اليمين الفرنسي متخوف من ازدياد أعداد المسلمين الجدد

عشرات الفرنسيين يتحولون للإسلام يومياً

أنيسة مخالدي من باريس: بعد أن تسبّبت موجات الهجرة المختلفة للقارة الأوروبية في تغير ملامح النسيج البشري والعرقي لهذه القارة، جاء دور المعتقدات الدينية لتعرف هي الأخرى نصيبها من التحولات. هو ما يحدث في فرنسا إحدى أهم دول أوروبا كثافة (60 مليون نسمة) حيث أصبح الإسلام في ظرف عقدين من الزمن ثاني ديانة في هذا البلد، و هو الآن الأكثر سرعة في الانتشار، حتى أضحت ظاهرة اعتناق الفرنسيين للإسلام لافتة للانتباه : 3600 حالة مسجلة سنويا بمعدل عشرات الحالات يومياً وأكثر من 60 ألف خلال العشرية الأخيرة. هي ليست تخمينات تقريبية بل الأرقام الرسمية التي قدمها مسؤول مكتب الأديان في وزارة الداخلية السيد ''ديديي ليشي'' في تقريره حول '' نمو الإسلام في فرنسا'' بناء على مصادر الجمعيات الإسلامية و المساجد التي توثق هذه الحالات، علما أن التقرير لا يتحدث عن شباب الجيل الثاني من المهاجرين الذي يعيش هو الآخر صحوة دينية جديدة في سياق رحلة بحثه عن الهوية، بل يخّص بالذكر الفرنسيين ''المتأصلين''.


الصحافة اهتمت هي الأخرى بالموضوع وكتبت مجلات وصحف كثيرة كquot;كلوموند، لا كرْوا، أكتواليتي غولجيوز، لكسبرس..quot; ملفات و مقالات طويلة حول هذه الظاهرة، محاولة الإجابة على السؤال التالي: ما الذي يجعل هؤلاء الفرنسيين يتجهون للإسلام ؟. مجلة ''اكتواليتي غولوجيوز'' التي تناولت الموضوع بإطناب خلُصت إلى أن تطور الإسلام في فرنسا مرّ بمراحل كثيرة منذ حملة بونابرت لمصر و أشهر قادتها حاكم مصر الجنرال ''منو'' خليفة ''كليبر'' الذي اعتنق الإسلام في مصر فاتحا الباب أمام عدد كبير من الجنود و الضباط الذين خدموا في المشرق و شمال إفريقيا. إلى المستشرقين الذين انكّبوا على دراسة و ترجمة نصوص المفكرين والفلاسفة المسلمين أمثال الفيلسوف و الكاتب المختّص في الأديان: ''روني غنون'' الذي درس الصوفية واعتنق الإسلام في مصر مقيماً فيها ثلاثين سنة، تحت اسم '' عبد الوحيد يحي'' حتى وفاته سنة 1951. لكنها ركزت بحثها أكثر حول تلك الأجيال الجديدة التي تضم رجالا و نساء من جميع الأطياف المهنية و الاجتماعية، مضيفةً أن ظاهرة اعتناق هؤلاء للإسلام تدخل ضمن موجة جديدة من ''العودة للروحانيات'' تشهدها المجتمعات الغربية منذ فترة، وهي تعّبر عن حاجتهم إلى مزيد من الالتزام الديني و العودة إلى الانضباط: الخصال التي يرون أنها اختفت في المجتمعات المسيحية التي لم تعد وفّية لقيمها الدينية.

الصوفية: أولى بوابات الدخول للإسلام
الأسباب والظروف تختلف حسب مسؤول مكتب الأديان في وزارة الداخلية الفرنسية، فهناك الجيل الأول من المعتنقين و أغلبهم من المثقفين و المتعلمين الذين دخلوا الإسلام في السنوات الثمانين عبر بوابة الصوفية في أغلب الأحيان بعد رحلة بحث روحية طويلة، بعيدا من أي تأثيرات أيديولوجية أو سياسية.''يونس'' أو إريك جوفروا الباحث في جامعة مارك بلوش في مدينة ستراسبورغ يعرف جيداً هذه الظاهرة بما انه نفسه اعتنق الإسلام سنة 1984بعد أن بحث طويلا عن طريق الهداية في الكاثوليكية، البوذية، و المسيحية الارثودكية إلا أن وجدها أخيراً في الإسلام، يقول الباحث : ''منذ 15 سنة مضت كان معظم الذين يعتنقون الإسلام يفعلون ذالك بدافع حاجة روحانية كما حدث بالنسبة لي، لكن الجديد الآن هو انتشار الإسلام بين أوساط الشباب في الضواحي و المدن التي تعرف احتكاك المسلمين بالأوروبيين و المهاجرين من كل الأجناس، بطريقة سريعة، أكثر بساطة و سهولة من ذي قبل، و إن كان معظم هؤلاء يعيش ديانته بسلام، إلا أنه يحدث أن تقع قلة قليلة منهم في شباك الأصولية''.

شباب الضواحي الأقرب إلى الإسلام
اقتراب الجيل الجديد من هذه الديانة يبدو بفعل احتكاكه و اختلاطه بالمسلمين. فمعظم هؤلاء الذين اعتنقوا الإسلام في العشرية الأخيرة نشأوا في تلك الضواحي التي يقطنها منذ السنوات السبعين عدد كبير من المهاجرين المغاربة و الأفارقة و التي تعرف وجود المساجد و المدارس و المرافق الثقافية و الرياضية التي يكثر فيها احتكاك الفرنسيين بالأجانب. معظمهم أيضا ممن يشاطر المهاجرين ظروفهم المعيشية الصعبة: بطالة، فقر، انحراف، تفكك أسري و لهذا فغالبا ما تأتي خطوة اعتناقهم للإسلام هي أيضا للتعبير عن رفضهم لنموذج المجتمع الغربي بكل ما يحمله من نزعة فردية و تبجيل للماديات، و أملهم في مجتمع أكثر عدالة و إنصاف. يقول برونو أو '' عبد الحق'' غيدردوني: فيزيائي ذرة في الخمسينات، اعتنق الإسلام منذ 20 سنة: ''الدافع في هذه الحالة يكون أكثر إيديولوجية، كمن ينخرط في حزب سياسي أملاً في تحسين ظروفه المعيشية، وكانت أوروبا قد عرفت مثل هذه الظاهرة في السنوات السبعين حين كان الشباب يتجه إلى تبّنى أفكار ماركسية شيوعية و يتخذ من شيكفارا مثله الأعلى''.


كمال قبطان عميد مسجد مدينة ليون يرى أن هناك قسما أخر من المعتنقين الذين لا يبادرون بالدخول في الإسلام إلا إرضاء للأهل وليس عن اقتناع حقيقي. تحديداً في ما يخّص زواج المسيحيين من المسلمات وعادة ما يكون هؤلاء غير ملتزمين بتطبيق شعائر الإسلام ويحدث أن يتخلوا عن الإسلام بمجرد أن ينفصلوا عن الزوج أو الزوجة. الملف الذي أعدّه الصحافي المختص في الأديان هنري فريسكي لصحيفة ''لومند'' يقول إن النساء يشكلن غالبية الوافدين الجدد في الإسلام: بنسبة% 55، معظمهن بعد الزواج مع مسلم. على أن جزء منهن يكتشف الإسلام أيضاً في سن مبكرة: ما بعد المراهقة أو في المرحلة الجامعية مع أصدقاء أو زملاء دراسة مسلمين. تقول ''ماري'' التي تربت في منزل والدين شيوعيين والتي جلست تنتظر إمام مسجد ليون ليسلمها شهادة ''اعتناق الإسلام'' اللازمة لأداء مناسك العمرة:'' تعودت أن أسمع منذ صغري بأن الإسلام ضد المرأة، لكن ما وجدته مختلف تماماً، فهو الدين الذي يحترم المرأة أكثر'' ثم تضيف هذه الشقراء ذات الوجه الممتلئ: '' تقول المجتمعات الغربية إنها تعتمد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة بينما الحقيقة هي أن المرأة في هذه المجتمعات ليست سوى أداة تسلية لا تستّغل إلا لخدمة شهوات الرجل ''.


الإسلام في فرنسا وجد طريقه أيضا بين المشاهير من الفن و الرياضة و الفكر. عقود من التكتّم و الغموض صاحبت كثيرا من القصص، كخبر إسلام ''نابليون بونابرت'' الذي يصّر بعض الباحثين على جديتّه، مقدمين وثائق تاريخية كتبها هو نفسه و هو في منفاه في جزيرة ''سانت هيلين'' سنة 1799 أين يتحدث عن الإسلام و يقول إنه '' الدين الحقّ''. أقرب زمناً وأكثر يقيناً، أخبار الأسماء اللامعة المعروفة التي أشهرت إسلامها في مجال الفكر كالفيلسوف روجي غارودي، الكاتب ميشال شودكيفتس، في مجال الفن: مصمّم الرقصات الكبير موريس بيجار وكثير من نجوم موسيقى ''الرّاب'' الذين نشأوا هم أنفسهم في أوساط شعبية ويعتبر الشباب الفرنسي نجاحهم تكريسا ''للحلم الأميركي'' كالمغني ''عبد المليك''، المغنية الشابة ديامس، أو ''أخناتون'' مغني فرقة I.A.M، على أن ظاهرة اعتناق نجوم كرة القدم للإسلام تبقى الأكثر لفتًا للانتباه: فرانك ريبيري، نيكولا أنلكلا، إريك ابيدال، سيدريك سابان وأخرين، و هي الظاهرة التي أثارت غضب أحزاب اليمين المتطرف التي هالها أن ترى أن نصف المنتخب قد أصبح مسلما.

مشاكل ما بعد الاعتناق
بعد إسلامهم يواجه الشباب الفرنسي المسلم عدة مشاكل أهمها تغير نظرة المجتمع إليهم و معاناتهم من الأحكام المسبقة.على رأس هذه الهواجس خوف المجتمع من وقوع هؤلاء في شباك التطرف. وهي الشكوك التي جاءت تؤكدها مصالح المخابرات الفرنسية التي راحت تهتم بالموضوع، تحديدًا بعد أحداث لندن 2005، و بعد تفجير مواطنة بلجيكية لنفسها في العراق في 2006. حيث قامت مصالح المخابرات R.G برفع تقرير للرئيس سركوزي تفيد نتائجه بعد تحقيق حول 1610 شبان فرنسيين اعتنقوا الإسلام بأن %37 منهم ذوو سوابق عدلية أو لهم علاقات مباشرة و قوية مع شبكات متطرفة. أما الابتعاد و التنكر للأهل فهو الهاجس الأخر الذي يؤرق الكثير من أهالي هؤلاء الشباب. كريستوف 25 سنة ممرض و أخته صابرينا 18 سنة طالبة من ضاحية غريني جنوب باريس، اعتنقا الإسلام و هما تلميذان. يتذكر كريستوف نظرات القلق في عيني أمه و هي تلاحظ في كل مرة أن ولديها لم يأكلا شيئاً من وجبات لحم الخنزير التي أعدتها لهما، أما أخته صابرينا فهي تقول إن والدتها بكت كثيراً حين علمت بأمر إسلامهما وكانت ترّدد للجميع أنها فقدت ولديها للأبد، لكنها هدأت بعد فترة حين أيقنت أنهما لم يتغيرا و أن لا شيء تغير في علاقتهما معها. أما جان مارك سوامي صحافي ومنشط معروف في قناة فرانس 3، فيقول انه على الرغم من أصوله الأمازيغية الجزائرية إلا أنه لم يكن يوما يتوقع أن يعتنق ابنه ''مكاييل'' ذات 17 سنة الإسلام وهو في هذه السّن المبكرة، خاصة و انه لم يعط لأبنائه أي تربية دينية، و أول مشكلة واجهته بعد إسلام ابنه كانت انطواء هذا الأخير على نفسه، و ابتعاده عن الأسرة بشكل كبير، لكن الأمور صارت الآن على ما يرام بعد أن قرر الوالدان مساندة الابن في خطوته و تركه يمارس ديانته الجديدة بحرية دون ضغط، مما ساهم في رجوع الثقة بين الطرفين، حتى أن ''دومنيك'' الأم الفرنسية المسيحية هي من كان يعّد له إفطار رمضان، كما أن هذا الموضوع قرّب ''مكاييل'' من والده حيث قام الاثنان مؤخراً برحلة إلى منطقة بجاية في الجزائر للتعرف إلى الموطن الأصلي للصحافي جان مارك سوامي.


دورات تعليمية للمسلمين الجدد لمرافقتهم في مسعاهم و تفاديًا لحدوث أية مشاكل ناتجة من الجهل بأمور الدين: تقوم مصالح بعض المساجد و الجمعيات الإسلامية بتنظيم دورات خاصة بالمسلمين الجدد: مسجد باريس مثلاًَ ينظم دروسا خاصة للتعريف بمبادئ الإسلام، تختم بامتحان معرفة قبل أن يسّلم للمسلمين الجدد '' شهادة اعتناق'' و هي وثيقة أساسية في حالة زواج، أو وفاة أو لتأدية مناسك الحج و العمرة. من جهته يقوم مجلس أئمة مدينة مرسيليا بتنظيم دورة تكوين كل 15 يوماً، يقول إمام مسجد الإصلاح في مرسيليا السيد عز الدين عينوش:'' بأنها تتوجه للداخلين في الإسلام حديثاً أومن ينوون ذلك، حيث يقترح عليهم متابعة 3 أو4 دورات على الأقل لأن أغلب هؤلاء الشباب يجهل الكثير ليس عن الإسلام فقط و لكن أيضا عن ديانته الأصلية ''. أما موقع مسجد ليون على الشبكة، فهو يضم في منتداه قسما يسمى '' موقع المعتنقين'' Le coin des convertis لكل من يرغب في نقل تجربته مع الإسلام، طرح أسئلة، تبادل معلومات، أو معرفة أمثل طريقة لتطبيق شعائره. المبادرات تبقى حسب الباحث ''يونس'' او إريك جوفرو ''ناقصة و التكوين اللازم لاستقبال المسلمين الجدد غائب تماما''. الشباب المعني من جهته يحاول تعويض هذا النقص بمصاحبة المسلمين أكثر والاحتكاك بهم للتعلم عنهم، منهم من يتـّبرع بدروس لتعليم الفرنسية للمهاجرين في المساجد، أو يساهم بنشاطات خيرية ومنهم من يقبل على دراسة اللّغة العربية في فرنسا أو إحدى الدول العربية و خاصة مصر أو سوريا.