صلاح حسن من لندن: بعد اتساع الاتحاد الأوربي وانضمام عدد من دول أوربا الشرقية إليه طفحت على السطح ظواهر غريبة صادمة وكثيرة لم تعرفها شوارع المدن الغربية من قبل وبدأت تجتاح العواصم الأوربية منذ أكثر من سنتين من ألان. التبول في الشوارع وتناول الخمر في الطرقات ووسائل النقل العامة وقيادة السيارات بطريقة خاطئة والسكن بشكل جماعي وما يحدثه من ضجيج وفوضى هي كلها ظواهر جديدة جاء بها المهاجرون الجدد من أوربا الشرقية وخصوصا من بولندا ورومانيا ويوغسلافيا السابقة وأصبحت تقلق السكان الذين عبروا عن استيائهم في مناسبات كثيرة.

عمال خلال الاستراحة
هذا على الصعيد الاجتماعي والثقافي، أما على الصعيد الاقتصادي فقد حل هؤلاء محل الموظفين والعمال في هذه الدول بسبب ضآلة أجورهم وبدأوا يثيرون جدلا ومشاكل سياسية واقتصادية أخذت تتسع على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون وحتى في الشارع لن تنتهي قريبا.

في قلب العاصمة البريطانية لندن وقرب مركزها التجاري يتجمهر كل صباح وفي وقت مبكر عدد كبير من البولونيين والرومانيين رجالا ونساء بانتظار من يطلبهم للعمل. هذه الظاهرة لم تكن واردة في لندن.. ففي البداية كانت الشرطة تحضر لمعرفة سبب هذه التجمعات غير الطبيعية ولكن ذلك أصبح ألان معروفا للجميع ( أنهم عمال من أوربا الشرقية. يوجد ألان أكثر من 200 ألف عامل ). وقد استغل أصحاب العمل البريطانيون هذه الظاهرة وشغلوا اكبر عدد ممكن منهم دون عقود رسمية بسبب الأجور المتدنية لهؤلاء العمال.

هذه الظاهرة تتكرر يوميا في الكثير من العواصم الغربية كما يحدث في برلين وفي بعض العواصم الصغيرة أيضا مثل بروكسل وهولندا. ففي هولندا على سبيل المثال وهي بلد صغير للغاية بحيث يمكن ملاحظة اية ظاهرة جديدة بسرعة، وصل عدد البولنديين إلى مئة وخمسين ألف مهاجر خلال فترة وجيزة لا تتجاوز السنتين والنصف بالإضافة إلى عدد غير معروف من باقي الدول الشرقية وجعلوا الهولنديين ينقسمون على أنفسهم.

واصبح تذمر البريطانيين خاصة في لندن من كثرة اعداد العمال الاجانب خاصة من اوربا الشرقية واضحة.. خاصة بعد ان باوت مصدر ازعاج نمط حياة الانكليز..
يعمل البولنديون في قطاعي البناء والزراعة وهي أكثر الأعمال إزعاجا في أوربا بسبب المناخ البارد الممطر. وغالبا ما يقوم بهذه الأعمال عمال أجانب كالأتراك والمغاربة والأفارقة بالإضافة إلى القليل من الأوربيين رغم الأجور الجيدة التي يتلقاها العاملون في هذين القطاعين. لكن مجيء البولنديين إلى الدول الغربية جعل أصحاب العمل يفضلون هؤلاء المهاجرين بسبب ضآلة أجورهم التي تقل عن الأجور العادية بعشر مرات تقريبا. فالعامل الانكليزي في قطاع البناء يتقاضى أربعة عشر باونا للساعة الواحدة بينما أجور العامل البولندي لا تتعدى الخمسة في الأجواء نفسها.


لشيء الغريب عند هؤلاء المهاجرين أنهم وبعد الانتهاء من العمل تراهم يملأون الأسواق التي تبيع المشروبات الكحولية التي يشترون منها الكثير للغاية كما لو إن أزمة محدقة سوف تحدث. ليس هذا وحسب، ولكنهم يبدأون بتناول الكحول في أي مكان وفي اية لحظة دون إن يفكروا بثقافة المجتمع الذين يعيشون في كنفه.

برغم التداعيات الكثيرة التي تحدث في وسط المجتمع الهولندي على سبيل المثال إزاء التطورات الجديدة في ما يتعلق بالمهاجرين من بلدان أوربا الشرقية إلا إن السياسيين يقدمون تبريرات كثيرة حول ذلك تتعلق بقدرة هؤلاء المهاجرين على الاندماج السريع بالمجتمع الهولندي. فهم أوربيون ومسيحيون وغير متطرفين دينيا وعدا ذلك غير مهم، بالإضافة إلى أنهم يسهمون بمنع حالات التضخم التي قد تحدث للاقتصاد. أما أصحاب العمل فهم يرحبون بسياسة الحكومة هذه ويقومون بتشغيل المزيد من العمال الذين يعيشون في أحيان كثيرة على شكل مجموعات كبيرة في أماكن صغيرة لا تتوفر فيها الشروط اللازمة للحياة السليمة، كالمزارع والمعامل وبعض البيوت الصغيرة التي لا يمكن إن يعيش فيها أكثر من أربعة أشخاص.

لا تريد هولندا إن ترتكب الخطأ نفسه ذلك الذي اقترفته في بداية ستينات القرن المنصرم حين دعت العمال المغاربة والأتراك للمساهمة في بناء اقتصادها. فهولاء قادمون من ثقافة مختلفة وأثبتت التجربة إنهم غير قادرين على الاندماج حتى الجيل الثالث الذي ولد وترعرع في هولندا. فالمغاربة في نظر البعض متطرفون دينيا بعد إن اقدم شاب مغربي على اغتيال المخرج السينمائي الهولندي تيو فان خوخ، واكتشاف منظمة متطرفة مرتبطة بالقاعدة تدعى quot; العاصمة quot; اغلب أعضائها من الشبان المغاربة. إما الأتراك فيقتلون بناتهم اللواتي يقمن علاقات غير شرعية في نظرهم مع شباب هولنديين وغير هولنديين. الأوربيون الشرقيون ليس لديهم هذه المشاكل البنيوية وهم اقرب إلى القيم الغربية من الآخرين بحيث يمكن إدماجهم في المجتمعات الجديدة بسهولة وسرعة. وعلى أية حال فهم غير مقيمين بشكل دائم وذلك لا يفاقم مشكلة السكن ولا يشكل ضغطا.

ليس هذا هو رأي الهولنديين وحدهم، بل هو رأي الأوربيين جميعا بعد ما حدث في الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة الأمريكية التي تحض الاتحاد الأوربي على استقطاب المزيد من الدول الأوربية الشرقية التي كانت تنتهج النظام الاشتراكي مثل بولندا التي ينتشر مواطنوها ألان في كل البلدان الأوربية وجنودها في العراق ضمن قوات التحالف.