خلافات شديدة على تشكيلة الحكومة والبيان الوزاري
هكذا ستكون بدايات عهد quot;فخامة الرئيسquot; سليمان

إيلي الحاج من بيروت:
يتجاوز اللبنانيون يومهم إلى غدهم في سرعة فائقة تماما كما يتخطون الماضي بلمح البصر فكأنه لم يكن. هكذا يتعاملون مع انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان اليوم رئيساً للجمهورية بالتوافق على أنه حصل منذ زمن وأصبح خلفهم. صحيح أنهم يعطون وقتاً للإحتفاليات المرافقة والتي يشارك بها ممثلو العرب والغرب، لكن قراءة ما يخبىء لهم الغد تظل تشغلهم فهي هوايتهم الفضلى ومن أطباعهم. لذلك يبرز في أحاديثهم سؤال أكثر إلحاحاً من غيره : كيف سيكون عهد رئيسنا الجديد؟ وأول الخوف عندهم أن يمضي مجمله في حل الخلافات العميقة والمتناسلة يومياً بين قادة المذاهب والأحزاب والقبائل، فلا يتبقى له متسع وقت ليحاول حكماً في هذه البلاد العصية على الحكم.
لمحاولة الإجابة عن هذا السؤال المصيري والحاسم، هذه الإضاءات:

-في عملية إنتخاب الرئيس سليمان مساء اليوم وأداء القسم ، حل رئيس مجلس النواب نبيه بري بسحر ساحر سلسلة عقبات كان بعضها من صنعه، ولاقاه فريق الغالبية النيابية بتسهيلات مقابلة، دليلاً على أن النية الإيجابية إذا ما توافرت كفيلة تسهيل الحلول مهما بدت مستعصية. هكذا حُلّت تباعاً في الساعات الماضية مسألة شكلية لكنها حملت فريق الأكثرية على التلويح بعدم النزول الجلسة وتمثلت في عدم دعوة الرئيس بري لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة والوزراء غير النواب إلى المجلس وانتهى الأمر بدعوتهم إلى جلسة أداء القسم على قاعدة أن لا ضرورة دستورية لحضور الحكومة جلسة الإنتخاب. وهكذا أيضاً حُلّت عقدة دستورية تمثلت برفض الرئيس بري تعديل الدستور لأنه يحتم المرور بحكومة الرئيس السنيورة التي يصر بري على عدم الإعتراف بشرعيتها ودستوريتها وميثاقيتها.
وكان المخرج الذي توافق عليه الطرفان بتبني دراسة قانونية سابقة للنائب في كتلة quot;المستقبلquot; بهيج طبارة تقول بأن الفراغ الرئاسي يساوي الأحوال الطارئة مثل وفاة الرئيس أو استقالته بما لا يتيح تعديل الدستور لانتخاب موظف رئيساً . فبقي النائب بطرس حرب وحيداً في رفضه هذه quot;الهرطقة الدستوريةquot; كما اعتبرها . وحيداً في حمله ورقة بيضاء في صندوق الإنتخاب بعدما فضّل رئيس حزب quot;القوات اللبنانيةquot; سمير جعجع سلوك بداية جيدة مع العهد الآتي، فيسجل نواب حزبه الأربعة تحفظهم عن الآلية الدستورية المعتمدة وينتخبون سليمان.

-في عملية تسمية رئيس الحكومة العتيدة الثلاثاء المقبل بعد ساعات من الإستشارات النيابية الملزمة، كان الرئيس بري واضحاً في تحديده باسم قوى المعارضة أنه يعود للغالبية النيابية أن تسمي من تريد وكذلك للمعارضة، وبطبيعة الحال سيؤدي حسبان الأصوات إلى تكليف من تختاره الغالبية . وسيكون كما ذكرت quot;إيلافquot; سابقاً، الرئيس الحالي للحكومة فؤاد السنيورة، إلا إذا طرأ ما ليس في الحسبان. علماً أن النائب الجنرال ميشال عون كان تمنى أن تقدم الغالبية مرشحاً آخر.

-في عملية تشكيل الحكومة ، سهّل اتفاق الدوحة كثيراً الصيغة بتحديده النسب: 16 للغالبية، 11 للمعارضة، و3 للرئيس سليمان، ويبقى موضوع تقاسم الوزارات لا سيما السيادية منها . ويبدو حتى الآن أن هناك إتفاقاُ على أن تكون وزارة الداخلية من حصة الرئيس سليمان، لكنه اتفاق يفتح الباب على خلاف . فهذه الوزارة الشديدة الحساسية لكونها ستشرف على إنتخابات نيابية حاسمة وتحدد أي فريق سيحكم لبنان بعد ربيع 2009 لا يريد النائب الجنرال ميشال عون أن تكون في تسلم وزير الدفاع الحالي الياس المر القريب من الرئيس سليمان، ويرفض كذلك أن تكون لوالده النائب ميشال المر الذي كان عضواً في تكتل عون النيابي quot;التغيير والإصلاحquot; وخرج منه ليقود حملة الضغط من أجل إنتخاب سليمان. ولا شك أن الجنرال عون يخشى أن يعمل المر ، الأب والإبن، على تشكيل كتلة نيابية لرئيس الجمهورية ستكون على حساب حجم عون النيابي. تقول أوساط عون أن لاحاجة لرئيس الجمهورية إلى كتلة نيابية وهذه نقطة خلاف قد تتفاعل لاحقاً كلما اقترب موعد الإنتخابات النيابية . وأيا يكن الوضع ستشكل مسألة أسماء الوزراء وتوزيع الحقائب والحصص عقدة عويصة، ولكن غير عاصية على الحل بالنظر إلى الأجواء الإيجابية السائدة. وحتى اليوم عرف من فريق سليمان الثلاثي إلى جانب المر الإبن، النائب السابق عن جبيل إبن عمشيت ناظم الخوري وهو إبن عم النائب الحالي في تكتل عون وليد الخوري، وجار الرئيس سليمان وصديقه الأقرب. أما الثالث فلم يعرف بعد، وإن كانت أوساط عونية تحدثت عن إحتمال أن يوزّر سليمان شقيقه محافظ البقاع بالأصالة وجبل لبنان بالأصالة أنطوان سليمان. وهذه خطوة إذا تحققت فلن تكون في مصلحة العهد الجديد، لأنه سيتيح لخصومه تصويره كبقية العهود التي يجمع فيها الرئيس الأنسباء وأفراد العائلة.

وتردد انquot; تكتل التغيير والإصلاحquot; الذي يترأسه عون سيكون له خمسة وزراء من أصل ال 11 المحجوزة للمعارضة، وهؤلاء هم: النائب أغوب بقرادونيان ( الطاشناق) ايلي سكاف (quot;الكتلة الشعبية الزحلية) ابراهيم كنعان وعصام أبو جمرة وجبران باسيل. والسؤال المطروح هنا: هل يدخل الوزيران السابقان سليمان فرنجية وطلال ارسلان الحكومة، أم يحصر التمثيل الحكومي في الكتل النيابية ويحرم من هم خارج مجلس النواب؟ وهل يكون للمعارضة السنية مكان في الحكومة وفي المقاعد ال ١١ المخصصة للمعارضة؟

-في البيان الوزاري للحكومة الجديدة، سيصر quot;حزب اللهquot; وحلفاؤه على تغطية رسمية لسلاح quot;المقاومةquot; على غرار التغطية التي حظي بها في البيان الوزاري لحكومة السنيورة الحالية. وستصر قوى الغالبية في المقابل على اقتصار البيان على نتائج الحوارات الوطنية السابقة وخطاب القسم، والتركيز على ما أورده بيان إتفاق الدوحة في هذا الشأن، والذي لم يذكر quot;المقاومةquot; ولا دعمها إطلاقاً بل ركز على بسط سيادة الدولة على كل أراضيها والحوار برعاية رئيس الجمهورية في شأن سلاح التنظيمات والمقصود سلاح الحزب الشيعي وحلفائه. وهذه نقطة خلاف أخرى كبيرة قد تجعل انطلاقة الحكومة متعثرة وتستلزم مرة أخرى حكمة الرئيس سليمان ووساطات العرب.
- في التعيينات العسكرية والأمنية، يبدو أن الرئيس سليمان يتجه إلى الطلب من الحكومة تعيين مدير المخابرات الحالي العميد الركن جورج خوري قائداً للجيش، على أن يحل محله في المديرية ( على الأرجح) القائد الحالي لمخابرات جبل لبنان العقيد جوزف نجيم ويتولى قيادة الحرس الجمهوري العقيد وديع الغفري.

مرحلة جديدة إذاً تنتظر لبنان، ستتبدل فيها تحالفات سياسية وتبرز عقد تلو عقدة وتحل كلها بالتي هي أحسن، فالجميع يتطلعون إلى الربيع الآتي وانتخاباته ويمكن اللبنانيين والسياح المتوجهين بكثافة إلى بلاد الأرز، وفق أرقام القطاعات السياحية، أن يطمئنوا إلى العهد الجديد في بداياته على الأقل.