برلين: عندما يتغير العالم في أيامنا هذه، فهو يتغير بسرعة كبيرة. والواقع ان الكلمة الجديدة الرائجة في أوروبا هي quot;هوس أوباماquot; أو ما يعرف بالـquot;أوبامانياquot;، في إشارة إلى الترحيب الحار الذي سيلقاه المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية باراك أوباما في كل من العاصمة الألمانية، برلين، والفرنسية، باريس، والبريطانية، لندن.
وكانت كلمة quot;أوبامانياquot; قد شوهدت للمرة الأولى في صحيفة quot;دير شبيغلquot; الألمانية، ومن ثم في صحيفة quot;ليبيراسيونquot; الفرنسية، ورددتها هيئة الإذاعة البريطانية quot;بي بي سيquot; وفي راديو فرنسا ومن ثم في كل مكان.
لكن أبرز من يستخدم هذه الكلمة (على حد قول رئيس مكتب صحيفة quot;دير تاغيسبيغلquot; الألمانية في أميركا كريستوف فون مارشال)، هو أحد مستشاري أوباما في شؤون السياسة الخارجية، في معرض تفسيره سبب عدم وجوب إجراء أوباما أي مقابلة صحافية في أوروبا، بالقول:quot;لماذا يفترض أن نخصص وقتاً للصحافة الأجنبية بما أن الـquot;أوبامانياquot; يجتاح العالم؟quot;.
يشار إلى أن مفهوم quot;معاداة الأمركةquot; في أوروبا كان رائجاً حتى أمس القريب، وهو مفهوم يعبر عن الامتعاض الذي أدى إلى إعادة النظر في التحالفات التقليدية مع الولايات المتحدة التي أطلق عليها وزير الخارجية الفرنسي السابق هوبير فيدرين اسم quot;القوة العظمىquot;.
وأشارت وسائل الإعلام الأوروبية إلى الأسباب التي تدفعها إلى كراهية البلد شديد الغنى والسمنة والقوة والجشع والذي يميل نحو التدين والعنف وتنفيذ عقوبة الإعدام وسجن السود، البلد العسكري جداً في رغبته باجتياح دول أصغر وإنفاق الكثير على الدفاع من كل دول العالم الأخرى مجتمعة.
إذاً كان هذا في الأمس، وقد كان مرتبطاً بعدم الإعجاب بأسلوب الكاوبوي (رجل البقر) الذي يتبعه الرئيس الأميركي جورج بوش الذي يعرف في فرنسا على انه quot;ابن تكساس السامquot;، أكثر من ارتباطه بالتقييم الجدي لأعماق وقدرة العلاقة الأطلسية.
أما الآن، فقد كان لدى الأوروبيين وقت لإعادة النظر في الآثار المترتبة عن هزيمة أميركية جدية في العراق، أو في خروج أميركي من أفغانستان، أو تخل أميركي عن الشرق الأوسط للراديكاليين الإسلاميين و/أو إيران المسلحة نووياً.
يشار إلى ان بعض فرق العمل الأوروبية بعيدة النظر تقيس تكاليف استبدال أميركا، بصفتها القوة المهيمنة في آسيا، بالصين الأقل تدريباً.
والأسوأ من كل ذلك هو ان الأوروبيين يتذكرون المضايقات الناجمة عن كونهم في جوار روسيا المتسلطة.
والواقع هو انه بعدما كانت قلقة من دبابات الجيش الأحمر، فإن أوروبا قلقة هذه الأيام أكثر ما يكون بسبب اعتمادها على النفط والغاز الروسي وفي كلتا الحالتين، فإن من الميرح أن تكون أميركا إلى جانب الأوروبيين.
وإذا سلك أوباما الطريق الأسهل، فهو بكل بساطة سيغتسل في هذا التوهج الحار لإعادة النظر الأوروبية تجاه أميركا، وسيطلق بعض النكات المعادية لبوش، فيقول ان فرنسا وألمانيا كانتا على حق في تفضيلهما الطريق الدبلوماسي على شن حرب ضد العراق ومن ثم يعود أدراجه ويتمتع بارتفاع أسهمه في استطلاعات الرأي.
ولكن كل ما نعرفه عن أوباما هو انه لن يكتفي بذلك وإنما سيغتنم الفرصة ليقول للأوروبيين بعض الأمور التي قد لا يرغبون بسماعها.
وبحسب سوزان رايس، وهي المساعدة السابقة لوزير الخارجية في إدارة بيل كلينتون ومستشارة أوباما لشؤون السياسة الخارجية، فلا بد من التوصل إلى رهان أطلسي جديد، وأن تكون أميركا quot;شريكاً كاملاًquot; لأوروبا، والأرجح ان سيناتور أيلينوي يتوقع أن يتحمل الأوروبيون quot;مسؤوليات مشتركةquot; أكثر مثل عمليات مكافحة الإرهاب في أفغانستان، وقد يضغط على القادة الأوروبيين من أجل إرسال مزيد من القوات إلى هناك والسماح لها بالقتال.
وقالت رايس quot;كان السناتور أوباما واضحاً جداً بشأن حاجة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) لأن يعترفا بأن ثمة خطراً مشتركاً يتهدد نجاحهما وان لا مجال للنجاح على أساس أنصاف التدابيرquot;.
وأضافت quot;بعبارات أدق، يعتبر أوباما انه من أجل زيادة فعالية الولايات المتحدة وأوروبا، لا بد من القيام بالمزيدquot;.
وسيتحدث أوباما عن القيم المشتركة وحقوق الإنسان والديمقراطية، وعن المقاربات المشتركة بشأن الاحترار العالمي، والقانون الدولي واتفاقيات جنيف، وسيتعهد مرة جديدة بإغلاق معتقل غوانتانامو ولكنه سيقول أيضاً ان الإرهاب والتطرف الإسلامي وطموحات إيران النووية هي جميعها مشاكل مشتركة وانه ينبغي على الأوروبيين المساهمة بقدر أكبر بكثير من الآن.
والواقع انه من المعيب انه بوجود حوالى مليوني جندي أوروبي، تجد أوروبا مشكلة في نشر 40 ألف جندي في أفغانستان أو في توفير التدريب العسكري المطلوب في دول البلقان.
ومن غير المعقول أن تبقى القوات الأميركية لهذه الفترة الطويلة في البوسنة وكوسوفو، أي في ساحة أوروبا الخلفية.
وفيما تصنع أوروبا طائرات مروحية وتملك الجيوش الفرنسية والألمانية أكثر من 600 طائرة مروحية لكل منهما، فمن المستغرب أن تجد صعوبة في تزويد القوات الأفغانية بطائرات مروحية كافية.
وبالتأكيد فإن السبب الرئيسي هو ان الارتفاع والرمال والحقول تعني ان الطائرات المروحية ستعتاد على الطيران ثلاث مرات أسرع مما تفعله في فضاء أوروبا، ولا يبدو ان المحاسبين الماليين يحبذون هذا الأمر.
ويصيب هذا الوضع جوهر الموضوع، فعلى الرغم من ان البلد الأوروبي المتوسط يأخذ حوالى 50% من ناتجه القومي المحلي من الضرائب والعائدات الأخرى، فهو يجد من الصعب أن يدفع لجيش منتشر حديث ومجهز ومدرب بطريقة جيدة.
مع العلم ان الفرنسيين والبريطانيين يشكلون استثناء، إذ بالإضافة إلى ما لديهم من قدرات عسكرية فهم يفهمون أيضاً ان القوات العسكرية قد تضطر في بعض الأحيان لأن تتوجه إلى أماكن الخطر وأن تموت حتى من أجل قضية بلدانها.
وهذا ما يفترض بالجيوش ان تقوم به على الرغم من انه يبدو ان غالبية الدول الأوروبية نسيت هذا الأمر. فلا ينفق الأوروبيون ما يكفي على الشؤون الدفاعية ويحصلون على قيمة قليلة مقابل ما ينفقونه ما يعني انهم ما زالوا تحت حماية دافعي الضرائب الأميركيين بعد مرور حوالي 20 سنة على انتهاء الحرب الباردة.
وبما انه من العيب أن يتم توبيخ لندن وباريس في هذه المسألة، فالأرجح ان أوباما سيضطر لأن يقول هذا الأمر بوضوح أكبر في برلين حيث قد لا تكون الحشود التي تعشق البيض اليساريين والمسالمين شديدة الإعجاب بعد أن تعي ما يطلبه من علاقة جديدة عبر الأطلسي.
ومن الممكن ان quot;الأوبامانيينquot; (مهووسي أوباما) لم يعوا هذا الأمر بعد لكن ما يريده أوباما من أوروبا هو quot;تحالف راغبينquot;، وهو تعبير خاص بإدارة بوش يكرهه الأوروبيون بشدة .