رئاسة كردستان: تمرير قانون الإنتخابات إنقلابًا على الدستور
كركوك... إختبار لوحدة مجلس الرئاسة ومتانة العملية السياسية

أسامة مهدي من لندن: مع رفض التحالف الكردستاني وتضامن الإئتلاف الشيعي معه على معارضة مصادقة مجلس النواب العراقي بتصويت سري على المادة 24 في قانون إنتخابات المحافظات العراقية الخاصة بكركوك، فإن هذا الخلاف يعتبر إختبارًا حقيقيًا لوحدة مجلس رئاسة الجمهورية ومتانة العملية السياسية في ظل الإصطفافات الجديدة التي مررت القانون... بينما إعتبرت رئاسة إقليم كردستان التصويت السري على مادة كركوك لعبة سياسية، الهدف منها الإنقلاب على الدستور العراقي والإلتفاف غير المقبول على التوافق الذي تسير عليه العملية السياسية في العراق منذ تغيبر النظام السابق في عام 2003.

فقد نسفت الخلافات البرلمانية حول إنتخابات كركوك الشمالية الغنية بالنفط عملية الإنتخابات المحلية المنتظرة أواخر العام الحالي برمتها وأدخلت العملية السياسية في عنق الزجاجة إثر إحتجاج الأكراد على التصويت السري الذي قرره رئيس مجلس النواب وهو من جبهة التوافق السنية على المادة 24 من القانون حول كركوك. وابلغ مصدر نيابي quot;ايلافquot; ان اعتراض الكتلة الكردستانية انصب في حقيقته على مادة كركوك لأن المجلس تبنى نصًا مقترحًا تقدمت به الكتلتان العربية والتركمانية، اضافة الى رفضها التام لتوزيع مقاعد مجلس محافظة كركوك بالتساوي بين مكوناتها الرئيسة الثلاثة: التركمان والاكراد والعرب .

وقال ان الاكراد يؤكدون انهم يشكلون اغلبية في المحافظة لذلك يجب ان تكون لهم الغلبة في هذا العدد، فيما يرفض التركمان والعرب ذلك ويشددون على ان الاكراد عملوا على تغيير التركيبة السكانية للمحافظة منذ سقوط النظام السابق عام 2003 وعملوا على دفع 180 الف كردي من محافظات كردية اخرى للسكن في مدينة كركوك من اجل ان يكسبوا اي تصويت مقبل يجري فيها لصالح مطالبتهم بضمها الى اقليم كردستان الذي يحكمونه منذ عام 1991 بالضد من رغبة التركمان والعرب فيها الذي يدعون لبقائها محافظة مستقلة بذاتها. وأشار المصدر الى ان التحالف الكردستاني اراد من خلال دعوته الى تصويت علني حول مادة كركوك الى كشف حقيقة النواب الذي كانوا يعلنون تأييدهم لموقفه من قضية المدينة وفيما اذا كانوا سيغيرون موقفهم خلال التصويت .

ومن هنا جاء اقرار قانون الانتخابات المحلية الذي تمت المصادقة عليه وقضى بتأجيل انتخابات كركوك الى اشعار اخر ليضع وحدة مجلس الرئاسة العراقية امام اختبار حقيقي. فمجلس الرئاسة الذي يترأسه الرئيس جلال طالباني الامين العام للاتحاد الوطني الكردستاني عضو التحالف الكردستاني ويضم في عضويته نائبيه عادل عبد المهدي القيادي الائتلاف الشيعي وطارق الهاشمي القيادي في جبهة التوافق السنية عليه ان يتخذ موقفًا واضحًا من القانون الذي سيرسل إليه للمصادقة عليه .

فبعد ان صادق المجلس على القانون ظهر نائبا رئيس مجلس النواب خالد العطية من الائتلاف الشيعي وعارف طيفور من التحالف الكردستاني ليهاجما قرار المشهداني من التوافق السنية لجعله التصويت سريًا ويصفان التصويت بأنه غير شرعي ولا قانوني او دستوري مهددين بشكل غير مباشر بان طالباني وعبد المهدي سيرفضانه ثم ليعود من جديد الى مجلس النواب لكن هذه العودة يمكن ان تكون بمعارضة الهاشمي او تحفظه على ذلك مما سيؤدي الى شرخ واضح في وحدة مجلس الرئاسة اضافة الى انه اذا اصر مجلس النواب على موقفه من تأييد القانون فإنه سيصبح دستوريًا ولا سلطة لمجلس الرئاسة هذه المرة على رفضه.

وإزاء هذا التفاوت في المواقف بين الائتلاف الشيعي والتحالف الكردستاني من جهة وجبهة التوافق وبقية الكتل التي صوتت للقانون من جهة اخرى، فإن العملية السياسية تكون قد دخلت في عنق الزجاجة بالنسبة إلى قضية كركوك التي طالما وصفت بأنها برميل بارود يهدد وحدة العراق.

فقد صوت مجلس النواب لصالح القانون المثير للجدل على الرغم من انسحاب كتلة التحالف الكردستاني ثاني اكبر الكتل البرلمانية مع 41 نائبًا من خلال موافقة 127 نائبًا من 140 شاركوا في التصويت من اصل 275 نائبًا هم عدد اعضاء المجلس . فقد انسحب من جلسة التصويت نواب الكتلة الكردستانية وعدد كبير من نواب قائمة الائتلاف بهدف إفشال التصويت، ولكن من استمر في حضور جلسة مجلس النواب 141 نائبًا كان كافيًا لتمرير القانون فقد هدد المنسحبون برفع القضية الى المحكمة الدستورية العليا.

ولذلك فإن هذه المشكلة قد وضعت متانة العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والقومية على المحك الحقيقي لمصداقيتها وقدرتها على الصمود امام سعة هذه الخلافات والاوضاع الجديدة التي خلقتها هذه المحاصصة . كما ان الاكراد لن يغفروا للنواب والكتل التي لم تقف معهم عند التصويت على قضية كركوك الامر الذي سيجعلهم ينظرون بعين الشك لمصاقية اي تحالفات عقدوها مع القوى السياسية الاخرى وخاصة مع الحزب الاسلامي احد مكونات جبهة التوافق .

ومن هنا قالت رئاسة اقليم كردستان في بيان رسمي الليلة الماضية ان رئيس مجلس النواب ارتكب مخالفة دستورية وخرقًا للنظام الداخلي للمجلس، حينما اقدم على تنظيم عملية التصويت سرًا تكاد تكون لعبة سياسية والهدف منها الانقلاب على الدستور العراقي والالتفاف غير المقبول على التوافق الذي تسير عليه العملية السياسية في العراق منذ تغيبر النظام في عام 2003 والى الان. وقالت quot;لقد اقحم رئيس مجلس النواب المجلس فيعملية التصويت وبصورة سرية على قانون المحافظات وفي المادة المتعلقة بمحافظة كركوك بعد ان وافق ممثلي المكونات القومية والسياسية على صيغة مناسبة لتمرير قانون الانتخابات في البلادquot;.

وشجبت quot;هذا التصرف اللامسبوق من رئيس مجلس النواب ومن تضامن معه ونعلن عدم التزام اقليم كردستان بنتائج هذه العملية غير الدستورية لان ما بنى على باطل فهو باطل.. و نعبر عن قلقنا الشديد من هذه الاساليب التي لو تمسك بها الاخرون سوفت بنا الى اعادة النظر في مواقفنا وحتى تحالفاتنا لان شعبنا سئم من هذه السياسة الملتوية والمواقف التي لاينسجم مع الدستور ومع الاسس التوافقية للعملية السياسية. وطالبت مجلس النواب ورئيس الجمهورية وهيئة الرئاسة quot;التصدي لهذه المشاريع المشبوهة والتي تخدم اجندات غير عراقية هدفها عرقلة المسيرة الديمقراطية الوطنية وعملية انتخاب مجالس المحافظات وهي محاولة لتعطيل العملية السياسية برمتها ونحن على ثقة تامة بأن الوطنيين والمخلصين من الكتل السياسية تعي تمامًا هذه التصرفات غير المسؤولةquot;. وناشدت جميع الاحزاب والقوى والافراد من ابناء اقليم كردستان quot;الوقوف صفًا واحدًا لإفشال هذه المؤامرة الخطرةquot;.

نص مادة كركوك المختلف عليها

وقد نصت المادة المتعلقة بكركوك والتي فجرت الازمة البرلمانية على ما يلي:

أولاً: تؤجل انتخابات مجلس محافظة كركوك والأقضية والنواحي التابعة لحين إنهاء مهام اللجنة المشكلة في الفقرة رابعاً أدناه على أن تصدر قرارات المجلس خلال مدة التأجيل بالتوافق بين مكونات الرئيسية ) عرب ndash; كرد ndash; تركمان) في الأمور المنصوص عليها في المادة (2) من قانون رقم (13) لسنة 2008 والمادة (7) من قانون المحافظات رقم (21) لسنة 2008.

ثانياً : يتم تقسيم السلطة بين المكونات الرئيسية الثلاث بنسبة 32% لكل مكون من المكونات الرئيسية (عرب - كرد ndash; تركمان) و 4% للمسيحيين. والمقصود بالسلطة هي جميع الدوائر الأمنية والمدنية المرتبطة بوزارة أو غير مرتبطة بوزارة وبما فيها المناصب السيادية الثلاث (رئيس المجلس ndash; المحافظ ndash; نائب المحافظ) ورئاسات لجان المجلس والوظائف العامة بمختلف الدرجات.

ثالثاً: يعهد بالملف الأمني لمحافظة كركوك إلى وحدات عسكرية مستقدمة من جنوب ووسط العراق بدلاً من الوحدات العسكرية العاملة حالياً وخلال فترة عمل اللجنة المشكلة لضمان حريتها ومهنيتها مع التأكيد على خروج القوى الأمنية المرتبطة بالأحزاب السياسية.

رابعاً: تشكيل لجنة تتولى تنفيذ المهام الواردة في (ثانياً) أعلاه و(خامساً) أدناه وتكون نسبة تكوين كل مكون من المكونات الرئيسية أربعة أعضاء، اثنين منهم من أعضاء مجلس النواب لكل مكون، وعضو واحد للمسيحيين وتتخذ اللجنة قراراتها بأغلبية عدد الأعضاء. على أن تشترك الحكومة في اللجنة بأعضاء يسميهم رئيس الوزراء ويكون من بينهم ممثلين عن وزارة التجارة والتخطيط والداخلية (الجنسية) وبإشراف ممثلين اثنين عن الأمم المتحدة والجامعة العربية مهمتهم تقديم الدعم والنصح والإرشاد والمراقبة وينتهي تشكيل اللجنة وتباشر مهامها بتاريخ 1/10/2008 .

خامسا ً: مهام اللجنة :
1 . وضع آلية تقاسم السلطة الواردة في الفقرة (ثانياً) أعلاه.
2 . تحديد التجاوزات على الأملاك العامة والخاصة والسكانية ضمن محافظة كركوك بعد 9/4/2003.
3 . ترفع اللجنة توصياتها إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لإنشاء وتحديث سجل الناخبين وفق إلى ما توصلت إليه من نتائج.
4 . تجري انتخابات مجلس محافظة كركوك بعد رفع اللجنة كافة التوصيات والنتائج التي توصلت إليها إلى مجلس النواب وبموعد وآلية يتم تحديدهما من قبل المجلس.
سادساً: تتكفل الحكومة الاتحادية بتوفير الغطاء الأمني والنفقات المالية اللازمة لأداء اللجنة مهامها.
سابعاً: عند عرقلة أو عدم تنفيذ تشكيل اللجنة أو تنفيذ مقرراتها أو توصياتها يصار إلى إجراء انتخابات مجلس المحافظة وفق نسبة (10) مقاعد لكل مكون من المكونات الرئيسية و(2) مقعد للأقليات في تاريخ يحدده مجلس النواب في موعد أقصاه 31/12/2008.
ثامناً: تعتبر هذه المادة كلاً لا يتجزأ لغرض التفسير والتنفيذ ولا يعمل بأي نص يتعارض مع أحكامها.

مسؤولون رسميون وقانونيون على خط الخلاف

وقد ادلى مسؤولون وقانونيون عراقيون بمواقف عن ارائهم بما حصل في جلسة مجلس النواب . ووصف برهم احمد صالح نائب رئيس الوزراء العراقي نائب الامين العام للاتحاد الوطني الكردستاني عملية التصويت بأنها غير قانونية ولا شرعية. واضاف في تصريح صحافي ان التصويت بهذه الطريقة في مجلس النواب غير دستوري وغير قانوني وغير شرعي وغير قابل للقبول وفي حال عدم معالجة هذه المسألة في اقرب وقت سيستخدم الرئيس جلال طالباني ورئاسة الجمهورية حق النقض . وحول علاقة التحالف الكردستاني مع الكتل السياسية الاخرى اشار الى انه بالرغم من ان ممثلي الكتل البرلمانية وقعوا قبل يومين اتفاقية مع كتلة التحالف لمشروع مشترك لكن موقفهم في البرلمان امس سيضع الشك على مصداقية موقفهم. وشدد على ان الكتلة الكردستانية تعارض وبشدة هذه الحملة غير الدستورية وغير الشرعية وستتخذ جميع الطرق الدستورية لمعالجة هذه المسألة .

لكن عضوين، عربي وتركماني، في مجلس محافظة كركوك رحبا باقرار القانون وقال نائب رئيس مجلس محافظة كركوك راكان سعيد وهو من القائمة العربية quot;إننا مع أي تأجيل من شأنه أن يحل هذه القضية ويؤدي الى توافق وادارة مشتركة ويصنع جوًا انتخابيًا متوازنًاquot; كما نقلت عنهما وكالة انباء quot;اصوات العراقquot;. واعتبر عضو مجلس المحافظة تحسين الكهية وهوعن القائمة التركمانية، أن موضوع الانتخابات في كركوك يحتاج الى توافق واذا لم يتحقق هذا فالتأجيل ضروري لحين التوصل الى توافق. واضاف انه برغم أني كنت من مؤيدي اجراء الانتخابات لكن التأجيل مهم في هذا الوقت، إذ إنه يعطي متسعًا من الوقت للحوار والنقاش . وقال quot;يجب أن يكون للكتل النيابية موقف موحد، ورؤية مشتركة لموضوع الانتخابات، وعلى الاخص في كركوكquot;.

ومن جهته قال خبير قانوني عراقي إن الكيفية التي أقر بها القانون quot;تخالفquot; الدستور العراقي مشيرا الى ان انسحاب الكتلة الكردستانية من الجلسة قد يدفع مجلس رئاسة الجمهورية الى نقض هذا القانون. وأوضح طارق حرب رئيس جمعية الثقافة القانونية العراقية ان quot; المادة 53 من الدستور العراقي تنص على أن تكون جلسات مجلس النواب علنية إلا إذا ارتأى للضرورة خلاف ذلك وهذا يعني أن تحويل جلسة المجلس من علنية الى سرية يُشترط فيها التصويت على ذلك أولاquot;. وقال quot;أي أنه لا بد من ان يكون هنالك تصويتان؛ الأول على تحويل الجلسة من علنية الى سرية، والثاني على مشروع القانون المطروح، لكن هذا لم يحصلquot; . واشار الى ان جلسة المجلس تحولت إلى سرية بقرار من رئيسه محمود المشهداني وليس بقرار من النواب وهذا يخالف أحكام الدستور العراقي .

ملابسات جلسة التصويت على القانون

كان عدد الحضور في بداية الجلسة 227 نائبًا فبدأ التصويت على مواد القانون بشكل طبيعي إلى ان وصل المجلس إلى المادة 24 حول انتخابات محافظة كركوك والتي طرح رأيان الاول من التحالف الكردستاني والقوى المتحالفة معه .. والثاني من العرب والتركمان وبقية الكتل السياسية . وكان هنالك مقترح لجعل التصويت على هذه المادة سري خوفا من انسحاب بعض النواب عند إقرار احد المقترحين إلا أن الأكراد اعترضوا بشدة ساندهم في ذلك الائتلاف الشيعي .

وبسبب وجود موقفين من جعل التصويت سريا أو علنيا على المادة 24 الخاصة بانتخابات كركوك لجأ مجلس النواب إلى آلية التصويت لترجيح أي الخيارين فصوت 103 نواب لجعل التصويت علنيا وصوت 124 نائبًا لجعله سريا وعندها انسحب النواب الأكراد من الجلسة ثم تبعهم نواب الائتلاف والحزب الشيوعي . وحاول نائب رئيس مجلس النواب عارف طيفور التأثير على نواب التوافق عندما ذكرهم بإن التحالف الكردستاني قبل بتمرير وزرائهم امس الاول مقابل ان يصوتوا الى جانب التحالف الكردستاني في قضية كركوك .

ويعيش في محافظة كركوك الغنية بالنفط التي يبلغ عدد سكانها حوالى المليون نسمة خليط من العرب والأكراد والتركمان والكلدوآشوريين ويطالب الأكراد بضمها إلى إقليم كردستان الشمالي الذي يحكمونه منذ عام 1991 فيما يدعو العرب والتركمان وبعض الأقليات الأخرى الى أن تبقى محافظة قائمة بذاتها او تكون اقليمًا مستقلاً. وكانت الحكومة العراقية قد حولت إلى مجلس النواب قانون الانتخابات في شباط (فبراير) الماضي .