أربعون عاما على زرع العلم الإسرائيلي على قبة الصخرة
حملة إسرائيلية لتهويد العقارات في القدس

أسامة العيسة من القدس: مضى أكثر من أربعين عاماً، على ذلك اليوم، الذي وصل فيه الجنرال الإسرائيلي مردخاي غور إلى باحة الحرم القدسي الشريف، أبرز معلم في بلدة القدس القديمة المسورة، وزرع العلم الإسرائيلي على قبة الصخرة المذهبة، درة الأمويين في فلسطين. ومنذ اليوم السابع من حزيران / يونيو 1967، بدأت عملية استيطان يهودية، مكثفة ومتشعبة في بلدة القدس القديمة، وهدمت الجرافات الإسرائيلية حارة المغاربة التي يزيد عمرها عن ألف عام، لتوسيع ساحة حائط المبكى، وهجرت سكان هذه الحارة وحارة الشرف المجاورة، لإنشاء ما يعرف الان بالحي اليهودي. وخلال أربعين عاما، لم يتوقف النشاط الاستيطاني على الحي اليهودي، فالبؤر الاستيطانية اليهودية منتشرة في جميع أنحاء البلدة، وشارك في هذا النشاط سياسيون، مثل ارئيل شارون الذي له منزلا في البلدة، ومتدينون متعصبون، راو أن الاستيطان بجوار الحرم القدسي، والسيطرة على الحرم نفسه سيقرب موعد الخلاص وعودة المسيح المنتظر.

ولكن العامل الحاسم في النشاط الاستيطاني المحموم في بلدة القدس القديمة، كانت القوة العسكرية الإسرائيلية الغالبة، وفي مرات كثيرة حددت بنادق الجنود، واسنان الجرافات الإسرائيلية، أمرا واقعا، بخلاف موقف المجتمع الدولي، الذي ما زال يعتبر القدس جزءا من الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي لا يجوز تغيير الأوضاع فيها.

وبعد أربعين عاما من نشاط محموم لم يهدا يوما واحدا، اتخذت إسرائيل خطوة جديدة، لحماية هذه الاستيطان، وبدأت كما ذكرت صحيفة هارتس، عملية تسجيل لما أسمته الأملاك اليهودية في القدس القديمة، في الشهر العقاري (الطابو)، وذلك في محاولة لتأكيد يهودية هذه الأملاك من الناحية القانونية.وأشارت الصحيفة، بان وزارة الإسكان الإسرائيلية قررت قبل خمس سنوات، البدء بعملية تسجيل الأملاك اليهودية في القدس القديمة، بشكل قانوني، رغم اعتراف شركة تطوير الحي اليهودي في القدس، وهي شركة حكومية، بأنها عملية معقدة وتنطوي على كثير من الصعوبات.

وقال نيسان ارازي مدير الشركة، أن بعض الصعوبة يعود إلى حقيقة أن الكثير من المباني والمساحات داخل الحي اليهودي كانت مسجلة بأسماء غير يهودية. وعملت إسرائيل، ضمن خطة مدروسة وبصمت، طوال خمس سنوات، لإعادة ترقيم جميع خرائط الحي اليهودي في البلدة القديمة، تمهيدا لعملية التسجيل. وحتى الآن، تم تسجيل اكثر من 120 مبنى من اصل 600 عقار يسيطر عليه اليهود في الحي اليهودي بالقدس القديمة، وهو أمر وصفع ارازي بالأهمية الكبيرة، وقال quot;تسجيل هذه العقارات والأصول اليهودية ذات مغزى تاريخيquot;.

ومساحة الحي اليهودي الان وفقا للأرقام الإسرائيلية تصل إلى 133 دونما، وتشكل ما نسبته 15% من مساحة البلدة القديمة بكاملها. ورغم أن اليهود استوطنوا أيضا في أحياء البلدة الأخرى: الأرمني، والمسيحي، والإسلامي، إلا انه لم يتمكنوا من تغيير الطابع العربي للبلدة التي تبلغ مساحتها 870 دونما، منها 24% ملك لدائرة الأوقاف الإسلامية، آلت إليها عبر عملية تاريخية طويلة، بسبب الهبات التي تم بموجبها تخصيص أراض لأغراض دينية أو خيرية.

ولكن هذه الأملاك لم تسلم من التهديد الإسرائيلي، فكثير من المباني الوقفية كالمدارس والخانات والحمامات المملوكية والأيوبية يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، ورغم تحويل بعض هذه الأملاك إلى كنس يهودية ومدارس دينية يهودية، إلا أنها ما زالت مسجلة باسم دائرة الأوقاف. ويملك السكان العرب، وفقا للإحصاءات الإسرائيلية الجديدة 28% من البلدة القديمة بما مساحته 170 دونما، في حين تضع دولة إسرائيل يدها على نحو 19%، بينما تملك المؤسسات المسيحية 20% من مساحة هذه البلدة الصغيرة التي تجمعت فيها أهم الأماكن الدينية التي تخص الأديان التوحيدية الثلاث.

ووفقا لما نشره الدكتور إسرائيل كيمتشي، من معهد القدس للدراسات الإسرائيلية، فان اليهود يتجهون إلى السيطرة على الحي الإسلامي، من خلال عملية شراء وسيطرة على أملاك المواطنين العرب في هذا الحي الذي يعتبر الأكبر داخل البلدة القديمة. ووفقا لكيمتشي، فان الاستيلاء على المزيد من الأبنية في الحي الإسلامي، تهدف إلى خلق التواصل بين البؤر اليهودية الاستيطانية، وتلك التي تسيطر عليها دولة إسرائيل، وصولا إلى باب الساهرة أحد أبواب بلدة القدس القديمة.

ووفقا لمعلومات خاصة بايلاف، فانه تحت الارض، تمكنت اسرائيل من وصل عدة انفاق كانت حفرتها سابقا، تصل بين الحي اليهودي والحي الاسلامي، دون ان تعلن ذلك. ومن المهم الإشارة أن أول من قسم بلدة القدس القديمة إلى أحياء: إسلامية، ومسيحية، ويهودية، وأرمنية، كان الانتداب البريطاني، لغايات سياسية، في حين أن جميع هذه الأحياء تضم داخلها خليطا من جميع الأديان، بل أن ما يوصف بأنه الحي الإسلامي يضم بعض من أهم الكنائس المسيحية، بالإضافة إلى جزء مهم من درب الآلام، وكذلك الأمر بالنسبة للأحياء الأخرى.

وورثت إسرائيل هذه التقسيمات لأحياء البلدة القديمة، في حين تتبناها الجهات الفلسطينية، كما يظهر ذلك من خلال الخطاب الفلسطيني الرسمي والشعبي والإعلامي، لأسباب يعتقد أن مردها الجهل. ومن غرائب الأمور، أن يشير الدكتور كيمتشي مثلا إلى ما يسميه quot;اختراق المسلمين للحي المسيحيquot;، وهو ما يعني أصلا بطلان نظرية الأحياء الطائفية في بلدة القدس القديمة. وفيما يطلق عليه الحي المسيحي، الذي يضم كنيسة القيامة، يوجد مسجد عمر بن الخطاب، وهو يعود إلى العهد الأيوبي، والخانقاة الصلاحية، التي كانت مقرا لصلاح الدين الأيوبي، وأيضا البيمرستان، أي المشفى الذي انشاه صلاح الدين.

أما الحي الأرمني فيضم أساسا دير مار يعقوب، وهو عبارة عن تجمع ضخم يضم متحفا ومكتبة ودور سكن، ويقع بجوار ميدان عمر بن الخطاب، وقلعة القدس، ومركز قيادة إبراهيم باشا، ابن محمد علي، المعروفة باسم (القشلة) والتي تحولت الان إلى سجن إسرائيلي.

ويجاور هذا الحي ما يطلق عليه الان الحي اليهودي، وهو عبارة عن تجمع استيطاني يهودي كبير، متصل بحي النبي داود، على جبل صهيون خارج الأسوار، والذي تسيطر عليه إسرائيل منذ عام 1948، ونفذت فيه عملية تطهير عرقي، كان ضحيتها عدة عائلات مقدسية عريقة مثل عائلة الدجاني.
ويعتبر الحي اليهودي هو الأحدث والأكثر تنظيما، بسبب العناية الخاصة، التي توليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي له، ويقطن السكان العرب الذين كانوا يعيشون فيه حتى عام 1967، في مخيمات للاجئين قرب القدس.

ويصل هذا الحي حتى أسوار الحرم الشريف، واستولى المستوطنون على عدة مباني تاريخية إسلامية داخل هذا الحي من بينها مسجد قديم، إضافة إلى مقابر مملوكية وغيرها، وحولوا الاثار الرومانية المكتشفة الى متاجر يهودية.