يلوح في الأفق quot;اتفاق رفquot;
المفاوضات الفلسطينيةالإسرائيلية.. إرخاء حبل التوتر

خلف خلف- إيلاف: المسيرة السياسية بين إسرائيل والعرب عمومًا لم تتقدم منذ عقد من الزمن، وعلى المستوى الفلسطيني لا يوجد من الدلائل والمعطيات ما يشير إلى قرب quot;اتفاق دائمquot; قريب، على الرغم من التفاؤل المعلن سواء من جهات فلسطينية أم إسرائيلية أو حتى أميركية.

بل نتيجة عدة عوامل ضاغطة، وجملة أهداف آنية يمكن للمفاوضات المتواصلة منذ بداية العام الجاري التمخض عن quot;اتفاق رفquot;. يفترض تضمنه الخطوط الهيكلية لحل الدولتين، والحدود المستقبلية بين الطرفين، والمهام الأمنية المتبادلة، وتقديم إجابات لقضايا غير معقدة، كالاستيطان، والمياه، على أن يؤجل تطبيقه حسب خارطة الطريق لحين تسنح الفرصة بذلك. الفروض القائم على أساسها الطرح المقدم، تتصل بجملة تداخلات وأوضاع تعيشها الساحتان الفلسطينية والإسرائيلية، بالإضافة إلى الظرف الدولي ككل.

أولها أن quot;الاتفاق المؤجلquot; سيوفر فرصة ثمينة للرئيس عباس لعرض ما هو بديل من حركة حماس، وبخاصة أن السلطة الفلسطينية تواجه في الوقت الحالي تراجعًا في شعبيتها، ومرتهنة بالمساعدات الدولية، كذلك لا يلوح في الأفق قرب التوصل إلى اتفاق فلسطينيفلسطيني ينهي حالة الفرقة بين الضفة وغزة.

أما الحكومة الإسرائيلية بدورها، فقد تتمكن من تمرير اتفاق كهذا شعبيًا وحزبيًا، فهو لن يتطرق إلى قضايا رئيسة معقدة، هددت مسبقًا بعض أحزاب الائتلاف الحكومي الإسرائيلي (مثل شاس) بالانسحاب من الحكومة، في حال نوقشت مع الفلسطينيين مسائل الألباب كالقدس واللاجئين، بالإضافة إلى ذلك قد لا تعارض حتى حماس اتفاقاً كهذا إذا أحرزه quot;أبو مازنquot;.

فرض آخر يعزز إمكانية توقيع quot;اتفاق مؤجلquot;، يرتبط بتوفير الهدوء، فهو سيقدم الحلول الجزئية لمشكلات الفلسطينيين الإنسانية، واستراحة للإسرائيليين من مأزومية الصراع وعنفه. تشير الدلائل على الأرض إلى أنه كلما تأخر الاتفاق بين الطرفين، احتدم الخلاف، وارتفعت درجة اليأس والإحباط بين الشعبين، وربما تتدهور الأمور في المستقبل، ويصبح من الصعوبة إيجاد قاعدة للتفاهم المشترك.

بمعنى هناك حاجة ماسة لدى الطرفين لترقيد الصراع، حتى لا يتخذ أي طرف خطوات أحادية، أو خطوات غير منسقة تزيد من تعقيد الوضع على الأرض. بالإضافة إلى الاتفاق المذكور يمنح سياسي الجانبين إحساسًا بالحيوية للمسيرة السلمية.

أيضا تدرك تل أبيب مليًا أن نزاعها مع الفلسطينيين ليس منعزلا عن الوضع الإقليمي، فلن يكتب الاستقرار لأي اتفاق سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين طالما لم يشهد ملف النزاع ككل حلحلة وانفراجًا. وعليه، فالاتفاق مدار الحديث يمنحها الفرصة الكافية للتفرغ للمفاوضات مع دمشق، على أن تعود لتوقيع اتفاق دائم مع الفلسطينيين لاحقًا، ولعل موافقة الحكومة الإسرائيلية على التهدئة مع حركة حماس في غزة تدلل على صدق هذا الافتراض.

وان كان الفلسطينيون والإسرائيليون يقررون جدول المفاوضات. غير أن محافل دولية تبدي اهتمامًا مباشرًا بالنزاع وتشارك في محاولات دفعه نحو النهاية، فللإدارة الأميركية الحالية مصلحة في quot;اتفاق رفquot; تروجه على أنه انجاز للرئيس المغادر جورج بوش. وجهودها في هذا السياق آخذة بالتلهب. ستحتضن خلال الأشهر الثلاثة المقبلة 3 اجتماعات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أعلن رئيس طاقم المفاوضات الفلسطيني أحمد قريع. وإسرائيل من ناحيتها، تبدي اهتمامًا كبيرًا لعامل الضغط الأميركي، مع الأخذ بالحسبان أن أي مبادرة دبلوماسية مهمة تحتاج موافقة أميركية مسبقة لتستطيع الإقلاع.

يلبي التصور أيضا رغبة وميول أجزاء أخرى من العالم، كأوروبا التي تعلو بها الأصوات المتهمة لإسرائيل بالتهرب من التقدم على مستوى الاتفاق الدائم مع الفلسطينيين. وبشكل عام قد يبين الاتفاق للشعبين، وللدول العربية والجماعة الدولية انه يوجد أساس متفق عليه لحل دائم، وبذلك يقدم احتمال التوقيع على اتفاق كهذا في المستقبل، وبخاصة أنه سيوفر الوقت اللازم لإعداد الأرضية المناسبة للتسوية النهائية وحل القضايا المختلف عليها، وفي قمتها القدس واللاجئين.

أما المشكلات التي تعترض التوجه المطروح، فتتلخص بالآتي: تتخوف إسرائيل من التوصل إلى ترتيبات أمنية مع الفلسطينيين، قد تجعلها في مأزق مستقبلي في حال تغيرت الأوضاع. مثلا وقوع السلطة ككل في يد حماس. أيضا نتيجة الشقاق والتشرذم الفلسطيني الحالي تعتقد إسرائيل أنه يصعب التعامل مع أي اتفاق- على الأقل في الفترة الزمنية القريبة- على أنه ينظر إلى قطاع غزة والضفة الغربية على أنهما كيان واحد.

أما القيادة الفلسطينية بدورها، فتخشى تقديم أي تنازلات جوهرية قد تمس بقدرتها على المساومة مستقبلا في مرحلة يكون فيها تحقيق الاتفاق الدائم ممكنًا بشكل أفضل، ولهذا السبب بالذات يتمسك الفلسطينيون في المرحلة الحالية بالعمل على الاتفاق الدائم، وهو ما جاء على لسان العديد من المسؤولين الفلسطينيين الذين أكدوا أن المفاوضات تتناول كافة قضايا الخلاف بين الجانبين.

وللمعيقات السابقة يضاف أن الفشل في تطوير quot;اتفاق الرفquot; وتنفيذه، قد يفضي إلى موجة عنف جديدة، تكون أشد في حدتها من الموجة التي تبعت فشل اتفاق كامب ديفيد عام 2000. كما تخشى إسرائيل استغلال حركة حماس للهدوء المتوقع من أجل تعزيز قوتها العسكرية، حيث سيحد الاتفاق من قدرة عمل الجيش الإسرائيلي ضد الحركة.
ولكن جميع المعيقات المذكورة لا تكبح خروج اتفاق جزئي quot;مؤجلquot; للنور نهاية هذا العام، سيضاف إلى سلسلة من الاتفاقات المرحلية الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لا يقدم حلا جذريا بقدر ما يعتبر تخديرًا موضعيًا للصراع، ومهدا جديدا لسنين طويلة من المفاوضات حول قضايا الحل النهائي.