موسكو: من المتوقع أن يزور الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف باكو في مطلع شهر يوليو المقبل. ومما لا شك فيه أن الصراع على النفوذ في أذربيجان بين روسيا والغرب والذي اندلع بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي، سيتواصل في عهد الرئيس الروسي الجديد أيضا.

وكانت لدى موسكو في مختلف السنوات أهداف مختلفة في هذا البلد القوقازي الغني بموارد الطاقة. ففي بداية التسعينات كان الهدف يتمثل في محاولة إعادة أذربيجان إلى رابطة الدول المستقلة من خلال غلقها أمام شركات النفط الغربية. ومن ثم، نشبت معركة ضد إنشاء الأنبوب باكو ـ جيهان، الذي يربط حقول بحر قزوين بهذا الميناء التركي على البحر الأبيض المتوسط.

وكان هذا الخط الذي يتجاوز الأراضي الروسية، يعتبر عنصرا أساسيا في الاستراتيجية الإقليمية للولايات المتحدة الرامية إلى التقليل من نفوذ موسكو في منطقة بحر قزوين. وفيما بعد ظهرت خطط إنشاء quot;حراسة لبحر قزوينquot; لتشمل منظومة لمراقبة المجال الجوي للبحر وقوات انتشار سريع على حد سواء. وعرضت روسيا بالمقابل التي تعارض ظهور سفن quot;غريبةquot; في بحر قزوين، فكرة إنشاء حماية بحرية مشتركة مع أذربيجان باسم quot;كاسفورquot; (قوات قزوين).

ولا تزال أجندة quot;اللعبة الكبرىquot; تضم اليوم نفس البنود ـ تكامل إذربيجان عسكريا مع الغرب، والتعاون في ميدان الطاقة. وتناقش وسائل الإعلام الأذربيجانية بنشاط الأخبار حول استعداد الولايات المتحدة للمشاركة في بناء سفن حربية، وتوريد معدات وتقنيات من تشكيلات القوات البحرية الأمريكية إلى أذربيجان، مما يعني، بعبارة أخرى، أن خطة quot;حراسة بحر قزوينquot; لم تفقد حيويتها.

أما شركة quot;غازبرومquot; الروسية فهي بدورها على استعداد لاقتحام السوق الأذربيجانية، ويدل على هذا عرض رئيس الشركة ألكسي ميلير شراء الغاز الأذربيجاني على أساس عقود طويلة الأمد وبالأسعار الأوروبية. والتنافس الروسي الغربي مستمر! ومن المفروض أن تظهر زيارة الرئيس دميتري ميدفيديف القادمة إلى باكو، مدى قدرة روسيا على التصدي للغرب في توسيع حلف شمال الأطلسي باتجاه القوقاز، وتقديم خططها في مجال الطاقة.

ولا تقل أهمية، أبعاد تأثير الكرملين على السياسة الأذربيجانية. فقضية قره باخ ومساعدة أرمينيا عسكريا لم تعد من وسائل الضغط الفعالة على أذربيجان، إذ تجري تسوية قضية الأراضي المختلف عليها في إطار منظمة الأمن والتعاون الأوروبي. إلا أنه بقدر ما يتنامى التواجد الأمريكي في المنطقة، تكثر الدعوات داخل أذربيجان للتقارب مع روسيا.

وتميز بذلك عام 2001، عندما جرى استقبال الرئيس الروسي وقتئذ فلاديمير بوتين في أول زيارة رسمية له إلى باكو، بحفاوة بالغة. ومن الممكن اعتبار زيارة بوتين لمقبرة الشهداء، حيث يرقد رفات القتلى إبان نشر القوات السوفيتية في باكو في يناير 1990، حدثا هاما، وضع حدا للاستياء والخلافات والاعتراضات التي كانت تزخر بها التسعينات.

والأهم في كل ذلك ما سبق تلك الزيارة التي أنعشت العلاقات الروسية الأذربيجانية عمليا. فقد التقى بوتين ونظيره الأذربيجاني وقتئذ حيدر علييف في أروقة القمة الدورية لرابطة الدول المستقلة على انفراد، واستمرت محادثاتهما أكثر من أربع ساعات. وبادر إلى عقد هذا اللقاء المصيري حيدر علييف. ولعبت موسكو في هيكل أولويات السياسة الخارجية الذي أعده علييف فيما بعد، دور الكفة الموازنة للغرب الذي كانت مشاريع الطاقة تربط أذربيجان به.

واستمر التعاون مع الرئيس الأذربيجاني الجديد إلهام علييف الذي دعمته روسيا بصفة الوريث. وكان لهذا أسبابه، إذ كانت السلطة، القوة السياسة الوحيدة في إذربيجان التي تود تعزيز العلاقات مع روسيا. فقد طرحت المعارضة التي تعتبر موالية للغرب بصورة أساسية، مرارا مسألة جدوى بقاء إذربيجان في رابطة الدول المستقلة. وأعلن رئيس حزب quot;الجبهة الشعبية الموحدةquot;، النائب قدرات حسانقولييف، الذي تقدم في البرلمان بمبادرة مناقشة قضية انسحاب البلد من رابطة الدول المستقلة: quot;إننا لن نكون أقرب من أرمينيا لدى روسيا أبداquot;.

ومن المفهوم أن تنحية إلهام علييف لا تتجاوب مع مصالح موسكو أبدا. وكان عام 2005، عندما طالب الغرب بإجراء انتخابات برلمانية ديمقراطية، حرجا بالنسبة للرئيس الأذربيجاني الجديد. فقد قرر العودة إلى الوطن رئيس البرلمان الأذربيجاني السابق، quot;أحد ملوك النفطquot; رسول قولييف الذي كان يقيم في المهجر في الولايات المتحدة، واستمال عددا من كبار المسؤولين الكبار والأعضاء في الحكومة الأذربيجانية إلى جانبه. وكانت المعارضة عازمة على شغل ثلث مقاعد البرلمان على الأقل، من أجل المشاركة في انتخابات الرئاسة في عام 2008، بشعبية واسعة تتيح لمرشحها تحدي الرئيس الحالي.

وألقي القبض على رفاق قولييف من المسؤولين بتهمة محاولة تدبير مؤامرة للإطاحة بإلهام علييف. وأكدت وسائل الإعلام الأذربيجانية المطبوعة، أن العاملين في مؤسسات القوة الروسية قدموا مساعدات فنية لزملائهم الأذربيجانيين إبان شن الحملة ضد quot;المتآمرينquot;. ونشأت شبهات حول تقديم الأمريكان الدعم للمعارضة من أجل إرغام علييف على الموافقة على نشر قوات عسكرية غربية في بحر قزوين.

وعلى أي حال صمد إلهام علييف، ولا يوجد منافسون أقوياء له في انتخابات الرئاسة المرتقبة في شهر أكتوبر القادم. وستواصل إذربيجان نهج المناورة بين مصالح روسيا والغرب. ويبقى التعاون العسكري مع الناتو وتقدم quot;غازبرومquot; تشكل النقاط الأساسية التي يجري التنافس عليها. وإذا كانت موسكو تعتمد في حرب quot;الغازquot; على الأسعار، فقد تلجأ روسيا مقابل تقدم الحلف باتجاه أذربيجان إلى استخدام روقة فرض نظام التأشيرات مع هذا البلد مما سيشكل ضربة إلى جيش مهاجري العمل الأذربيجانيين في روسيا، وسيكون له تأثير سيء على الوضع داخل أذربيجان. ومع ذلك تعتبر حاجة أذربيجان نفسها إلى موازنة تواجد الغرب المتنامي بشخص روسيا، الورقة الرابحة الرئيسية.