طلال سلامة من روما: بعد تبنيه القبضة الفولاذية مع عائلات الغجر، أدهش quot;فلافيو توزيquot;، رئيس بلدية مدينة quot;فيروناquot;، الجميع بدعوته الكنيسة الكاثوليكية وجمعيات الرعاية الاجتماعية الى إيجاد شقق جديدة لتلك العائلات التي أجبرت على مغادرة خيمها بحثاً عن ملجأ آمن لها. غريب هذا الأمر في ضوء تمرد روبرتو ماروني(وزير الداخلية) وقوانينه المتعلقة بأخذ بصمات الغجر في وجه الاتحاد الأوروبي الذي رد له الصاع صاعين عن طريق فرض فيتو ديبلوماسي ثقيل المعيار. كأي حزب سياسي هنا، نجد في حرب رابطة الشمال تياراً معتدلاً يتمثل في وجوه بشرية قد تكون بشعة جمالياً إنما ذات قلب ودماغ quot;مفكرينquot;. ولا شك في أن رئيس بلدية quot;فيروناquot; لديه وجه مزدوج. الأول لا يتسامح قط مع المخالفين، والثاني لين وذكي يبحث بعيداً عن الأضواء الإعلامية عن حل لمساعدة الفقراء والمحتاجين.

في الواقع، نجد في كل زاوية من زوايا ايطاليا التي يقطنها الغجر(ولو هامشياً) حوادث سرقة ونهب. أنا لا أريد اتهام أحد منهم بهذه الحوادث إنما أجد نفسي أمام تفسير صلة وصل مريبة بين الغجر وارتفاع المخالفات القانونية على شتى أنواعها أينما تواجدت هذه الفئة quot;المغامرةquot; من هذا الشعب الذكي والمسالم تاريخياً. لو نظرنا الى سيرة رئيس بلدية فيرونا، الذي ينتمي بدوره الى حزب رابطة الشمال، لوجدنا حكماً عليه(لترويجه أفكار عنصرية ) تم إلغاؤه لاحقاً. مع ذلك، نجح رئيس البلدية في إيجاد 20 شقة لاستقبال 150 غجري سيجري دمجهم اجتماعياً بمساعدة سلة من البرامج التربوية والاجتماعية.

برغم عاصفة العنصرية التي لم ترخ قواها لا سيما في شمال ايطاليا، عقب تولي برلسكوني السلطة هنا، إلا أن التيار اليميني المعتدل بالتعاون مع الجمعيات الكاثوليكية والإنسانية(كاريتاس) وغيرها، التي تتمتع بنفوذ لوجستي على الأراضي الإيطالية أقوى بكثير من النفوذ السياسي بفضل انتشار مئات المتعاونين معها في كل مدينة وقرية هنا، لم يترك أبداً شؤون حماية الضعفاء. على سبيل المثال، خصصت ايطاليا أكثر من 400 ألف يورو لصالح عائلات الغجر، لأجل إيجاد مساكن ملائمة لهم بفيرونا وخارجها. علاوة على ذلك، تتلقى هذه الجمعيات دعماً من الصناعيين الذين رفعوا هذه السنة مساعداتهم المالية الى أكثر من ربع مليون يورو لتغطية رواتب أولئك العاملين على تقديم العناية الصحية للغجر إضافة الى دمجهم في قطاعات التعليم والعمل.

في النهاية، تتبع ايطاليا منهجاً سياسياً واجتماعياً، يعاني من انفصام في الشخصية تجاه الغجر. لعل قرارات روبرتو ماروني قاسية ووحشية ظاهرياً إنما قد تحمل معها صعقة كهربائية تخرج الغجر من المستنقع الذين يعيشون اليوم داخله.