قلق من بوادر انتفاضة جديدة
العمليات الفردية في القدس.. كابوس إسرائيل الجديد
نضال وتد من تل أبيب:
أضاءت عملية القدس، أمس والتي قام بها فلسطيني من قرية أم طوبا، الضوء الأحمر من جديد في المحافل الأمنية الإسرائيلية، خصوصا إذا أخذنا بالحسبان ما نقلته وسائل الإعلام، من أن رئيس الشاباك، يوفال ديسكين، كان حذر ، خلال جلسة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، من احتمالات ووقوع عمليات مشابهة، لتقليد العملية التي وقعت قبل أسبوعين. فالعملية التي نفذها أبو طير أمس، تشكل من وجهة نظر إسرائيل كابوسا جديدا يقض مضاجعها، ويثير القلق في أوساط جهاتها الرسمية، وتحديدا الاستخباراتية والأمنية، بسبب اعتراف كل هذه الجهات، المرة تلو الأخرى، بفشلها وعدم قدرتها على توقع تنفيذ عملية فردية كهذه، يصبح السلاح المستخدم فيها، ما تيسر من معدات عمل، وطابعها المميز عدم الحاجة إلى تخطيط مسبق أو تدريب عسكري مهني.

ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في تعامل الجهات الرسمية الإسرائيلية والصحافة العبرية، مع هذا الحدث هو تركيزها على ضعف وعجز الأمن الإسرائيلي في مواجهة العمليات التي قد ينفذها فلسطينيون من القدس، لا سيما إذا كان هؤلاء غير منتمين فصائليا ولا حركيا، أو تخلو ملفاتهم من النشاطات أو اصطدامات أمنية سابقة مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، ناهيك عن حيازتهم لبطاقات زرقاء تمكنهم من عبور واجتياز كل حاجز وكل نقطة تفتيش، عسكرية كانت أم شرطية. إلى ذلك وباستثناء مقالة كتبها المحلل العسكري في يديوت أحرونوت، أليكس فيشمان، فإن البعد القومي بمفهوم وجود توجه وتيار سائد في أوساط الفلسطينيين المقدسيين لجهة رفض السيادة الإسرائيلية ومحاولات تجنيس فلسطيني القدس، فقد تطرق غالبية المحللين إلى الإشكاليات الأمنية والخطوات quot;العقابيةquot; والرادعة لمنع عمليات كهذه في المستقبل.
أليكس فيشمان اعتبر في مقالته في يديعوت أحرونوت تحت عنوان quot;بوادر انتفاضةquot; أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى بدأت بنفس الطريقة، من مجموعة من الحوادث غير الواضحة، ومعزولة عن منظمات إرهابية، ظواهر quot;عنف عفويquot;. في البداية واجهنا ظاهرة قيام سائقي سيارات وحافلات نقل فلسطينيين بمحاولات لدهس جنود إسرائيلين، تلى ذلك عمليات لطعن إسرائيليين، واختطاف أسلحة من الجنود، ثم رشق الحجارة والزجاجات الحارقةquot;.
ويمضي فيشمان قائلا إن الجهات الإسرائيلية التي أخذت على حين غرة مع اندلاع الانتفاضة الأولى اعتبرت وقدرت بأنها أمام حالة عابرة، معربا عن أمله بأن هذه الجهات أصبحت اليوم أكثر خبرة وتيقظا، وأقل سذاجة من الماضيquot; ويرى فيشمان، استنادا إلى تحليلات رئيس الشاباك، ديسكين أن القدس ، وتحديدا القرى الفلسطينية المحيطة بالقدس، والتي تصر إسرائيل على اعتبارها جزءا من القدس طالموحدةquot; لتوسيع المساحة المسلوبة من الأراضي الفلسطينية، تعيش في واقع الحال quot;فراغا أمنياquot; والترجمة الحقيقية هي بالأساس فراغي سياسي سيادي إسرائيلي، وبالتالي فإنه في غياب تواجد مكثف لأجهزة الدولة الإسرائيلية، سيعيق من قدرة إسرائيل على quot;مكافحة الإرهابquot; وعلى معرفة ما يدور فعليا في أوساط الفلسطينيين في القدس.
وعلى غرار فيشمان، فإن المحلل الإسرائيلي عمير رابابورط، يلتقط هو الأخر في مقالة له في معاريف، معطيات رئيس الشاباك، وتشخيص رئيس الشاباك للوضع في القرى الفلسطينية المحيطة بالقدس، تحت مسمى quot;فراغ أمنيquot; ليصل إلى القول إن كل الحواجز ونقاط التفتيش القائمة شرقي القدس تقوم على الفصل بين أحياء عربية مختلفة لكنها في واقع الحال لا تفصل بين شرقي المدينة وغربيها، وبالتالي فإن كل طاقات السلطة الفلسطينية وإسرائيل الموجهة لمحاربة quot; خلابا وجذور الإرهاب في الضفةquot; غير فعالة في مواجهة خلايا وبؤر حماس القائمة في شرقي القدس دون أي حاجز يفصلها عن القدس الغربية.
ألإرهاب الشعبي
ويكشف رابباورط أنه على ضوء العمليات الأخيرة في القدس، فإن التقديرات الأخيرة لأجهزة الأمن الإسرائيلية، تستبعد الآن أن يكون الحديث هو عن ذراع لحزب الله، وأن إسرائيل تواجه عمليا ما أسمته جهاتها الأمنية quot;الإرهاب الشعبيquot; وهو إرهاب فردي، غير منظم لا يحتاج معدات وأجهزة ظاهرة للعين أو يمكن تتبعها واقتفاء أثرها، إرهاب يعتمد أولا وقبل كل شيء على المبادرة الفردية الذاتية، والتي أخذت تظهر في كل أرجاء القدس الشرقية المحتلة.
ويكشف رابابورط، أنه على الرغم من التقديرات السائدة بأن إسرائيل تواجه مبادرات فردية، غير منظمة، إلا أن ما يحدث في غزة يؤثر على السكان في القدس وفي نفوس منفذي هذه العمليات. وتؤكد الجهات الأمنية المختلفة أن هذه الظاهرة تشكل عمليا كابوسا أمنيا، يقف وراء نمو وازدهار مصطلح جديد في إسرائيل بدأ منذ العمليات الفدائية التي وقعت في إسرائيل خلال العام 1995 بعد اغتيال رابين وأثناء معركة الانتخابات التي أفضت إلى فوز نتنياهو على شمعون بيرس، خلافا لكل التوقعات.
وقد كان نتنياهو، هو من زرع وأسس مصطلح الأمن الشخصي في الشارع الإسرائيلي، كسلاح في الدعاية الانتخابية ضد خصمه شمعون بيرس، وتم تكريس هذا المصطلح وتأصيله فيما بعد حتى في مفاهيم المؤسسات الأمنية وليس فقط في الخطاب السياسي العام في إسرائيل.
جهاز الشاباك يسعى لاستعادة هيبته عبر اقتراحات مغالية
ولعل ما يلفت الانتباه، في كل ما يتعلق بالتعليقات الإسرائيلية على عملية القدس، هو الانفتاح الذي يبديه رئيس جهاز الأمن العام، quot;الشاباكquot;، يوفال ديسكين، من حيث تسريب والكشف علنا، أمام لجنة الخارجية والأمن، عن التقديرات المتراكمة لدى الجهاز والاقتراحات التي يعتبرها الجهاز وسيلة لمواجهة هذه الظاهرة الكابوس.
فقد دعا ديسكين، عند مثوله أمام لجنة الخارجية والأمن، التابعة للكنيست، قبيل العملية بساعات، إلى ضرورة اعتماد سياسة حازمة لمواجهة العمليات الفردية، عبر العودة إلى سياسة هدم منازل منفذي العمليات كخطوة ردع فعالة، بسبب عدم فاعلية السياسة الأمنية في القدس الشرقية والقرى الفلسطينية المحيطة في القدس، كما دعا إلى ضرورة تكثيف تواجد القوات الإسرائيلية، وتعزيز النشاط الأمني لتحقيق غايتين، الأولى هو أن التواجد المكثف للقوات الأمنية، يشكل رسالة توضح هوية الجهة السيادية في المكان، وثانيا أن هذا يسهل على العمل الاستخباراتي النشط لمعرفة ما يدور في القرى الفلسطينية، ويعيد للدولة هيبتها والخوف منها، خلافا للوضع القائم الذي يمثل عمليا غيابا ميدانيا للسيادة الإسرائيلية في المكان.
ومن الواضح أن ديسكين، سيعيد تكرار هذه الأسطوانة بقوة أكبر، لضمان استعادة الضربة التي تلقاها جهازه عندما تجاهل أولمرت توصيات ديسكين المعارضة لإنجاز صفقة التبادل مع حزب الله. كما أن ديسكين يرى أن إبراز دور جهاز الأمن العام، في القدس في مكافحة ظاهرة العمليات الفردية سيعيد للجهاز وزنه الضائع، تمهيدا للمداولات والمناقشات المستقبلية بشأن صفقة التبادل مع حركة حماس للإفراج عن غلعاد شاليط، وحتى يكون لموقف جهازه كلمة مسموعة في قائمة الأسرى الذين يوافق جهاز الشابك على الإفراج عنهم مقابل شاليط.