاquot; في تنازلات من طرف واحد، بل على النقيض من ذلك أرادت قوى الغالبية تدفيع quot;حزب اللهquot; ثمنًا لعمليته العسكرية تحت شعار quot;توجيه السلاح إلى الداخل مما أسقط مقولة إن السلاح لمقاومة إسرائيلquot; وكل وعود الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ووعوده لبقية اللبنانيين. هكذا تبدو المعادلة في بيروت واضحة : عودة من الدوحة بلا حل تساوي حرب أهلية في أقرب وقت. والعودة بحل وإن موقت تعني تأجيل هذه الحرب إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.