أٍسامة مهدي من لندن : طالب المدعي العام في المحكمة الجنائية العراقية بانزال حكم الاعدام بنائب رئيس الوزراء العراقي السابق طارق عزيز الذي مثل امامها اليوم و 7 مسؤولين آخرين من كبار رموز النظام السابق المتهمين بالمشاركة في اعدام 42 تاجرا عراقيا صيف عام 1992 والتي تدخل ضمن الجرائم ضد الانسانية.

وطالب المدعي العام عدنان علي بانزال اشد العقوبة واقصاها بعزيز وذلك لتحقيق العدل ولكي تشعر عائلات الضحايا بأن حكم العدالة قد اقتص لها . لكن عزيز دافع عن نفسه معتبرا ان عضويته في مجلس قيادة الثورة المنحل لايعني مشاركته في جرائم قتل كما نقل عنه صحافيون حضروا جلسة المحاكمة وهي الثانية بعد بدء مجرياتها في التاسع والعشرين من الشهر الماضي . واشار الى ان محاكمته انتقامية لان من يحاكمونه الان حاولوا قتله عام 1980 في اشارة الى حزب الدعوة الاسلامية الذي يقوده حاليا رئيس الوزراء نوري المالكي حيث اتهمت السلطات الحزب انذاك بتدبير محاولة اغتيال عزيز .

وقد حضر جلسة اليوم حميع المتهمين وبضمنهم علي حسن المجيد ابن عم الرئيس السابق صدام حسين الذي تغيب عن الجلسة الاولى بسبب سوء حالته الصحية . ودخل عزيز الى قاعة المحكمة في المنطقة الخضراء بوسط بغداد متكئا على عكاز ويسير ببطء مرتديا بدلة رمادية اللون لكن فريق الدفاع تغيب عن الجلسة.

وقد طلب عزيز اثناء مثوله امام المحكمة للمرة الاولى كمتهم منذ اعتقاله قبل حوالي خمسة اعوام بمحامين آخرين بسبب عدم تمكن محاميه الخاص بديع عارف عزت حضور الجلسات لاسباب امنية. واكد زياد النجل الاكبر لعزيز ان المحكمة وجهت لوالده تهمة ثانية تتعلق بتسييس خطب الجمعة ابان حكم الرئيس الراحل صدام حسين. وقال ان المحكمة الجنائية العليا وجهت تهمة ثانية اسخف من الاولى وتتعلق بتسييس خطب الجمعة. واضاف quot;تم الطلب من المحامي الذي يتابع شؤون والدي في بغداد الحضور الى مقر نقابة المحامين لاستلام ملف الدعوىquot;. وقال quot;ان والدي مسيحي علماني لا يتدخل بشؤون الدين وليس له علاقة من قريب او بعيد بخطب الجمعة ولم تكن تربطه اي علاقة بوزارة الاوقاف والشؤون الدينية او بالتعليمات التي كانت توجهها الى خطباء الجمعة آنذاك. وكان زياد اعلن السبت الماضي ان فريق الدفاع عن والده لن يتمكن من حضور جلسة اليوم بسبب عدم حصول اعضائه على تأشيرات دخول الى العراق. واشار الى اquot;ان المحامين الذين ابدوا استعدادا للدفاع عن والدي لم يحصلوا حتى الان على تأشيرة دخول الى العراق لحضور جلسة الثلاثاء. واضاف ان المحامين وهم الفرنسي جاك فيرجيس واربعة محامين ايطاليين تقدموا بطلبات للحصول على تأشيرات لكنهم ما يزالون ينتظرون الحصول عليها.

وكان محامو عزيز طلبوا في الخامس من الشهر الحالي نقل المحاكمة الى خارج العراق او الى اقليم كردستان بسبب الوضع الامني غير المستقر وبهدف تسهيل حضور المحامين جلسات المحكمة ولكي تكون بمنأى عن تأثير الحكومة العراقية لكن طلبهم رفض .

وقد مثل مع طارق عزيز المتهمين السبعة الاخرين امام المحكمة وهم كل من وطبان ابراهيم الحسن وزير الداخلية خلال تنفيذ عملية الاعدام بالتجار وسبعاوي ابراهيم الحسن مدير الامن العام للفترة بين عامي 1991 و 1995، وهما الاخوين غير الشقيقين لصدام حسين .. ومزبان خضر هادي عضو مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية لحزب البعث المنحلين وعبد حميد محمود سكرتير رئيس الجمهوري السابق واحمد حسين خضير وزير المالية السابق بين عامي 1992 و 1995، وعصام رشيد حويش محافظ البنك المركزي منذ عام 1994 لغاية 2003quot; .. اضافة الى علي حسن المجيد الملقب بالكيمياوي والمحكوم بالاعدام سابقا لدوره في عمليات الانفال لابادة الاكراد بعد ان كان تغيب من حضور الجلسة الاولى السابقة للمحكمة لسوء حالته الصحية اثر اصابته بنوبة قلبية الاسبوع الماضي بعد اضراب عن الطعام استمر ثلاثة ايام .

وترأس المحكمة القاضي رؤوف عبد الرحمن الذي حكم بالإعدام على الرئيس السابق صدام حسين عام 2006 بتهم اعدام 148 من سكان بلدة الدجيل شمال بغداد الذين اتهمهم بمحاولة اغتياله. وقد اعدم صدام في 30 كانون الاول (ديسمبر) من العام نفسه كما اعدم نائبه طه ياسين رمضان وبرزان ابراهيم الحسن الاخ غير الشقيق لصدام وعواد احمد البندر رئيس محكمة الثورة بعد فترة قصيرة لثبوت تورطهم في القضية ذاتها.
وتعتبر هذه المحاكمة هي الرابعة التي تنظر فيها المحكمة الجنائية بعد نظرها في قضايا الدجيل لعام 1982 والانفال لابادة الاكراد بين عامي 1987 و1988 والانتفاضة الشعبية في جنوب العراق عام 1991 .

حيثيات قضية اعدام التجار

وكان عزيز الذي كان قد اكد خلال التحقيق معه عدم علاقته بجريمة اعدام التجار في الرابع والعشرين من تموز (يوليو) عام 1992 والتي عرفت انذاك بمذبحة التجار ورد ازاء التهم الموجهة اليه وهي القتل العمد للعراقيين عام 1979 وعام 1991 قائلا quot;هل هي جنائية وهل قتلت شخصا او اعدمت احداquot; .. مؤكدا انه بريء ولم يرتكب اية جريمة والتهم الموجهة اليه باطلة .

وابلغ مصدر عراقي quot;ايلافquot; ان مجلس قيادة الثورة السابق نفذ حكم الاعدام باثنين واربعين تاجرا كبيرا في الرابع والعشرين من تموز (يوليو) عام 1992 وحمل قرار الاعدام الذي وقعه رئيس النظام السابق صدام حسين تهم رفع الاسعار وعدم التبرع للمجهود الحربي والمضاربة في السلع في وقت كان العراق فيه تحت حصار اقتصادي . وقال ان هذه التهم كانت غطاء لاتهامات وجهت للتجار بحشد المواطنين ضد السلطة من خلال اقامة مآدب طعام يومية لفقراء الناس والتبرع للمساجد مما اعتبر توجها معاديا لها .. بالاضافة الى عدم دفع عمولات لعدي صدام حسين الذي كان يهيمن على الحياة التجارية في العراق عن تعاملاتهم التجارية حيث كان يتقاضي نسبة من ارباح الشركات والتجار .

واوضح المصدر ان سلطات النظام السابق قامت قبل صدور قرار الاعدام باقتياد التجار من بيوتهم ومحالهم الى جهة مجهولة بعد ان ابلاغهم ان اجتماعاً ينتظرهم مع شخصيات مسؤولة في الحكومة وبعد يومين اعادت جثثهم الى عائلاتهم بعد تنفيذ حكم الاعدام بهم من دون ذكر أي اسباب لذلك لكنه تم تحذير العائلات من اقامة مجالس للفاتحة على ارواحهم لأنهم quot;متهمون بالخيانة العظمى كونهم من التجار الجشعينquot; على حد قول السلطات . وقد تم اعدام عدد منهم وتعليقهم على اعمدة الكهرباء في بعض مناطق بغداد . واوضح ان من بين المعدومين تاجرين كبيرين هما الحاج رعد طبرة والحاج لطيف السامرائي اللذين عرفا يتوزيعهما معونات شهرية على عدد كبير من العوائل الفقيرة اضافة الى مساهمتهما في تأمين مصاريف حج بيت الله الحرام لعدد كبير من الناس .

نوع الجريمة التي يحاكم بها المتهمون

واشار المصدر الى ان quot;نوع الجريمة التي يحاكم وفقها المتهمون تقع تحت مسمى جريمة ضد الانسانية وان زمان وقوع الجريمة كان ضمن سياسة منهجية لاعتقال التجار استمرت بين عامي 1992 و 1995 متضمنة أصدار أحكام بالاعدام وقطع الايادي والوشم بين الحاجبين ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة.quot; وقال ان quot;الادلة المتحصلة لادانة المتهمين هي أقوال المشتكين والمدعين بالحق الشخصي والشهود، ووثائق وكتب رسمية واضابير خاصة باعدام التجار العراقيين وقرارات أحكام قطع الايادي والوشم بين الحاجبين وكذلك شهادات الوفاة وهويات الاحوال المدنية وشهادات الجنسية العراقية فضلاً عن ألاقراص الصوتية والمرئية المدمجة وتدوين اقوال المتهمين مع افادات الشهود الناجين والمشتكين التي تزيد على 300 شكوى وافادة.quot;

وعن اهم الوثائق والصور في ملف القضية قال المصدر القضائي أن quot;الوثائق والاقراص المدمجة تبين ان صدام حسين أصدر توجيهاته في الخامس والعشرين من تموز عام 1992 الى وزير الداخلية ومدير الامن العام لتنفيذ حملة كبيرة لاعتقال تجار المواد الغذائية في سوقي الشورجة وجميلة في بغداد وهو ما اسفر عن اعتقال اكثر من مائتي شخص تم اختيار 42 منهم ارسلوا عصر اليوم نفسه الى المحكمة الخاصة في وزارة الداخلية انذاك واستمرت المحكمة حتى بعد منتصف الليل وانتهت باصدار احكام الاعدام على جميع المتهمين وتنفيذ الحكم في اليوم التالي مباشرة دون منحهم فرصة مقابلة ذويهم او توديعهم وبدون حضور ممثل عن الادعاء العام او رجل دين.quot;

واضاف المصدر quot;أن عملية أستهداف التجار استمرت لغاية العام 1995 quot;كاشفا عن وجود quot;قرص مدمج يظهر اجتماعا عقده صدام مع وزرائه بعد يوم من اعدام التجار يطالبهم خلاله باجراءات صارمة تتمثل بقطع اليد والاعدام بحق من يتاجر بالدولار الاميركي.. وجرت المناقشة بين الوزراء بان من تقطع يده اليمنى يجب ان تقطع معها الساق اليسرى وفي حال العودة للمارسات نفسها يوشم جبينه بين الحاجبين بعلامة أكسquot;. وقال أن مديرية الامن العامة انذاك قد عممت كتابا الى مديرياتها الفرعية في بغداد والمحافظات بتنفيذ حملة اعتقال لعدد من التجار وتم تشكيل محكمة خاصة في المديرية العامة اصدرت قرارات بقطع ايادي التجار المعتقلين ونفذت الاحكام عام 1995 بحق تسعة منهمquot; . واوضح أن الادلة والاثباتات بحق المتهمين تشير الى قيام النظام السابق بتشكيل محكمة صورية في وزارة الداخلية ومديرية الامن العامة السابقتين واضطهاد التجار العراقيين خلال الاعوام 1992 و1994 و1995 ضمن سياق المحاكم الخاصة التي لم يكن فيها من حق المتهمين تمييز الاحكام او تمتعهم بأي ضمانات قانونية .

وسبق لمصدر عسكري اميركي ان اعلن في الحادي والعشرين من تموز (يوليو) من العام الماضي 2007 ان طارق عزيز قد خضع لفحوصات طبية اثر اصابته بوعكة صحية في السجن لكنه اعيد في اليوم التالي الى زنزانته في العاصمة العراقية. وجاء في بيان للجيش الاميركي في بغداد ان quot;عزيز نقل الى قاعدة بلد العسكرية (شمال بغداد) بعد ان سقط في السابع عشر من تموز فيما كان يسير في سجن كامب كروبر وقد خضع لفحوصات طبية اظهرت ان وضعه الصحي طبيعي ثم اعيد الى زنزانته في كامب كروبر بعد يومين . واشار نجله زياد عزيز المقيم في عمان الى ان quot;طبيب السجن عاينه بعد ان اغمي عليه واطلع على ملفه الطبي وبعد ان تبين له انه اصيب بجلطة دماغية في عام 2002 قرر نقله الى المستشفىquot;.

طارق عزيز .. سيرة ذاتية

طارق عزيز هو المطلوب رقم 12 في قائمة المطلوبين الاثنين والاربعين من كبار المسؤولين العراقيين السابقين لدى القوات الأميركية والمحتجز منذ 24 من نيسان (ابريل) عام 2003 بعد ان سلم نفسه للقوات الأميركية وقد بدأت علاقته بالرئيس السابق صدام حسين في الخمسينيات من القرن الماضي حيث كان يشغل لحين اعتقاله منصب نائب رئيس الوزراء .

ويعد طارق عزيز واحدا من أشهر مسؤولي النظام السابق خصوصا على المستوى الدولي وشغل مناصب سياسية وإعلامية مختلفة. وقد ولد عزيز عام 1936 بإسم ميخائيل يوحنا ثم استبدله فيما بعد باسم طارق عزيز في بلدة تلكيف في العراق وهي بلدة صغيرة تقع قرب مدينة الموصل في شمال العراق وهو مسيحي الديانة من الطائفة الكلدو-آشورية وكان المسيحي الوحيد في حكومة النظام السابق .

درس الأدب الإنجليزي في جامعة بغداد وعمل في الصحافة منذ عام 1958 حيث عمل محررا في جريدة الجمهورية العراقية ثم انتقل للعمل مديراً لجريدة الجماهير في عام 1963 لدى استلام حزب البعث للسلطة في العراق للمرة الاولى . وانتقل للعمل بالصحافة في سوريا بعد انقلاب 18 تشرين الثاني) نوفمبر) عام 1963 الذي قاده الرئيس العراقي الراحل عبد السلام عارف ضد البعثيين . وبعد انقلاب 17 تموز (يوليو) عام 1968 تولى رئاسة تحرير صحيفة (الثورة الناطقة باسم حزب البعث في العراق.

ثم تولى مهمة نائب رئيس مكتب الثقافة والإعلام القومي وفي أوائل عام 1974 انتخب عضواً مرشحاً للقيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي وفي تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1974 أصبح وزيراً للإعلام. وفي عام 1977 نفسه أصبح عضواً في مجلس قيادة الثورة، كما انتخب عضواً في القيادة القومية لحزب البعث فاستقال من الوزارة وتفرغ للعمل الحزبي.

ثم تولى منصب نائب رئيس الوزراء بين عامي 1979 و1983 ثم وزيرا للخارجية حتى عام 1991 ثم أعيد تعيينه نائبا لرئيس الوزراء في اذار (مارس) عام 1991 حتى عام 2003 . كان طارق عزيز قريب جداً من الرئيس العراقي السابق صدام حسين ولعب في اغلب الأوقات دور ممثل رئيس الحكومة الفعلية في الاجتماعات والقمم الدبلوماسية العالمية والعربية وقد يكون إتقانه اللغة الإنجليزية ساعد عل قيامه بهذا الدور.
وفي نيسان (ابريل) عام 1980 نجا طارق عزيز من محاولة اغتيال لدى زيارته الى الجامعة المستنصرية في بغداد قالت السلطات انذاك انها من تدبير عملاء لايران واتهمت عناصر قالت انهم من حزب الدعوة بتنفيذها . وفي التاسع من كانون الثاني (يناير) عام 1991 التقى طارق عزيز في جنيف مع وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر في لقاء شهير لإيجاد حلول لموضوع انسحاب العراق من الكويت وإنهاء احتلاله لها. وفي 14 شباط (فبراير) عام 2003 قام طارق عزيز بمقابلة البابا يوحنا بولص الثاني ومسؤولين آخرين في الفاتيكان حيث نقل رغبة الحكومة العراقية في التعاون مع المجتمع الدولي وخاصة حول نزع الأسلحة.

وقد استسلم للقوات الاميركية في نيسان (ابريل) عام 2003 وهو محتجز في سجن كامب كروبر بمطار بغداد الدولي في ضواحي بغداد الغربية . وتطالب عائلته باستمرار باطلاق سراحه بسبب وضعه الصحي. وقد تم تسليمه من الناحية القانونية إلى السلطات العراقية في الثلاثين من حزيران (يونيو) عام 2004 وتتولى قوات التحالف في العراق فقط quot;توفيرالامن والحماية للموقوفين ومن بينهم عزيز الذي أفهم بالجرائم المنسوبة إليه أصوليا وتليت عليه حقوقه وفقا لأحكام القانون وبذلك إنتقلت عملية توقيفه بشكل قانوني من مسؤولية قوات التحالف إلى القضاء العراقي.