نجلاء عبد ربه من غزة: لم تتكفل الأيام والسنين بحسب المواطن quot;عزمي محمد أبو خماشquot;، بنسيان الأب الذي غاب منذ أن إجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلية قطاع غزة في العام 1956م، وإضطر الثوار أن يتركوا أماكنهم التي تواجدوا فيها من شدة القصف الهمجي.. بينما إختفى العشرات منهم إلى يومنا هذا، تاركين ورائهم حسرة الوالدين والزوجة والأبناء.

ويبدو أن دموع الشاب عزمي، قد تبددت واندثرت، في ظل البحث المتواصل عن والده الذي لم يره بالمطلق، وهو ما يؤكده، عندما قال لـ إيلاف quot;إن والدي إختفى عن مدينة رفح جنوب قطاع غزة عندما كنت في بطن أمي، ودبت قوات الاحتلال الإسرائيلية الرعب والخوف والدمار في شوارع غزة، ولم تترك الشجر والإنسان البسيط أن يعيش حياته كما خلق الله في كل مكانquot;، متهمها بجريمة تفريق أسرته بالكامل، سيما وأن والدته تركته وحيدا بحسب رغبه أهلها عندما جاؤوا من المغرب quot;مسقط رأسهاquot; وإصطحبوها معهم في ظل تأزم الوضع وغياب زوجها لأكثر من تسعة أعوام عنها لتعود لبلدها، وأصبحت أنا يقول عزمي quot;وحيدا بلا أب وأم بعد أن أصبح عمري ثمانية أعوام، غير جدتي العجوز التي كانت تبكي صباح مساء على غياب والدي quot;محمدquot;، ولم تترك مكانا إلا وذهبت إليه لتبحث عن فلذة كبدها، قبل أن يدركها المرض ويخطفها الموتquot;.

ويستدرك عزمي قائلاً، quot;لم اترك مكانا في قطاع غزة أو في جمهورية مصر العربية إلا وذهبت إليه لعلي أستطيع أن أتتبع أثره، أو أجد عجوزا في عمره يحدثني عن والدي كيف كان أيام الثورة وبين الثوار العرب والفلسطينيين، ولم أجد من يهديني لطريقي وحلمي الذي حلمت به يوم أن ترعرعت وأدركت أن والدي ذهب أو غادر المكان إلى غير مكان، مضيفا، quot;عندما جاءت قوات الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو أكد لي احد القادمين أن والدي موجود بين القوات، وحينها تغيرت أحوالي وعشت أصعب لحظاتي وأنا أترقب موعد الباص الذي سيقل والدي، وحينما وصل الباص ونزل من فيه، وإذ برجل على شاكلة والدي التي رسمتها لي أمي وجدتي آنذاك، تشبه إلى حد ما صورة والدي، إلا أن هذا الرجل تبين أنه إبن عم والدي وقد غادر قطاع غزة منذ عام 1948م، وعاد إليها من جديد تحت اسم مستعار.

ويضيف عزمي لـ إيلاف، quot;لقد رسمت صورة لوالدي وصرت أحدث أولادي يوميا عنه وعن بطولاته ضد فوات الاحتلال الإسرائيلية، وأشبعت فيهم حب الجد والأرض والجهاد ضد الغاصب والمحتلquot;.

وينهي عزمي قصته بحسرة عندما قابل والدته بعد عشرين عام في الأردن وهي متزوجة وأولادها بجانبها، موضحاً أنها لم تعرفه مطلقاً أخبرتها بعد أن اندفعت لحضنها الدافئ أنني أول فلذات أكبادها، ووسط الدموع الحارقة، كانت لحظات الحنين للماضي.. الأسرة التي شتتها الاحتلال الإسرائيلي من بين عشرات بل مئات آلاف الأسر الفلسطينية.

ويرى المصور الفلسطيني الشهير يعقوب أبو غلوة أن تلك القصص يجب أن توثق في السجلات الفلسطينية المختلفة، بما فيها إنتاج أفلاماً تحكي الواقع المرير الذي تعيشه عشرات الأسر الفلسطينية المماثلة.

ويقول المصور الذي يعمل لوكالة اسيوشيتدبرس أن التراجيديا الفلسطينية وصلت إلى أبعد من هذه المأساة، quot;فالفلسطيني توقع الموت المفاجئ وليس الحياة العاديةquot;. وأوضح من الصعب التكهن أي من الصور سترمز أكثر إلى تلك الحقبة الكالحة السواد من تاريخ العرب بعد الحرب العالمية الثانية، هل هي صور الطفلين محمد الدرة وإيمان حجو، أم الطفلة الفلسطينية التي حملت شقيقها البالغ من العمر ستة أشهر من تحت الركام وأخذت تركض به في ممرات المستشفى بغزة وقد غطى التراب والدماء وجهها ووجه الملائكي وهو يصرخ بين يديها من شدة الألم.

وأضاف أبو غلوة إن تاريخ الفلسطيني الماضي يتصل بحاضره، لكن الصورة الحاضرة قد تكون وأبشع وأكثر سوادا، فاللاجئ الذي لا يعرف إلا أن يدافع عن شرفه وعن وطنه دون أن تذكره المحافل، وهو ذاته أصبح مادة للشعراء يتغنون بها.

قد تكون قصة تلك الأسرة بكاء تأخر قليلاً أو نحيب ليس هذا أوانه، غير أننا في زمن عربي موجع مهيأ في كل وقت للبكاء على ارض تحتل..نعي ورثاء متأخر محمد أبو خماش، ومحاولة يائسة لرثاء أولئك الذين لم يتمكن احد من أن يرثيهم