منذ 33 عامًا إندلعت وكتبت فصولاً مأسوية
ذكريات مؤلمة عن الحرب الأهلية اللبنانية

ريما زهار من بيروت: يبدو شهر نيسان من كل عامفي لبنان ليس كغيره من الأشهر الأخرى، ففي هذا الشهر كتب التاريخ فصولاً كبيرة من مأساة حرب إمتدت من العام 1975 واستمرت 15 عامًا ولا تزال ذيولها تهدد الوطن حتى بعد مضي 33 عامًا عليها. نيسان الربيع كان يحمل الألم لمعظم اللبنانيين الذين عايشوا فترة اندلاع الحرب الاهلية في لبنان، كثيرون اليوم يتخوفون من عودتها، على الرغم من الوعود والشعارات بأن الأجواء الإقليمية لا تسمح اليوم بحدوثها، فماذا لو رجعت الحرب إلى لبنان؟ هل بقيت في الذاكرة مشاهد أقصى من تلك التي عايشها كل لبناني عن تلك الفترة؟ مشاهد تبقى في الذاكرة على الرغممنمرور الايام والسنوات، علّنا من خلالها نترحم على ماضٍ ونتمنى ألا يعود ليدق ناقوس الموت في كل ركن من أركان الوطن الحبيب.

يتذكر المنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية في لبنان معن بشور ايام الحرب الاليمة ويقول في حديثه لـ quot;إيلافquot;، إن هناك ذكريات عديدة لمن عاش هذه التجربة بكل ساعاتها وايامها ولياليها على مدى 15 سنة، ولكن ابرزها دون شك هي الساعات الاولى منها، فالشهداء الذين استشهدوا في باص عين الرمانة كانوا رفاقًا لي، كنت حينها عضوًا في حزب البعث وجبهة التحرير العربية، والشباب الفلسطيني واللبناني الذي غدرته تلك الجريمة كانوا ينتمون الى الحزب والجبهة، وكان قسم كبير منهم من الشباب الذين هم على علاقة وثيقة بي، ومنهم غالب عكر وغيرهم، وكنت في الحقيقة في الشمال يومها اي في 13 نيسان 1975، حين سمعت الخبر لم يكن هناك خليوي، وادركت ان الوضع متوتر فعدت فورًا الى بيروت وكنت متخوفًا وقلقًا وكان الجو هائجًا عندما عدت الى بيروت، ولم يكن من السهل السيطرة على الوضع، لكننا كنا نشعر منذ اللحظة الاولى ان هذا اليوم ليس عاديًا في تاريخ لبنان، وحاولنا قدر الامكان ان نضبط رد الفعل كي لا نفتح آفاق حرب، لكن ذلك لم ينجح.

ويضيف:quot; حاولنا اولاً ان نقاوم فكرة القصف العشوائي على مناطق معينة لانه لا يجوز ان يُعاقب الابرياء بجريمة الكبار، وكنا نحاول ان نبعد قدر الامكان الافتراق الطائفي لهذه الحرب، واذكر ان زميلنا الوزير السابق بشارة مرهج لم يكن موافقًا على عزل حزب الكتائب حينها لانه كان يعتقد ان هذه الفكرة تؤدي الى نتائج عكسية، واستطيع ان اقول ان امكانية محاصرة تلك الشرارة التي انطلقت لم تكن سهلة فالرؤوس كانت حامية بما فيها رؤوسنا والاجواء الاقليمية والدولية كانت مشجعة واذكر حادثة ذات مدلولية وهذه شهادة انصاف للرئيس الراحل ياسر عرفات، انه بعد مجزرة شكا التي اودت بحياة عدد كبير من المواطنين، اذكر انني ذهبت الى مكتب الرئيس الراحل ياسر عرفات وكنا انا واحد المرافقين المرحوم احمد الصوفي وفوجئنا بوجود بعض القياديين يدعون عرفات الى الرد على هذه المجزرة باقتحام مدينة رئيس الجمهورية وهو رفض واذكر انه منذ بداية الحرب كان هناك اتجاهان واحد يعتقد انه بالتصعيد يمكنه ان يحسم الامور لصالحه، واتجاه كان يعتقد ان التصعيد سيؤدي بالمقاومة الفلسطينية وكذلك بلبنان، وفي 8 تشرين الاول 1975 كنت اقيم في الطريق الجديدة في منزل مقابل للمرابطون، وفجأة افقت على اصوات القذائف باتجاه بيروت الشرقية، وذهبت مستفسرًا الى المرابطين حيث كانت تجمعني علاقة صداقة برئيسها ابراهيم قليلات ففوجئت بوجود عدد من الاخوة يفسرون ما يجري بأنه محاولة افشال اتفاق كان قد جرى عصر ذلك اليوم بين عرفات وبين الرئيس كميل شمعون في السفارة الكويتية، وكان هناك احتجاج على هذا الاتفاق.

بدأت افهم ان الامر ليس بيد طرف واحد ولا جهة واحدة بل ان هناك الكثير من الدول لاسباب متعددة دخلت على الخط فاذا تراجع طرف يتقدم طرف ثان.

ويتابع بشورquot;هناك حوادث قتل جماعي ومتفجرات وبعضها انفجر بالقرب من منزلي، وكانت السيارات الاولى المفخخة في هذه المنطقة، والخطف ايضًا كان سيد الموقف، وكنا نبذل جهدًا كبيرًا في تجنب ذلك لأن الخطف كان يجري على الهوية في هذه المنطقة او ذاك.


اما هل يعتقد بان هذه الحرب بكل صورها المأساوية قد تعود مجددًا؟ يجيب بشور: quot;عودة الحرب ام عدم عودتها مرهون بأمرين، أوله أن يعي اللبنانيون مخاطرها وان تدرك القيادات ان لا رابح فيها وان لبنان سيخسر، ومن يتابع الاحداث خلال السنوات الماضية، يلاحظ دائمًا التصعيد الكلامي الشديد، وتبادل الاتهام، ونلاحظ ان هناك تنبهًا كاملاً لدى القسم الاكبر من القيادات بضرورة ابقاء الامور عند حدودها الاعلامية، هذا امر يبشر بالخير ويؤكد بأن هناك اجماعًا لبنانيًا على تجنب العودة الى الحرب، على الرغم منالاصرار على المضي في التوتر، لكن هذا وحده لا يكفي لانني اعتقد بان هناك قوى خارجية، تريد لهذه المنطقة باسرها ان تكون ساحة فوضى ودمار واتمنى ان يتمكن اللبنانيون من الافلات من هذه المخططات لان اللبنانيين اليوم اقوى في وجه هذه المخططات.

اما ما الذي يجب ان يقوم به القياديون لتجنب هذه الحرب مجددًا، يقول بشور:quot;يجب تبريد الرؤوس الحامية، وتهدئة الخطاب السياسي وابقاء الجسور مفتوحة للحوار، لانه قادر على منع الانزلاقات، وذلك يمنع خروج الامور عن السيطرة.

حزب الكتائب
مستشار الرئيس الاعلى لحزب الكتائب جوزف ابو خليل وفي كتابهquot; قصة الموارنة في الحربquot; يعتبر ان quot; حادث عين الرمانة كان هو الذريعة والفرصة المتاحة التي اشعلت النار في عين الرمانة، لكي يمتد لهيبها لاحقًا الى كل لبنان، ذلك ان محاولة التخلص من مقاومة حزب الكتائب لم تنجح، كما لم تنجح ايضًا محاولة quot; عزلهquot; عن الاوساط المسيحية، والمقاومة التي بدأت كتائبية في مرحلة اولى استحالت quot; مقاومة مسيحيةquot; شاملة المسيحيين عمومًا وكل المناطق المسيحية تقريبًا في مرحلة لاحقة، وخصوصًا بعدما تيسر لحزب الكتائب نفسه ان يربح الجولة الاولى نسبيًا، فقويت ثقته في قدرته على الصمود والمواجهة، وقويت ايضًا ثقة المسيحيين فيه وفي هذه القدرة، ولم تكن هذه الثقة، قبل الجولة الاولى، مؤمنة.

وفي مكان آخر من كتابه يقول: quot;ثمة فصل من فصول المأساة اللبنانية لا يزال حتى الآن غامضًا، بل مجهولاً، ومجهولة وقائعه والحقائق.

فلا الذي كُتب عنه صحيحًا، ولا الذين يعرفون حقائقه والادوار التي تمثلت فيه يكشفون عن هذه الحقائق او يدلون الى الادوار وأبطالها، حتى ليصح القول ان معظم ما كتب وقيل في هذا المجال كان من صنع الخيال، اما للاثارة والتشويق واما للدس والافتراء، والمطلعون لا يفصحون ولا يوضحون، فالحرص على ابقاء هذا الفصل من مأساة لبنان سرًا من الاسرار التي لا يكشف عنها، عادة، الا بعدما تصبح اشبه بجثث محنطة أفسح في المجال لاستنباط اغرب القصص والرويات، ويمضي في القول:quot; صحيح ان الحرب اللبنانية مليئة بالاسرار، انها مثل كل الحروب التي لا تعرف حقائقها كاملة الا بعد سنوات، وقد لعبت فيها ما يسمى quot; الدبلوماسية السريةquot; ما تلعبه، عادة، في كل الحروب، فتخللتها مثل كل الحروب، اتصالات بين المتحاربين انفسهم، بين الاعداء، اما مباشرة واما عبر الوسطاء والمحايدين.