يصادف quot;عاشوراءquot; ويكرّس قيم السلم والتصالح
الجزائريون يحتفلون بعيد quot;السبيبةquot;

كامل الشيرازي من الجزائر: يحتفل سكان جنوب الجزائر، في هذه الفترة من كل عام بما يعرف محليا بـquot; عيد السبيبة quot; ، ويصادف هذا العيد المتوارث منذ آلاف السنين، العاشر من محرم وعيد عاشوراء في التقويم الهجري، ويتّم إحياء هذه المناسبة بمدينة جانت بأعماق الطاسيلي ( 2300 كلم جنوبي شرق الجزائر ) ، للاحتفال بتكريس قيم السلم والتصالح، بعدما استكانت القبيلتان الكبيرتان ( قرارم ) و( تار أورفيت ) لمعاهدة سلم أنهت عقودا من حرب طويلة. وتغتنم قبائل الطوارق هذه المناسبة التقليدية لعقد الصلح بين المتخاصمين، إضافة إلى فك النزاعات، وضبط الروابط الاجتماعية والتجارية التي تحكمهم، وتجديد أصول العرف الذي يتحاكمون إليه وقضايا الزواج والطلاق ودفع الدية.

ويقول الشيخ أحمد ( 80 سنة ) لإيلاف إنّ هذا اليوم أخذ صفة القداسة وصارت تطلق عليه quot;السبيبةquot;، تبعا لارتباطه باستتاب السلم بين سكان القصرين العتيقين (أزلواز) و(الميهان)، حيث لا زال هذا الحدث التاريخي راسخا في العادات المحلية، ويتم التعبير عنه بطريقة احتفالية ضمن طقوس شعبية تحمل الكثير من الرمزية، كما يعكس هذا الموعد ثقافة راسخة ومجموعة من القيم الاجتماعية التي يؤمن بها سكان الجنوب الجزائري، وأهمها التسامح والتصالح ونبذ كل ما من شأنه تعكير صفو العلاقات الاجتماعية السائدة.

كرنفالات قتالية في قالب كوريغرافي

مثلما جرت العادة، تقام سنويا كرنفالات تترجم العواطف المشحونة التي يختزنها التراث العريق لقبائل الطوارق، وتؤجج الذاكرة الجماعية للسكان، ويدفعها إلى وحدة الهدف والمصير، ويطبع هذه الكرنفالات رقصات جماعية في قالب كوريغرافي خاص، على وقع دقات الطبول موشّاة بالطابع الفلكلوري المحلي، حيث يحمل الراقصون أسلحة ويرتدون زيا حربيا وسط حركات متناسقة تعبر عن حركة المقاتل أثناء الحرب، وما يلجأ إليه من أساليب وتقنيات كانت معروفة قديما، لكن يعاد تصويرها في عيد السبيبة بشيء من الإيحائية العفوية، وعادة ما ترافق هذه الرقصات المعبرة زغاريد النسوة اللواتي تتشحنّ بأجمل ما لديهنّ من حلي ولباس، بما يوحي أنّ المرأة في المجتمع (الطارقي) تتجند إلى جانب الرجل في الحرب، وفي خضم تواصل مشاهد القتال بين القبيلتين يتدخل الأعيان ووجهاء القوم بين الفرقاء لوقف الفتنة، وهم يدعون إلى عقد معاهدة سلم وصلح بين القبيلتين المتحاربتين.

طبق quot;البويشةquot; أو quot;البلوم البودينغ quot; على الطريقة الجزائرية

للاحتفال بعيد السبيبة، يطهى طبق تقليدي في الجزائر، يدعى quot;البويشةquot;، وهي الأكلة المفضلة لاستقبال هذه المناسبة، حيث تتمسك بها العائلات ولا تستغني عنها مهما تطورت العادات، وقد ورثته الأمهات عن جداتهن، بيد إنّهنّ لا تتحرجنّ من الاعتراف بجهلهن بأصل هذه الكيفية وتكتفين بنقلها إلى بناتهن، رغم تكلفته الباهظة والأعباء المترتبة عنه بسبب زيادة الأسعار في الأعياد والمواسم.

ويوحي اسم quot;البويشةquot; بلفظ بربري، لكن يبقى معناه مجهولا من طرف السكان المحليين، ويقول رواة إنّ البويشة تعود إلى زمن بريطانيا القديمة، ووصلت إلى الجزائر منذ قرون عديدة بغرض quot;حشو بطون العبيد المكلفين بإنجاز الأعمال الشاقةquot;.

وعلى إيقاع طقوس مميزة في عمليتي التحضير والاستهلاك، يتّم إعداد الطبق المذكور بمزج السميد والتمر المجفف وزيت الزيتون، وتضاف إليها أحشاء كبش عيد الأضحى، التي تجفف ويُحافظ عليها خصيصا لهذه المناسبة، كما تتم الاستعانة بمواد أخرى للرفع من مذاق هذه الأكلة، وبعدما يجري (دمج) المواد الآنفة الذكر في قدر ضخم من الحديد، يتّم ترك الأخير لساعات طويلة فوق نار هادئة -تتعدى الثمان ساعات-، وقد يحصل في بعض الأحيان أن ينفجر القدر من شدة الضغط والحرارة !

وتشبه البويشة الطبق البريطاني الشهير quot;البلوم البودينغ quot; وذلك في طريقة تحضيرها، حيث تدخل في تركيبتها مواد عديدة تتطلب مهارة ووقتا طويلا، إذ ينفق الطباخون أياما عديدة لاستكمال إنضاج ذاك الطبق، فيلجأون إلى ترك المزيج المكون من أكثر من 27 مادة غذائية، سبعة أيام متصلة حتى يجري الحصول على ذوق مميز.

ويقدّم هذا الطبق باردا في صبيحة عاشوراء، حيث يجتمع شمل العائلات حول البويشة، واللافت إنّ هذا الطبق الواسع الشعبية بين الأجيال المتقدمة في السن، يشبه عموم أطباق الحرب وذلك لقيمته الغذائية العالية وطريقة تحضيره.