دمشق:تكسب فاطمة أحمجي، التي تعيش مع طفليها في غرفة عارية من الأثاث في حي السيدة زينب في دمشق، المال لإطعام أسرتها عن طريق تجويع نفسها. فهي لا تأكل من الفجر حتى الغسق نيابة عن كل من فوتوا أيام الصوم خلال شهر رمضان المبارك.

وقالت فاطمة لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): quot;أنا عاطلة عن العمل هنا في سوريا، فكيف يمكنني العيش والاعتناء بأطفالي؟ عليَّ أن أعملquot;.

وقد بدأت فاطمة الصوم منذ شهر سبتمبر/أيلول مقابل 3,000 ليرة سورية (حوالي 60 دولاراً) في الشهر من أشخاص يوكلونها بذلك من الخليج أو العراق. ولكنها تشكو من أن عملها هذا بدأ يلحق أضراراً بصحتها البدنية، إذ قالت: quot;أشعر ضعف شديد. أعاني بشكل خاص من آلام في الرأس وأحياناً أضطر إلى الأكل وتعويض يوم الصيام بيوم آخر. ولكن علي ألا أفعل هذا، فقد أقسمت بالالتزامquot;.

وكانت فاطمة وأطفالها قد فروا من العنف في العراق خلال عام 2006 بعد مقتل زوجها. وتقول أنها اضطرت، شأنها شأن العديد من اللاجئين العراقيين في سوريا، إلى اتخاذ إجراءات متطرفة لتدبر أمور معيشتها في ظل استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية والإيجارات في البلد المضيف.

quot;الممارسات الضارةquot;

ولا تسمح الحكومة السورية للاجئين العراقيين الموجودين على أرضها والمقدر عددهم بحوالي 1.5 مليون عراقي بالعمل بشكل قانوني، مما اضطر عدداً متزايداً منهم إلى أتباع quot;ممارسات ضارةquot; من أجل البقاء، بدء بالصيام لفترات مطولة وانتهاء بالبغاء.

يجد الناس أنفسهم في ظروف شديدة التطرف، أسوأ ما تؤدي إليه هو عمالة الأطفال والزواج المبكر وممارسة البغاء من أجل البقاء

وفي هذا الإطار، قالت سيبيلا وايلكس، الناطقة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا: quot;يجد الناس أنفسهم في ظروف شديدة التطرف، أسوأ ما تؤدي إليه هو عمالة الأطفال والزواج المبكر وممارسة البغاء من أجل البقاءquot;.

وأضافت قائلة: quot;لم تكن هذه الأسر لتلجأ إلى مثل هذه الممارسات في العراق. إنها تتخذ إجراءات شديدة التطرف من أجل الحفاظ على جزء من مستوى حياتهاquot;.

ووفقاً لأحدث مسح قامت به المفوضية والذي شمل 754 أسرة عراقية في سوريا، قالت 33 في المائة منها أن مواردها المالية لن تستمر لأكثر من ثلاثة أشهر، في حين تعتمد 24 في المائة من الأسر على الأموال التي تتلقاها من أقاربها القاطنين في الخارج.

عدم الاستمرار

وقد عاد عشرات الآلاف من العراقيين من سوريا إلى ديارهم منذ منتصف شهر أغسطس/آب، بالرغم من أن هذه الأرقام غير متفق عليها بعد. ففي الوقت الذي قالت فيه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا أن موظفيها تلقوا تقارير تفيد بتسجيل 128,000 مغادرة، تفيد الأرقام الصادرة عن منظمة الهلال الأحمر العراقي في 3 ديسمبر/ كانون الأول أن عدد اللاجئين العراقيين الذي عادوا إلى ديارهم من سوريا منذ منتصف شهر سبتمبر/أيلول يتراوح بين 25,000 و 28,000. كما تشير الأرقام المبدئية الصادرة عن الحكومة العراقية إلى أن عدد العائدين بلغ 60,000 لاجئ. ووفقاً للدراسة التي أجرتها المفوضية، فإن أكثر من 46 في المائة من العائدين اختاروا مغادرة سوريا لأنه لم يعد بإمكانهم تحمل تكاليف الحياة فيها.

الأطفال
تقدر اليونيسيف أن 80 في المائة من الأطفال العراقيين في سوريا لا يذهبون إلى المدارس وأن ما لا يقل عن 10 في المائة من الأطفال العراقيين يجبرون على العمل مقابل دخل يومي لا يفوق دولاراً واحداً

ويتحمل الأطفال العراقيون، على وجه الخصوص، جزءاً كبيراً من العبء الاقتصادي الصعب. فعماد وسجد، 12 و 13 عاماً، يبيعان مربى التمر العراقي على عربة بشارع العراق بالسيدة زينب بعد أن انتهى بهم الأمر في سوريا عندما هربوا قبل عامين من العنف الدائر في العراق.

وعن عملهما قالا: quot;نحتاج إلى أن نعيش...نفذ كل المال الذي كنا نملكه وعلينا أن نعمل الآنquot;، مشيرين إلى أن احتياجاتهما التعليمية تأتي في المرتبة الثانية بعد ضرورة مساعدة أسرتيهما.

وكان الاتحاد الأوروبي قد صرح في 13 ديسمبر/كانون الأول أنه سيمنح ما مجموعه 50 مليون يورو (73.4 مليون دولار) لسوريا والأردن لمساعدتهما في مواجهة تكاليف المدارس والمستشفيات التي تستضيف اللاجئين العراقيين.

وتعتبر الدعارة وزواج الفتيات الصغيرات، حتى وإن كان ذلك لفترات قصيرة في ظل ما يُسمى بزواج المتعة، من الممارسات التي شهدت تزايداً أيضاً، خصوصاً مع سهولة تعرض الفتيات الصغيرات للاستغلال الجنسي.

كما انتشرت، في ضواحي دمشق، النوادي الليلية المليئة بالنساء العراقيات.

ويؤكد العاملون في المجال الإنساني تزايد يأس اللاجئين، ولكنهم يقولون في نفس الوقت أن كون الكثير من المعلومات الخاصة بهذه الممارسات غير المشروعة متوفرة بشكل سردي فقط ، فإنه من الصعب جداً معالجة هذا الوضع بشكل مباشر.

ومن المستحيل كذلك جمع إحصائيات دقيقة عن العمالة العراقية بسوريا وquot;الممارسات الضارةquot; التي تلجأ إليها، وذلك بسبب الحظر المفروض على عمالة العراقيين وعدم توفر أي تمثيل اجتماعي للاجئين العراقيين يمكن من خلاله الحصول على المعلومات المبتغاة.

كما أن خدمات وزارة الرعاية الاجتماعية السورية لا تشمل اللاجئين العراقيين، مما يعني عدم وجود هيئة حكومية تتعامل مباشرة مع قضايا الحماية الاجتماعية مثل استغلال الأطفال.

من جهة أخرى، تقول الحكومة السورية أنها غير قادرة على تقديم المزيد من المساعدات المالية للاجئين، إذ أن الإعانات الضخمة المتاحة للعراقيين، والتي تبدأ من المواد الغذائية الأساسية وحتى الديزل، مروراً بالتعليم المجاني والرعاية الصحية، تكلف الحكومة السورية أكثر من مليار دولار سنوياً، حسب المسؤولين.

الغذاء المجاني

وقد عمدت العديد من الوكالات في الأشهر الأخيرة إلى إدخال العديد من التدابير من أجل التصدي لتنامي اليأس من الأوضاع المالية. فقد قام برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجمعية الهلال الأحمر السوري بتوزيع أغذية مجانية على حوالي 51,000 لاجئ، وهي تضيف 17,000 لاجئ إلى لائحة المستفيدين كل 10 أسابيع.

كما سيتم إطلاق عملية توزيع المواد غير الغذائية مثل البطانيات وأجهزة التدفئة لأكثر من 100,000 شخص في شهر يناير/كانون الثاني.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أوائل شهر ديسمبر/كانون الأول أن عدد اللاجئين العراقيين في سوريا الذين يعتمدون على المعونات الغذائية سيصل إلى 114,000 شخص بحلول شهر أبريل/نيسان.

وقالت وايلكس من مفوضية اللاجئين: quot;نعتقد أن المساعدات الغذائية والمالية تشكل وسيلة مهمة لحماية الناس الذين نفذت مواردهم المالية من عواقب قد تكون وخيمةquot;.

كما تقوم المفوضية بتوفير المساعدة المالية لأكثر اللاجئين حاجة، إذ تحصل حوالي 7,000 أسرة الآن على مبالغ تتراوح بين 100 و200 دولار شهرياً. وسيتم تزويد هذه العائلات في القريب العاجل ببطاقات الصراف الآلي لتسهيل حصولها على المساعدات عبر البنوك السورية.

لحظات سعادة وسط الخراب

مهرجان عراقيان
وقد بدأ ثلاثة مهرجين عراقيين، ينتمون إلى فريق المهرجين المنفيين من بغداد، العمل مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لإقامة عروض لأطفال العراق وتشجيعهم على الانخراط في المدارس السورية كجزء من حملة العودة إلى المدرسة التي تُروِّج لها المفوضية.

وقال رحمن عيدي، وهو أحد المهرجين: quot;نحن لا نقوم بهذا من أجل المال... نريد فقط أن نُسعِد الأطفال وننسيهم مخاوف وذكريات القنابلquot;.