حالات من القصف والتهجير... الفزع والهلع
بيت حانون الغزيّة وسديروت الإسرائيلية.. التناقض والتشابه

نجلاء عبد ربه من غزة: سديروت.. بلدة زراعية إسرائيلية على بعد 1 كم من حدود قطاع غزة، يصل عدد سكانها حسب الأرقام الرسمية الإسرائيلية إلى 23,000 نسمة، تتعرض يوميا لقصف صاروخي quot; فلسطيني الصنع quot; ، فهي أكثر البلدات الإسرائيلية التي تقع تحت وابل تلك الصواريخ.. ذيع صيتها مع بداية تصنيع المقاومة الفلسطينية لتلك الصواريخ في العام الثالث من إنتفاضة الأقصى. قتل منها عددا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، لكن الحياة فيها تضررت بشكل كبير. بيت حانون.. بلدة فلسطينية متاخمة لحدود قطاع غزة مع أراضي الـ 48، على بعد كيلومترين فقط، يبلغ عدد سكانها 35,000 نسمة، تتعرض يومياً لقصف مدفعي ومروحي، بالإضافة للإجتياحات متكررة. ذيع صيتها في وسائل الإعلام مع بداية إنتفاضة الأقصى. قتل منها أكثر من ثلاثمائة مواطن من مختلف الأعمار ومن الجنسين. في أحد الإجتياحات الإسرائيلية دام لستة أيام فيها، قُتل أكثر من 52 قتيلاً، وأصيب أكثر من 250 جريحاً.

وبسبب موقع البلدة، اعتادت الفصائل الفلسطينية استخدام الأراضي المجاورة لبيت حانون لإطلاق صواريخها محلية الصنع من قبيل صواريخ القسام وقدس غيرها. وكان لا بد من الجيش الإسرائيلي الإنتقام من السكان المدنيين كتعويض عن حالة الفزع والهلع الذي يعيشه لحظة بلحظة، مع تساقط الصواريخ الفلسطينية بشكل شبه يومي على بلدة سديروت الإسرائيلية.

تعرضت بلدة سديروت إلى تهجير أكثر من 300 إسرائيلي مع تصاعد وتيرة القصف عليها، وتسببت تلك الصواريخ بحالات رعب وكوابيس لدى الأطفال الإسرائيليين في البلدة.. وبنفس الوتيرة، حظيت بلدة بيت حانون الفلسطينية بنصيب الأسد من تدمير شاسع لمنازلها وأراضيها الزراعية، فضلاً عن قتل وجرح وإعتقال المئات من مواطنيها، لكن الفرق هنا يكمن في تشبث سكانها بعدم النزوح من تلك الأرض، رغم حمام الدم النازف فيها.

الفلسطينيون يبتهجون كثيراً كلما سمعوا إذاعة الجيش الإسرائيلي، وهي تعترف بجرح أو قتل مستوطن إسرائيلي دخل سديروت كل ثلاثة أشهر، بينما في غزة تعودت المواطنين على سماع الخبر العاجل الذي تورده الإذاعات المحلية الفلسطينية (مقتل ثلاثة مواطنين قي بيت حانون نتيجة قصف مروحي إسرائيلي) إنتهى الخبر العاجل، وكأن الموضوع برمته أصبح لديهم مجرد أرقام، نهاية كل شهر تُحصي مؤسسات حقوق الإنسان العدد الحقيقي، ليصل شهرياً من 30 ndash; 60 قتيل فلسطيني.

داخل إسرائيل، جميع القيادات هناك تطالب بحل لتلك الصواريخ التي تسقط على سديروت، وتقدم الحكومة الإسرائيلية الكثير لتوفير حياة طبيعية في البلدة، وتجد حكومتهم أوقفت الضرائب عن مصانعها ومزارعها، إسهاماً منها في التخفيف عن الإسرائيلي الذي يعيش في البلدة.. في المقابل تجدنا في غزة نجيش حملة إعلامية تخترق قلوب الحكام والمواطن العربي كي يتصدق كرهاً، أو طوعاً، على هؤلاء المنكوبين في البلدة.. وبمجرد وصول الدعم المالي أو العيني تجدنا نتقاسمه ونوزعه بحسب لوننا، وكأن تلك الأموال خرجت من جيوبنا.. ليس هذا فقط، بل نشعر الفقير المحتاج ببعض من الإذلال.
في سديروت.. يحاول المستوطنون الإسرائيليون إستغلال كل صاروخ يصل إليها.. هم يدركون تماماً أن صواريخنا لا تحمل مواداً متفجرة بمعني الكلمة، اللهم فقط (أضرب وأهرب، قبل أن تصل الزنانة)، والمقصود هنا أن تضرب بأي مكان وإتجاهٍ دون تحديد هدف بعينه، قبل أن تصلك طائرة الإستطلاع الإسرائيلية فتقصفك أنت ومن معك، ونشيّعك على أكف الشباب في اليوم التالي.

تعتبر بيت حانون من أخصب مناطق قطاع غزة الزراعية، لكن الزراعة في هذه البلدة تضررت ضرراً بالغاً خلال الإجتياحات المتكررة، ما أدى إلى تدمير اقتصاد البلدة الأساسي، بينما في سديروت فلا يوجد إجتياح فلسطيني لها. وأفاد تقرير إسرائيلي أن 75 % من أطفال مدينة سديروت الإسرائيلية الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و18 عاماً يعانون من آثار التوتر الذي يعقب الصدمات العصبية بما في ذلك اضطرابات النوم والقلق الحاد، بسبب الصواريخ الفلسطينية... بينما يعاني كافة المواطنين الفلسطينيين في بيت حانون من هذا التوتر من النوم في العراء وبتر في الأطراف، بسبب القصف الإسرائيلي على منازلهم بشكل مباشر وموجه.

في كل مرة كانت الصواريخ الفلسطينية على سديروت، تتسبب في إطلاق صفارات الإنذار التي تجعل الأطفال يهرعون نحو المخابيء والملاجئ، غير أن نظام الإنذار الأحمر هذا لا يعتبر نظاماً كامل الجدوى، ويطالب السكان هناك بتوفير نظام رقابي أكثر أمناً ويطلق صفارات الإنذار قبل بدء إطلاق الصاروخ تجاه بلدتهم.. لكن في بيت حانون يأتيك القصف وأنت داخل بيتك أو أثناء فلاحتك لأرضك الزراعية.. فلا حصانة إنسانية ولا تحصين للمباني.. كلها على الله.

وكان رئيس بلدية بيت حانون الدكتور محمد نازك الكفارنة، رد على رئيس بلدية سديروت الذي طالب بهدنة مع الفلسطينيين تهدف إلى وقف الصواريخ التي تنطلق من المناطق الحدودية في قطاع غزة. وقال quot;أن مدينة سديروت تعيش حالة من الذعر الناجم عن أصوات الإنفجارات بينما تعيش مدينة بيت حانون الحزن بشكل يومي بسبب الاستهداف المتكرر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية المتواجدة على الحدود مع المدينة للمواطنين العزل، والتي كان آخرها استهداف مجموعة من الشبان كانونا يقضون وقتاً للتسلية للتفريغ عن أنفسهم بسبب الحصار على قطاع غزة مما أدى إلى استشهاد ثلاثة منهمquot;.
وطالب الكفارنة من رئيس بلدية سديروت أن يشاهد على شاشة التلفاز ذلك الدمار الهائل الذي أحدثته الدبابات الإسرائيلية في شوارع وبيوت وأراضي بيت حانون، مؤكداً أن الاحتلال الإسرائيلي يرى أن أي هدنة مع الفلسطينيين يجب أن تبدأ من فوهة المدفعية، معتبراً أن العمليات العسكرية التي ينفذها الاحتلال في قطاع غزة هي ما تدفع بالمقاومة الفلسطينية إلى الرد دفاعاً عن النفس.

وكان رئيس بلدية سديروت quot;ايلي مويالquot;، دعا إلى إجراء محادثات مباشرة مع حماس لوقف إطلاق الصواريخ ووقف إطلاق النار لإنقاذ حياة سكان سديروت. وأضاف quot;أقول لحماس دعونا نوقف الصواريخ للعشر سنوات القادمة وسوف نرى ما سيحصل.. الإنسان أهم ما نملك، وأنا على استعداد للقيام بكل شي من اجل ذلك حتى لو كان الحوار مع منظمة إرهابيةquot;، مؤكداً انه خلال الأسبوع الماضي تلقت سديروت ما معدله 50 صاروخا أطلقت من قبل منظمات فلسطينية.

إلا أن رئيس بلدية بيت حانون قال quot;إن الدعوة إلى هدنة طويلة الأمد كانت مطلباً فلسطينياً يهدف إلى وضع حد لحالة الحرب التي تعيشها المنطقة وما يترتب عليه من إعادة الحقوق الفلسطينية المسلوبةquot;. واعتبر الكفارنة أن مطالبة رئيس بلدية سديروت لهدنة مع الفلسطينيين ما هو إلا علاقات عامة وذر الرماد في العيون في محاولة واضحة لقلب الحقائق ولتحميل أهالي قطاع غزة العزل مسئولية ما آلت إليه الأوضاع، مؤكداً أنه لإثبات نية رئيس بلدية سديروت على التعايش السلمي فإنه يتوجب عليه مواجهة حكومته بوقف انتهاكاتها في قطاع غزة بشكل عام وفي مدينة بيت حانون على وجه الخصوص.
وأضاف الكفارنة في رده على رئيس بلدية سديروت quot;أن الفلسطينيين هم شعب مسالم يدافع عن نفسه ضد همجية جنود الاحتلال الذين انتزعت الرحمة من قلوبهم فباتوا يستهدفون النساء والأطفال والشيوخ والبنية التحتيةquot;.