عندما يصبح حلم العمل روتينا يصعب التخلص منه
هل بات العمل للمرأة الفلسطينية كابوساً يطارد أنوثتها

نجلاء عبد ربه من غزة:إذا كان العمل أعطى المرأة الكثير من الإيجابيات وجعلها تشارك الرجل في معركة الحياة اليومية والسعي وراء لقمة العيش كما الرجل، فانه بقي دائما على حساب مهامها الأسرية كزوجة وأم وربة منزل التي أنيط بها منذ الخليقة، فالنتيجة عند بعضهن quot;تعبتquot;، ولم اعد اقدر على الجمع بين العمل والبيت، هذا هو لسان حال العديد من النساء العاملات اللاتي بدأ بعضهن رحلة العود للبيت. فهل التعب الجسدي والنفسي، أم الرجل هو من أسهم بشكل أو بآخر في دفع المرأة للمضي في تلك الرحلة العكسية.

تشكو الموظفة quot;إنتصار حسنquot; التي تعمل منذ ستة وعشرين عاماً، من الضغوط التي تتعرض لها بسبب كونها إمرأة عاملة وأماً في الوقت نفسه، وأصبحت تؤثر بصورة مباشرة في حالتها النفسية وتعاطيها مع الحياة، مضيفةً: quot;أصبحت أشعر بالكآبة وأن وظيفتي في الحياة تتلخص في كوني آلة، مخلوقة فقط للعمل خارج البيت وداخله لأوفر لزوجي وأولادي كل سبل الراحة الجسدية والمعنوية والمادية، من دون أن يلتفت احد لمعاناتي.

وتقول إنتصار لـ إيلاف: quot; الشيء المؤلم هو أن راتبي يذهب كله في سداد الإيجار ودفع فواتير الكهرباء والهاتف وأقساط جامعات مدراس الأولاد، حيث لا يتبقى منه شيء لاشتري فستانا لي، فأنا أغطي نفقات أساسية في البيت، ومع هذا فان الرجال بطبيعة الحال لا يقدرون أبدا إسهامنا الجوهري في تحمل العبء المالي معهم، فهم يريدوننا أن نقوم بدور الرجل والمرأة في آن واحد، وبصراحة فلقد استهلكت في هذين الدورينquot;.

وتتمنى إنتصار التي إنعكس شقاء العمل على وجهها قائلة: quot;لو أن الزمن يعود بي للوراء، حينها، لفضلت ألا أتوظف، وأن أجلس في البيت واترك مسؤولية الإنفاق على زوجي فقط، ولعدت quot;ست بيتquot; بدلا من هذا التمزق الذي أعيشه.

وتتوق quot;أميرة سلامةquot;، تعمل منذ أحد عشر عاما في إحدى المؤسسات الحكومية، إلى فكرة النوم حتى العاشرة صباحاً، وتتمنى أن تستيقظ على راحتها وتتمطى في فراشها، بدلا من أن تهب مفزوعة فجر كل يوم منذ عشرين عاماً، على صوت المنبه الذي تقول عنه إنه يرن في أعصابها بدلا من أذنيها، مضيفة بحسرة quot;ما أسعد جداتنا اللاتي تمتعن بكامل أنوثتهن ومارسن أمومتهن بتفرغ كامل، ولم يحملن هم المعيشة ولا فواتير مشتركة بينهن وبين أزواجهن، ولم يعرفن الديون وغلاء المعيشة والأسعار .

وتلقي زميلتها quot;ليلى أحمدquot; التي تعمل منذ عشرة أعوام في المؤسسة ذاتها، اللوم على الظروف الاقتصادية العامة التي أجبرت المرأة على الخروج من بيتها والعمل، فالمرأة في نظرها تسهم في دفع العجلة الاقتصادية لبيتها، وتشارك في توفير متطلبات المعيشة، التي أصبح الزوج لا يستطيع وحده أن يغطي تكاليفها المرتفعة إلا بمساعدة شريكة حياته.

وتعتقد quot;ليلىquot; أن: quot;رجال اليوم أكثر حظا من رجال الأمس، ويتمتعون بامتيازات كثيرة منها رفع بعض العبء المادي عن كاهلهم، لكنهم لم يستثمروا هذا الامتياز إلا بالنوم على الأرائك والتسمر أمام شاشات التلفاز، والخسارة هنا هي quot;المرأةquot; فقط.

بينما تقول أميرة لـ إيلاف quot;أصبح الرجل يتعامل معها ليس كند فقط، إنما ككائن خارق وجد لراحته وسعادته في الوقت الذي تعاني هي فيه، مؤكدة أنه إذا فتحتم أي حقيبة امرأة عاملة ستجدون حبوب الصداع في حقيبتهاquot;.

تقول السيدة العاملة إنتصار، المجتمع الشرقي يحترم المرأة الجالسة في بيتها أكثر من احترامه للموظفات والعاملات، مع أن بعض الرجال يضع في شروطه قبل الزواج أن تكون المرأة عاملة، لتتضاعف الأعباء عليها.

وبعكس السابقات، فإن quot;سماح أحمدquot; والتي تعمل في الحقل الإعلامي، لا تراودها أي أفكار بشأن العودة للبيت، ولا تنكر في الوقت ذاته، أن ظروف عملها المريحة التي تسمح لها بالسيطرة الكاملة على بيتها، من دون معاناة كبيرة، تجعلها تتبنى هذا الرأي، ملتمسة في هذا الصدد العذر للكثيرات من الموظفات ممن يعانين.

وتقول مها لـ إيلاف: quot; على الرغم من الضغوطات التي تقابل المرأة خارج بيتها، وعدم تقدير المجتمع عموماً عمل المرأة، إضافة إلى عدم تقدير الرجل نفسه، إلا أنها يجب أن تصمد، لأن المكاسب التي تتحقق لها من خلال العمل تفوق بكثير المعاناة التي تقابلها فيهquot;.

وتتفق quot;أميرةquot; مع الرأي القائل بوجوب إحداث تغيير في وجوب المشاركة بين الرجل والمرأة في أعمال البيت فـ quot;ليس من العدل أن يعفي الرجل نفسه من مساعدة زوجته، متبنياً القناعة البائدة، بأن المرأة هي التي يجب أن تغسل وتطهو وتنظف وترى وترتب، بينما يتقاسم معها راتبها آخر الشهر

من وجة نظر الدكتور quot;رأفت العوضيquot; المتخصص التربوي ، فان ثمة أعمالا معينة من باب quot;فرض الكفايةquot; على النساء، كالطب والتدريس، فهذه الأعمال يجب أن تنهض بها المرأة، ويجب أن يوفر لهن المجتمع السبل الكفيلة لكي يؤدينها على أكمل وجه.

ويطالب الدكتور العوضي، بتغيير نظرة المجتمع على نحو ايجابي إلى الرجل الذي يساعد في الأعمال المنزلية، مؤكدا وجوب تغيير النظرة التقليدية نحو المرأة، وأنها المسؤولة الأولى والأخيرة عن رعاية الأولاد والبيت، لأن ظروف الحياة تغيرت، حيث أصبحت المرأة شريكة كاملة للرجل في تحمل جزء من الأعباء المادية، التي تواجه الآن كل الأسر الفلسطينية تقريباً، ولهذا فلا بد للرجل أن يقدر هذه المسألة بالوقوف إلى جانبها ودعمها وتخفيف بعض الأعباء عنها.

يؤكد الباحث الاجتماعي محمد العقاد لـ إيلاف، أن المعاناة النفسية التي تلقاها المرأة العاملة قد تأتي من صعوبة التوفيق بين مهامها في البيت وعملها في الخارج، ومع أن المجتمع بحاجة إلى تفعيل دور المرأة في شتى المجالات، إلا أن هناك مهمة أساسية أسندت إليها على ضوء بنيتها الفسيولوجية، وانبثقت منها واجبات الأمومة، وتبقى المرأة من وجهة نظر الباحث العقاد، تتأرجح بين واجبها كأم وزوجة وكعاملة، محاولة الجمع بين تلك كلها، من دون طغيان إحداها على الأخرىquot;.

وأضاف العقاد، quot;إن من أهم السلبيات التي تنعكس على حياة المرأة العاملة quot;الوقتquot; الذي تستغرقه في العمل، فالمرأة بشكل عام في المجتمع العربي تعمل صباحاً وهذا العامل يمكن اعتباره سلبياً أو ايجابياً بناء على اعتبارات عدة، كزوجة فقط وليس هناك أولاد أو زوجة عاملة وعندها أطفال دون سن المدرسة، وعامل آخر يؤكده، هو صحة المرأة والمجهود الذي تبذله بين العمل الصباحي الخارجي وبين العمل المسائي المنزلي والذي يؤثرفي صحتها بشكل مباشر ويجهدها على الدوام.

وأنهى الباحث الاجتماعي العوامل التي تؤثر في المرأة العاملة، وهو فقدان المرأة العاملة مكاناً تخلد فيه إلى الراحة، فبينما يعتبر الرجل البيت مكانا للراحة والنوم، فهو بالنسبة للمرأة مكان عمل ثان، والمرأة العاملة تفكر في الكم الهائل الذي ينتظرها من الواجبات المنزلية التي لا مناص منها.