بيروت: ترافق استمرار التعثر امام تشكيل الحكومة الجديدة مع تجدد الاشتباكات في مدينة طرابلس في شمال لبنان بين منطقة باب التبانة ذات الأغلبية السنية ومنطقة جبل محسن ذات الأغلبية العلوية. ويناهز عمر خط التماس الذي جرت عليه تلك الاشتباكات عمر الحرب الأهلية، لكن تلك المتاريس أزيلت مع انتهاء الحرب من دون أن تزول رواسبها التى تعود الى الواجهة كل مرة تتجدد فيها تلك الاشتباكات.

وليست جذور هذا الصراع المذهبي المسلح هي الدافع المباشر لتلك الاشتباكات، لأن توقيت تجددها يتزامن كل مرة مع تعثر سياسي والحاجة الى توجيه رسائل ما. وقد أكد على ذلك مفتى طرابلس والشمال، مالك الشعار، عندما تحدث عن طرف ثالث ووجود أسماء لدى الأجهزة الأمنية تثبت وجود من يسعى إلى تجدد الاشتباكات. من جهتها تقول الأجهزة الأمنية بأن ليس هنالك من أسماء أو جهات محددة إنما انطباعا بوجود من يسعى إلى تفجير الوضع لأغراض سياسية؛ لكنها لم تسمه ولم تسم اهدافه السياسية.

وقتل أربعة أشخاص وجرح خمسون على الأقل خمسة منهم من أفراد الجيش اللبناني في الاشتباكات التي اندلعت ثانية في مدينة طرابلس ثاني أكبر المدن اللبنانية. وهزت الانفجارات وأصوات إطلاق النار المدينة بعد هدنة دامت أسبوعين بين منطقة التبانة السنية في الغالب والمناصرة للحكومة وجبل محسن وغالبية سكانه من العلويين المعارضين للحكومة. وبدأت الاشتباكات ليلة الأربعاء حين ألقى مجهولون بضع قنابل على شارع سوريا الفاصل بين المنطقتين الفقيرتين. وفرت العشرات من العائلات من المناطق المشتعلة ولجأوا إلى أحياء أخرى أهدأ في المدينة.

وتبادل قناصة ملثمون من الجانبين إطلاق النار واشتد القتال مع غروب الشمس فيما سعت الزعامات السياسية والدينية في المدينة إلى احتواء الموقف. وقد أعلن الجانبان التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يعمل به منذ الثامنة مساء الأربعاء بالتوقيت المحلي، وهدد الجيش الذي تنتشر وحدات منه في المدينة منذ بدء الاشتباكات الشهر الماضي بإطلاق النار على المخالفين.

وكان أكثر من عشرة أشخاص قد لقوا حتفهم وأصيب عشرات آخرون في المواجهات التي جرت في طرابلس الشهر الماضي. ويثير التأخر في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية كما نص عليه اتفاق الدوحة مخاوف من تدهور اكبر في الأوضاع الأمنية في لبنان.

اتهامات أقل

وكان لافتا للانتباه انحسار الاتهمات المتبادلة بين الأكثرية والموالاة بالمسؤولية عن تجدد تلك الاشتباكات. وأعاد البعض سبب ذلك إلى كون الاشتباكات جاءت خارج سياق التهدئة الذي ساد اعتبارا من الأسبوع الماضي ، ولكون تشكيل الحكومة وصل الى مراحله النهائية بحيث يعود السبب المعلن لتأخير إعلان الحكومة، إلى التباين ضمن فريق الأكثرية حول الحصص والحقائب.

بالمقابل برز تحليلان لما جرى يربطان اشتباكات الشمال بما وصف من قبل أوساط رئيس الحكومة بالعقدة الجديدة التى برزت في الساعات القليلة الماضية والمتمثلة في إصرار حزب الله على منح شخص مقرب من سوريا حقيبة وزارية.

التحليل الأول يتهم حزب الله بافتعال تلك الاشتباكات للضغط باتجاه منح منصب وزاري لعلي قانصوه مسؤول سابق في الحزب السوري القومي الاجتماعي تتحفظ عليه الاكثرية. وكان اسم قانصوه قد برز في الساعات القليلة الماضية عندما تردد أن حزب الله اقترحه من حصته في المقاعد الشيعية.

ومعلوم أن حزب الله كان قد اقترح اسم وزير واحد فقط من أصل ثلاثة وزراء هم من حصته متريثا في تسمية الوزيرين الباقيين. لكن الحزب عاد وأبلغ السنيورة أن أحد هؤلاء هو المسؤول القومي. أما تحفظ السنيورة فيعود كما سربت مصادره، إلى كون الحزب القومي هو أحد الذين شاركوا فيما تسميه الأكثرية quot;غزوةquot; بيروت التى قادها حزب الله في ايار/ مايو ردا على قرارات اتخذتها الحكومة بالنسبة لشبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله ولوضع كاميرات لمراقبة المطار.

رسالة

اما التحليل الثاني فيتهم الاكثرية بافتعال تلك الاشتباكات لتوجيه رسالة الى حزب الله مفادها أن الضغط على الأكثرية -ولاسيما على تيار المستقبل الذي يقود الاعتدال السني في لبنان- سيؤدي بالنتيجة الى تقوية التيارات يخرج عن السيطرة فيما بعد. فترشيح المسؤول السابق في الحزب القومي لشغل منصب وزاري، يستفز السنة في لبنان لأنه شارك في أحداث بيروت الأخيرة وفي أحداث الشمال أيضا في مايو/ أيار الماضي. و معلوم أن منطقة الشمال هي مركز النفوذ الأول للتيارات السلفية التي تتمتع بحضور بارز ومتصاعد في مدينة طرابلس بشكل خاص.

وكانت الأطراف اللبنانية المعارضة والمؤيدة للحكومة قد توصلت في أيار/مايو الماضي إلى اتفاق وقع في مدينة الدوحة القطرية لحل الأزمة السياسية التي كانت تحكم قبضتها على البلاد. وبلغت ذروة الأزمة في اشتباكات في العاصمة بيروت بين أنصار الفريقين هددت البلاد بالانزلاق ثانية إلى حرب أهلية كالتي اندلعت في منتصف السبعينات من القرن الماضي ودامت 15 ستة.

وقتل في اشتباكات بيروت 81 شخصا وجرح أكثر من 200 آخرين، واندلعت بشكل رئيسي بين حزب الله وأمل والحزب القومي الاجتماعي المعارضين للحكومة من جهة وبين أنصار تيار المستقبل الذي ينتمي إليه فؤاد السنيورة رئيس الحكومة من جهة أخرى.

وكانت الحكومة قد أصدرت عددا من القرارات رأى فيها حزب الله استهدافا له وخروجا على البيان الوزاري الذي يحكم عمل الحكومة. وأدت الاشتباكات الطائفية منذ توقيع الاتفاق إلى مقتل 20 شخصا.