نضال وتد من تل أبيب: بعد ساعات قليلة على بدء سريان مفعول التهدئة بين إسرائيل وحماس، أطلقت إسرائيل حملة علاقات عامة واسعة النطاق وظفت من خلالها اتفاق التهدئة للدلالة على quot;تفضيلهاquot; لأفق الحوار والتهدئة حتى مع حركة quot;تعتبر إسرائيل أن أحد أهداف الاستراتيجية للحكومة هو القضاء على سلطتها في القطاعquot; ولكن وفي الوقت ذاته فقد أطلقت العنان أيضا للتحذيرات والتهديدات لحركة حماس .

فقد منح رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت مقابلة صحافية لتلفزيون البي. بي. سي باللغة العربية، ومقابلات صحافية أخرى لصحف أجنبية، كرست كلها للترويج للسياسة الإسرائيلية، الساعية إلى التوصل إلى مع الجيران العرب، وفي هذا السياق أعلن أولمرت مثلا أن هناك تقدما ملموسا في المفاوضات بشأن الحدود مع الجانب الفلسطيني، وأنه يمكن حتى نهاية العام التوصل إلى تفاهمات عامة مع الفلسطينيين، وذلك في الوقت الذي يؤكد فيه الجانب الفلسطيني أنه لا تزال هناك هوة واسعة بين الطرفين في القضايا الرئيسية.

ومع تركيز رئيس الحكومة الإسرائيلية على محاولات بث نوع من الوهم على صعيد تحقيق تقدم مع الفلسطينيين أو السوريين، فإنه توقف أيضا عند توجيه التهديدات لحركة حماس بأن التهدئة quot;تشكل آخر فرصة للحركة يمكن أن تجنبها الضربة العسكريةquot;.

وبرز في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين اليوم، التأكيد على اعتقادهم بأن التهدئة هي هشة وبالتالي فإن عمرها لن يكون طويلا فهي quot;قد تستمر يومين أو شهرينquot; على حد تعبير وزير الأمن الإسرائيلي، إيهود براكم المتواجد في فرنسا.

وتعكس هذه التصريحات، في واقع الحال حقيقة الموقف الإسرائيلي، فإسرائيل لا تريد عمليا التهدئة، وخصوصا في ظل الظروف السياسية الداخلية المحيطة برئيس الحكومة، إذ أن التهدئة في الشروط التي أعلن عنها وفي مقدمتها عدم الإفراج عن الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط منذ البداية، وضعت حكومة أولمرت في وضع شديد الحساسية، لدرجة دعت بوالد الجندي المختطف، نوعام شاليط، يهدد باللجوء إلى المحكمة الإسرائيلية لمنع تطبيق استحقاقات التهدئة، وفي مقدمتها فتح وتشغيل معبر رفح، ما لم يطلق سراح ابنه المحتجز لدى حماس، على اعتبار أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه شكل عمليا نقض لتعهد الحكومة ورئيسها لعائلة شاليط.

وقد وجدت الحكومة الإسرائيلية، نفسها في وضع أقل ما يقال فيه إنه بين المطرقة- مطرقة صواريخ القسام وقذائف الهاون وضرورة إنقاذ هيبتها أمام حماس وأمام الجمهور الإسرائيلي من جهة، وبين سندان الضغوط المصرية والخوف على مستقبل التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل، إن تجاهلت إسرائيل الموقف المصري الرسمي والجهود المصرية للتوصل إلى تهدئة.

وفي هذا السياق لفتت اليوم صحيفة هآرتس، إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، سيتوجه الثلاثاء القادم إلى القاهرة، للقاء الرئيس المصري حسني مبارك، حيث سيبحث معه ملف التعاون الأمني الإسرائيلي المصري، والدور المصري في وقف التهريب عبر رفح وسيناء إلى غزة. وقالت الصحيفة إن زيارة أولمرت ستكون مع بدء الاتصالات والمفاوضات حول إطلاق سراح جلعاد شاليط.

وقد لعب خوف إسرائيل من إحراج مصر وإرهاصات ذلك، وخصوصا التهديدات المصرية بفتح معبر رفح من الجانب المصري في حال رفضت إسرائيل التهدئة مع حماس، دورا حاسما، وفق تصريحات أعضاء المجلس الوزاري السياسي الأمني المصغر، في الحكومة الإسرائيلية، في قرار إعطاء مصر الفرصة للتوصل إلى اتفاق تهدئة.

لكن الشروط النهائية للاتفاق، وأهمها تراجع إسرائيل عن شرط الإفراج الفوري عن شاليط، وفر وقودا حارقا للمعارضة الإسرائيلية، وعلى رأسها الليكود، حيث اعتبر زعيم الليكود، بينيامين نتنياهو الاتفاق بأنه استسلام وخنوع لحركة حماس. ويستعد الليكود لتقديم اقتراح قانون حل الكنيست يوم الأربعاء القادم، من هنا فإن أولمرت سيحاول خلال لقائه بالرئيس المصري حسني مبارك، العودة بإنجاز ما يمكن أن يعرضه على الجمهور الإسرائيلي، قد يساعده في محنته، أو على الأقل يوفر سلما لحزب العمل (الشريك الأكبر في حكومة أولمرت) يمكن هذا الحزب من النزول عن الشجرة العالية التي تسلقها وهدد من على قمتها بحل الكنيست والتوجه لانتخابات عامة.

وتشكل ورقة شاليط، في الظروف الراهنة، وخصوصا في ظل الانتقادات للاتفاق التهدئة، ورقة رابحة بأيدي الطرفين؛ الإسرائيلي ، وحماس، فالأمل باستعادة جلعاد شاليط، وترجيح القرار لجهة التهدئة كان وسيظل المبرر الرئيسي لحكومة أولمرت في عدم شن العملية العسكرية في غزة رغم التهديد بها صباح مساء، أما بالنسبة لحماس فإن نجاحها في فصل قضية شاليط عن التهدئة سيعطيها قوة هي بحاجة لها في الشارع الفلسطيني، ويوفر لها شرعية لحكمها، من خلال اضطرار الحكومة الإسرائيلية إلى رفع الحصار عن القطاع، وفتح المعابر والتفاوض معها ، سواء كانت هذه المفاوضات تمت بصورة مباشرة، أم غير مباشرة.

مستقبل التهدئة مرهون بتطورات داخلية

تؤكد التصريحات الإسرائيلية التي تشكك في مدة استمرار التهدئة على أرض الواقع، أن مصير التهدئة ليس مرهونا بسلوك حماس أو أي من الفصائل الفلسطينية، بقدر ما هو مرهون ومتعلق بالتطورات الحزبية الداخلية على الساحة الإسرائيلية، ففي حال وجد أولمرت وبراك أنفساهما محاصران باستطلاعات لصالح الليكود، وخطر حقيقي لحل الكنيست، فإن نسف التهدئة، يكون المخرج الأول لأزمتهم، لا سيما وأنه سيكون بمقدورهم دائما الادعاء أن إسرائيل بذلت قصارى جهدها للامتناع عن حل عسكري، وأنها أعطت التهدئة فرصة كبيرة، وبالتالي فإن أي خرق مهما كان تافها سيكون بمثابة الشرارة التي ستحرق الهدنة كليا، وتوفر لأولمرت وبراك ذريعة لشن عملية عسكرية يمكن لها أن تنقذهما من انتخابات يفوز فيها نتنياهو.

فالحكومة الإسرائيلية، تسعى ومنذ ساعات التهدئة الأولى لاعداد الأرضية على الصعيد العام المحلي والإقليمي والدولي للعملية العسكرية، بدلا من أن تسعى لتثبيت هذه الهدنة، وهي ستشدد من لهجتها كلما شعرت أن سيف الانتخابات يقترب من عنقها ويهدد باستبدالها والإطاحة بها.