البي بي سي للسنة وراديو سوا للشيعة
مؤسسات الإعلام الدولي تنشد لحرب الطوائف في العراق


سيف الخياط من بغداد: قد تكون عملية حرية العراق كما يطلق عليها السياسيون الأميركيون مثار جدل على الرغم من مرور خمسة اعوام على بدايتها الا ان الاسم الشائع هي حرب إسقاط صدام حسين وتتوالى التوصيفات بين مؤيد باعتبارها حربا لحرية العراق وبين معارض يصفها بالاحتلال. ولم تتوقف غرف الاخبار في وسائل الاعلام كافةعن البحث عن صيغة تجنبها حقل الألغام السياسية وتضعها في موقع الحيادية والموضوعية فاكتفت بعنوان quot;حرب العراقquot; وتركت للفرقاء حرية التعبير. ولعل الانفتاح الكبير الذي شهده العراق بعد سقوط النظام السابق في عام 2003 وضع البلد تحت عدسة الاعلام بكافة صنوفه وظهرت كردة فعل أولى إثر الكبت والمنع السابقين أعداد كبيرة من الصحف بلغت اكثر من مئة صحيفة علاوة على القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية وكانت لوسائل الإعلام الدولية حصة الأسد من هذه الطبخة الدسمة من الأخبار والتقارير على مدار الساعة.

يقول ابو باسم 60 عاما من سكنة بغداد quot;انا منصت جيد ومستمر لهيئة البث البريطانية بي بي سي من لندن على مدى سنوات واستغرب وصفها لحرب العراق quot;غزو العراقquot; الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية، مع ان الحرب لها اسم واضح كما ان كلمة غزو مصطلح ديني اكثر مما هو سياسي او قانوني او اعلامي وله موروث في الذاكرة العربية الاسلامية وقاعدته مؤكدة في القران الكريمquot;.

ويضيف ابو باسم quot;ان الحرب التي شنها صدام حسين على دولة الكويت قد تنطبق عليها اسم غزوة لكونها ذات أهداف مادية ومنطلق صدام في حربه كان لاسترداد حقوق العراق النفطية التي استخدمتها دولة الكويت وفي عنوان اخر ان الكويت ملك تاريخي للعراق ونريد استرداده، اما بالنسبة إلى الحرب الأميركية الأخيرة على العراق كانت تحت عنوان نشر الديمقراطية ومكافحة الإرهاب وإسقاط نظام يملك اسلحة دمار شاملquot;.

quot;ان البي بي سي تنطلق من ايديولوجية وثقافة عربية اسلامية اصولية في توصيفاتها وليست اعلامية حياديةquot; كما يقول ابو باسم.

وتعتمد البي بي سي في العراق على عنصر محدد من العاملين فيها وبالذات المراسلين الذين يصنعون الخبر وهم جميعا من الطائفة السنية على الرغم من خبراتهم البسيطة في مجال الاعلام او تخصصات محددة وليسوا مراسلين محترفين في مجال البث الاذاعي، ويتجنب هؤلاء اعلان أسمائهم في خاتمة التقرير او اثناء تقديمهم تقارير مباشرة ويكتفي مقدم النشرة بوصف المتحدث على انه مراسل الاذاعة في بغداد، ولعل المنطلق في ذلك هو الاستهداف الذي يتعرض له الصحافيون في العراق، لكن مراسلي الاذاعة في بغداد معروفون لدى زملائهم وانحداراتهم الطائفية والقبلية السنية.

يقول الدكتور هاشم حسن استاذ فلسفة الاعلام في جامعة بغداد quot;ان البي بي سي تفقد الكثير من حياديتها عندما ينتقل البث الى العاصمة المصرية القاهرة وخاصة الاخبار المحررة في دسكها هناك، لكن تعتبر البي بي سي في ما يخص الشأن العراقي اقرب الى الحيادية من اذاعة مونتيكارلو لان الاذاعة الاخيرة اغلب العاملين فيها من المغربيين والمتعاطفين مع نظام صدام حسينquot;.

ويجد مختصون ان الامر لا يتوقف عند التوصيفات والانتماء الطائفي للعاملين وانما اهتمام الاذاعة بقضايا على حساب قضايا قد تكون اهم وتصدر بعض الاحداث في العناوين الرئيسة.

يقول الصحافي العراقي حازم الشرع 33 عاما يعمل في معهد صحافة الحرب والسلام البريطانيquot;ان البي بي سي غالبا ما تركز على مناصرة فكرة المقاومة وقضايا الوحدة العربية، وانهم يختارون شخصيات متحدثة بصفة محللين من المنتمين لليمين القومي العربي وعلى سبيل المثال يعتبر المحلل العراقي وليد الزبيدي ضيفا دائما في البي بي سي في الشأن العراقي وهذا الشخص معروف لدى الجميع، لكن تطعيم الاراء بشخصيات ذات انتماءات متنوعة يغني الحدث تحليلاquot;.

ويضيف الشرع quot;مازلت اتذكر باستغراب تغافل البي بي سي عن تغطية ونقل احداث العنف المتبادل بين حكومة صدام حسين وانصار التيار الصدري عام 1999 إثر اغتيال المرجع الديني محمد محمد صادق الصدر والتي شهدت اعمال عنف كبيرة استمرت لاسبوع على الاقل في بغداد ومدن الجنوب، وعلى اهمية هذا الحدث وقيام النظام السابق بقمع المعترضين الا ان البي بي سي التي تفتخر بان لديها شبكة من المراسلين في كافة انحاء العالم لم تنقل هذا الحدثquot;.

quot;اجد ان العاملين في البي بي سي يتعاملون بمعيارين وأجدهم في بعض الاحيان وكأنهم يسعون إلى الترويج لسياسة دولة عربية سنيةquot; كما يقول الشرع.

وفي الجانب الاخر من البث الاعلامي الموجه للعراق يضم راديو سوا الاميركي الذي حل بديلا من اذاعة صوت اميركا من واشنطن عاملين من الطائفة الشيعية خصوصا في المكتب الرئيس في العاصمة العراقية بغداد.

يقول الدكتور هاشم حسن quot;ان الطائفية تفرض نفسها على الخطاب الاعلامي اذا كانت غرفة الاخبار او اغلب الصحافيين العاملين في مؤسسة واحدة من انتماء واحد لان كلا منهم سوف ينحاز الى بيئته، وللتخلص من ذلك يجب وضع معايير مهنية وليس الانتماء الطائفي او السياسيquot;.

ويعتبر الصحافي حازم الشرع quot;ان وجود مدراء لمكاتب وسائل الإعلام طائفيين او منحازين لمذهبهم او احزابهم السياسية سوف يلقي بظلاله على الخطاب الاعلامي العام، وان اغلب الصحافيين تعرضوا لضغوط من قبل مدرائهم للانحياز لاحداث معينة على حساب الاخرى، وهذا ما دفع الصحافي العراقي الى البحث عن مصالحه الشخصية والبقاء في عمله على حساب معايير المهنةquot;.

ويضيف الشرع quot;ان ضعف الحصانة القانونية للصحافي وهزالة نقابة الصحافيين وعدم وجود نظام مؤسساتي ملتزم وعقود عمل، وضع الصحافي في موقع ضعيفquot;.

الصحافي السني الشاب الوحيد في مكتب راديو سوا في بغداد عمر المشهداني دافع عن مؤسسته قائلا quot;لا نعير أهمية للانتماء الطائفي وان عملنا لا يأخذ صفة معينة ومنطلقنا الاساس في العمل المعايير المهنيةquot;.

لكن حادثة شهيرة وقعت قبل اكثر من عام لأحد الاعلاميين العراقيين بعد ان طرد من عمله في راديو سوا عقب عمله فيه بصفة مقدم برنامج سياسي بعنوان quot;ما قل ودلquot; وخرج ستار الدليمي المنتمي للطائفة السنية بعد قرار طرده ليقول ان السبب وراء هذا القرار هو انتماؤه الطائفي، ما دفع ادارة الراديو في بغداد الى البحث عن اعلامي عراقي سني ليكون بديلا منه في محاولة للرد على الدليمي وكان اختيارهم على بهاء النعيمي السني ايضا.

يقول الصحافي العراقي كمال بدران quot;ان الصحافي العراقي اصيب بشيزوفرينيا فكرية ومهنية فهو حين يعمل في مؤسسة تخضع لادارة طائفية شيعية يضطر الى التماشي في عمله بما يوجه اليه من تعليمات وما يقف عندها من خطوط حمراء، واذا ما اضطر للبحث عن عمل في وسيلة اخرى تخضع في ادارتها لادارة طائفية سنية يضطر الصحافي انذاك الى تغيير بوصلته بالكامل، وحينها يتحول اما الى شخص في حالة توهان او الى صحافي انتهازي غير مبال بمعايير المهنة واخلاقياتهاquot;.

قد تكون مؤسسات الاعلام العراقية المحلية منشدة الى طوائفها بحكم التمويل والانتماء السياسي لكن انجرار مؤسسات اعلامية دولية لمعركة الطوائف في العراق يجعلها شريكا في لعبة الدم وعودة الى عصر الاعلام الموجه الذي ختم عليه مع نهاية الحرب الباردة.