سكينة المشيخص من الدمام: تعيش كثير من الزوجات في السعودية حالات متفاوتة ومختلفة من الشعور بالإحباط الذي تتعدد أسبابه وتتوزع على مختلف العوامل الأسرية والاجتماعية التي تحيط بهن، وبشكل عام فإن الإحباط يتخذ مناحي خطرة عندما يرتبط بالفهم الاجتماعي الصلب للمرأة ومقدار الحقوق التي يجب أن تتمتع بها مهما ترقت اجتماعيا ووظيفيا.

تعيش كثير من النساء معاناة مكتومة في مجتمع ذكوري لا يعترف بدور حاسم للمرأة سواء في التنمية أو الرقي الاجتماعي، ولذلك هناك سوء فهم عميق لطبيعة التحول الاجتماعي الذي ينتصر للمرأة ويمنحها حقوقها المهضومة، وهنا تكمن الدوامة والصراع النفسي الذي تعيشه المرأة خصوصا إذا ما كانت متزوجة من رجل غير مسؤول وليس لديه إحساس كاف بالمسؤولية والوعي بأهمية الاحتفاظ بشراكة الحياة متألقة، وتجديدها بين فترة وأخرى وإعادة اكتشاف أجمل الأشياء بين الطرفين تحقيقا للسعادة واستمرارية الحياة الزوجية.

وجوه الإحباط
من وجهة نظر علم النفس يعرف الإحباط على أنه حالة إنفعالية غير سارة قوامها الشعور بالفشل وخيبة الأمل تتضمن إدراك الفرد بوجود عقبات تحول دون إشباعه لما يسعى إليه من حاجات ودوافع.

وللإحباط وجوه مثلا أن يحرم طالب من دخول لجنة الإمتحان لوصوله متأخرا نتيجة عذر قهري خارج عن إرادته، أو يفشل في الحصول على مجموع يؤهله للالتحاق بالكلية التي يطمح اليها نظرا لظروف مرضية أو أسرية ألمت به، أو شاب لم يستطع الزواج بمن أحبها، أو زوجة لا تشعر بالأمان مع زوجها.

ومصادر الإحباط داخلية وأخرى خارجية، أما الداخلية فتتركز في العوامل الشخصية ومصدرها الشخص ذاته وسماته ومن بينها عجزه بسبب ضعف حالته الصحية العامة أو الإعاقة الحسية أو الحركية وقصور في إستعدادات الشخص العقلية المعرفية كالذكاء والتفكير والمرونة والموهبة التي يحتاجها الشخص لهدف ما أو تعلم مهارة جديدة.

أما العوامل الخارجية، فهي الظروف المادية الطبيعية كالمناخ والطقس والضوضاء والتلوث البيئي والظروف إلإجتماعية والأسرية كمعاملة الوالدين وأساليبهما في التنشئة وبعض العادات والتقاليد والظروف الحضارية كالانفجار السكاني وتعقد النظم والتراكم المعرفي والمعلوماتي.

جحيم الوحدة
مها ربة منزل عمل زوجها على توفير كل أسباب الإحباط وإشاعة أجواء من الكآبة في حياتها لدرجة أنها فكرت في الانتحار أكثر من مرة، تقول في قصتها: تزوجت عن قصة حب،وزوجي من أقربائي ولكن بعد الزواج أصبح يهملني ويهمل البيت بلا مبالاة استطيع القول إنها مرضية، ولم يكن ذلك من طباعه التي عرفته بها، فهو كان يتمتع بدرجة معقولة من المسؤولية ولكن بعد إنجاب أول أولادنا أصبح كثير الخروج والسهر وغير مهتم بطلبات المنزل وحاجات الأولاد، بل وعلمت أنه على علاقات متعددة وذلك ما جعله مشتتا وغير مركز معنا، كما أني أصبحت أشعر بأنني اخر من يهتم لأمره،ولم يعد هناك حب أو كلمات رقيقة أو حتى ابتسامات وهدايا في المناسبات المختلفة.

وتضيف: تحولت حياتي معه بكثير من التفاصيل التي لا استطيع ذكرها الى جحيم، وصرت أشعر بوحدة قاتلة، فتجاهله لي ولمشاعري أدخلني في دوامة من الصراع النفسي والتفكير حول فشلي في الاحتفاظ بزوجي، ولذلك أظن أنني مع استمرار وضعه على هذه الحال في حالة إحباط نفسي فكرت فيها في مرات كثيرة في الانتحار،وأنا أعلم أن شخصيتي ليست قوية كفاية حتى أواجهه بتدهور حياتنا وهو المتسبب الرئيس في ذلك،ولذلك لا أملك خيارات كافية للمقاومة والمواجهة،ولكن في الواقع أعيش حياة كئيبة بمعنى الكلمة لا أخرج فيها من بيتي، ولا أزور أحدا وليس لدي استعداد لاستقبال أحد، ولا أدري كيف أضع حدا لذلك؟.

الطريق الى الخيانة
تختلف قصص كثير من النساء في تفاصيلها ولكنها تلتقي في نتيجة واحدة وهي الإحباط، فهذه ياسمين اعتادت مناكفة زوجها منذ أول أيام زواجهما لشعورها بأنه غير منضبط ويمكن أن يكذب عليها ببساطة، وفي هذا الجو مهما كانت قوة شخصيتها وقدرتها على السيطرة على زوجها إلا أن عدم الشعور بالأمان مع شريك الحياة يقودها الى الإحباط.

تقول ياسمين في حكايتها: زوجي يفقدني السعادة بدلا من أن يكون مصدرها، وفي الحقيقة لم أعرف طعم السعادة معه منذ أن تزوجنا، حتى أنني لا أهتم بالإنجاب منه لأنه في ظل ظروف كهذه لا يمكن ضمان استمرارية حياة زوجية سعيدة ومستقرة يسهل معها تربية الأولاد، فهو عصبي وكثيرا ما يكذب ولديه مبررات جاهزة وفورية لأي تصرف، إضافة لشعوري بأنه صاحب علاقات متعددة هي السبب في عدم اهتمامه بي مهما عملت من أجل إرضائه، وقد دخلت في تجربة مريرة نتيجة لسلوكه غير السوي، إذ اضطررت للبحث عن شخص اخر يسد حاجتي للحب والشعور بالأمان العاطفي ولكنني تراجعت بسرعة لأن ذلك ليس حلا، ولكن في الوقت نفسه ليست لدي اي حلول لاستعادة زوجي والخروج من هذا الواقع المظلم وليس أمامي غير الصبر عسى الله يهديه.

نجاح وخيبة
ضحية أخرى للإحباط تتحدث بمرارة واضحة عن معاناتها في حياتها، وهي نوال التي تقول: منذ أن وعيت للحياة وأنا ضحية لإحباط كبير، ففي البدء كنت ثمرة لعلاقة زوجية فاشلة انتهت بالطلاق مما حتّم علي الذل والمهانة و ( الشحططة ) فكنت يوما أقيم مع أمي ويوما اخر مع أبي،وهكذا الى أن استقر بي المطاف في منزل خالي،وتسبب حرماني في تشبثي بالدراسة والسعي وراء المستقبل.

وتتابع قولها: كنت متفوقة رغم قسوة الأيام وزوجة خالي وغيرتها لا سيما إذا قارنت نجاحي بخيبة ابنائها بعد أن أنهيت الثانوية العامة بنجاح كبير ونسبة عالية جعلتني أفكر في دراسة الطب البشري وبالفعل التحقت بالجامعة وتخطيت السنوات الثلاث الأولى بنجاح وعندها تمت خطبتي لإبن عمي وتزوجنا و مارس علي كثيرا من القيود أدت الى منعي من إكمال دراستي للطب بدعوى الاختلاط بالرجال، فأصبت بإحباط شديد وخيبة أمل، فحولت دراستي الى كلية التربية لدراسة الكيمياء وتخرجت فيما بعد بإمتياز مع مرتبة الشرف وتم تعييني معيدة في الكلية،وأحسست وقتها بأن زوجي خريج المتوسطة الذي يعمل بالقطاع العسكري بدأ يغار مني كثيرا، وبدأ يضع أمامي العراقيل فكنت اتغيب أحيانا عن الدوام بسبب الأعمال المنزلية والإنجاب المتكرر حتى أنني لم استطع تحضير الماجستير بسبب هذه الضغوط التي استمرت الى درجة تخييري بين الاستقالة والطلاق، وعندما رفضت الاستقالة قام بطلاقي وتجريدي من أبنائي.


انهيارات سلوكية
النتائج التي تترتب على الإحباط بصورة عامة والزوجات بصورة خاصة تحدثنا عنها الاختصاصية النفسية سارة الأحمدي بقولها: الإحباط حالة من التعاسة وعدم الشعور بالرضا بسبب عوامل أو ظروف داخلية أو خارجية يمر بها الفرد المحبط،ورغم أننا نتمتع ولله الحمد بأجواء إيمانية ومجموعة من القيم والقواعد الأخلاقية التي يمكنها أن تمتص أي مسببات لمثل هذه الإنهيارات السلوكية، إلا أن المتغيرات من حولنا تفرضها خصوصا إذا لم يحترم الشخص معتقداته أو لم يتوفر له الوازع الديني المناسب الذي يمنعه من الاقتراب من مسببات الإحباط، وفي الحقيقة ألمس كثيرا من حالات الإحباط لدى كثير من الزوجات بسبب أزواجهن، وفي بعض الأحيان يلعبن أدوارا في قيادة هؤلاء الأزواج الى التسبب في إحباطهن.
وتضيف الأحمدي: إحباط الزوجات يشكل مصدر خطر على مستقبل الحياة الزوجية وتربية الأبناء بشكل سليم، لأنه مما يترتب على هذا الإحباط قصور واضح في الوظائف الروتينية للفرد و نزوع الشخص للعدوان سواء بشكل صريح أو خفي وكلما إزداد العدوان إزداد شعوره بالإحباط، ويتزايد كلما كانت رغبات الفرد وأهدافه المحبطة حيوية بالنسبة إليه، ويصبح الشعور بالإحباط أشد وطأة وإيلاماً للنفس عندما يدرك أن تلك الرغبات لا يستطيع تحقيقها وهو يرى أنها مهمة وضرورية.

و لمواجهة الإحباط والوقاية منه تقول الأحمدي: يتم ذلك بتنمية السمات المزاجية الإنفعالية التي تساعد على مواجهة الصراعات والإحباطات كالمثابرة وقوة العزيمة والصبر والتفاؤل والثقة بالنفس والمرونة في مواجهة المشاكل والمواقف الصعبة، وتطوير أفكار إيجابية بها نوع من القدرة على مواجهة المشكلات وعلاجها من دون انفعال ويأس ولا بد من الصبر والثقة بالنفس أثناء تلك المعالجة.