كتاب عراقيون يلجأون الى السخرية كحل يومي
تحت نصب الحرية جفف دمعتك بالضحك

سيف الخياط من بغداد: لم يتوقف سامر مراد 27 عاما عن الضحك في مقهى الإنترنت وهو يردد quot;والله تستاهلون وهذا هو دواؤكمquot; أثناء تصفحه لموقع عراقي على شبكة الإنترنت مخصص لنشر الكتابات الساخرة عن الشأن العراقي. يقول سامر مراد وهو من سكان بغداد quot; لقد مللت البحث عن عمل داخل مؤسسات الدولة لأنني غير منتمٍ الى حزب سياسي وهربت من الواقع الى الإنترنت فوجدت من يرطب أجوائي في مطالعة المقالات الساخرة عن الحياة السياسية في العراقquot;.. ويشتهر العراقيون كحال المصريين واللبنانيين بالاهتمام بالنكات والتعليقات الساخرة وأخذوا ينعتونها بالتحشيشات لما لها من توليفة خاصة تحقن الفكرة بقهقهة ناقدة.

والسخرية أسلوب في الكتابة الأدبية ميّزت أدب عدد من الكتاب ابتداء من لافونتين ومونتسكيو وفولتير وسويفت وبوريس فيان وبرنادشو وكان للعرب اهتمام خاص حتى قالوا quot; شرُّ البليّةِ ما يُضْحكquot; وبرز منهم قديما الجاحظ والمعري وصولا الى محمد الماغوط وعبد الله النديم الذي اسس صحيفة quot;التنكيت والتبكيتquot; وأحمد رجب وصلاح حافظ ومحمود السعدني وصلاح عيسى.

وقد أطلق مؤخرا موقع جديد من نوعه يحمل عنوان quot;تحت نصب السخريةquot; مستوحى من نصب الحرية الشهير وسط بغداد- ومخصص لنشر المقالات والصور الساخرة ويعتبر الأول من نوعه عراقيا بعد أن شغلت السياسة والأخبار جهود غالبية الإعلاميين خلال الأعوام الماضية، ورغم أن تحت نصب السخرية يصب كل اهتمامه في شؤون السياسة الا ان اعتماده الأسلوب الساخر جعل له نكهة خاصة.

وكان الكاتب العراقي نوري ثابت لجأ الى استعارة اسم حبزبوز وهو شقي بغدادي للكتابة باسمه فيصحيفة البلاد مقالات ناقدة وساخرة من الأوضاع السياسية والاقتصادية أوائل الثلاثينات من القرن المنصرم حتى أصدر صحيفته المستقلة والمخصصة للأدب الساخر باسم حبزبوز عام 1931.

وتطبيقا لمقولة تشيخوف quot;لا تعطني موضوعا بل أعطني عينينquot; ذهب كتاب عراقيون بأنظارهم الى مساحات قد لن يجدي القلم الجاد نفعا في تحريكها وهزهزة أركانها، وخرجوا بموقع جديد ضم أبوابا عديدة عن مقالات تلامس المقدس وتابواته، الجنس، الدين، السياسة.

يقول الكاتب الساخر شلش العراقي quot; الجنس هو من أتى بنا على هذه الكرة الأرضية، ولولاه لما دارت وما أصبحت جميلة، السياسة والحرب هو نقيض الجنس والمتعة، ونقيض أي شيء جميل، لكن كل القصص الرومنسية والأغاني تصبح أجمل عندما تكون مؤطرة بالحرب والخوفquot;.

ويقول الكاتب العراقي وجيه عباس المشرف على الموقع المطلق مؤخرا quot;الكلمة لدي حيّة، ولا أعني بذلك الأفعى، لكنني اقصد أنها لاتزال على قيد الحروف، إذا أبدلنا حرف الحاء في كلمة الحرية بحرفي السين والخاء ستظهر كلمة سخرية، لهذا سيصطف الجميع تحت مظلة الموقع الساخرة التي اشترطنا فيها شرطاً واحداً هو عدم المساس بالشخصية العراقية بما يسيء إليها بأي شكل من الأشكالquot;.

وجيه عباس
يضيف عباس quot; لقد لجأنا الى السخرية ليس لجوءا سياسياً ولا إنسانياً فالشخصية العراقية في تكوينها تحب النسق الساخر المخاتل في الكتابة، ربما يقبل العراقي أن تضربه، لكنه لن يقبل أن تضحك عليه، الكتاب الساخرون في العراق والعرب عددهم قليل، كل مافعلناه أنه وجّهنا الدعوة الى كتاب السخرية العراقية، ووافقوا ان يجلسوا تحت خيمة ساخرة ساخنة ساخطة، من أجل إيصال صوت أصابعهم الى الجميع، شلش العراقي يعود الى الكتابة، ومعه فالح حسون الدراجي وحسن الخفاجي وابوالكيا البغدادي وداوود الرحماني الذي أعدّه الوريث الشرعي للملاعبود الكرخي وآخرون، أنه موقع ساخر من الباب الى المحرابquot;.

قد تكون السخرية سلاح الروح العظيمة لقهر المتاعب، ولعل مشاهير عديدين استندوا إليها في مواقف صعبة كما فعل سقراط الذي سخر من قاتله وهو يتجرع كأس السمِّ وحين سأله تلاميذه quot;من المؤسف أيها المعلم أن تموت دون ذنبٍ ارتكبتهquot; فرد عليهم قائلا quot;وهل تظنون أن الموت كان يمكن أن يكون أسهل لو كنتُ مذنباًquot; ضحك تلاميذه بين دموعهم وثار حقد أعدائه أكثر.

وقال أحد رجال الثورة الفرنسية قبل إطلاق الرصاص عليه quot;رصاصة واحدة تكفيني دع الباقي لبريء آخرquot; أضحك قولهُ الحاضرين بينما أثار حنق خصومه.