لم تعد حدثاً ماثلاً وبيروت استعادتها بمحاضرة لا غير
ذكرى quot;النكسةquot; باردة في ظل حوادث ساخنة

شادي علاء الدين من بيروت: مرت ذكرى النكسة ال41 غير مرئية في بيروت باستثناء محاضرة يتيمة استضافها quot; النادي الثقافي للبنان الجنوبيquot; وتناولت تداعيات حرب الأيام الستة واثرها في تكوين الواقع السياسي العربي منذ ذلك الوقت. وشارك فيها رئيس تحرير جريدة quot; السفير quot; اللبنانية طلال سلمان والباحث الفلسطيني حسين أبو النمل. يسرد طلال سلمان جملة وقائع تتعلق بكيفية تركيب مصطلح quot; النكسة quot; كصيغة تخفيفية ترفض الوقوع في وضعية الشمولية التي يرمز إليها مصطلح الهزيمة. ويروي أن مجلة quot; الحرية quot; التي كانت لسان حال القوميين العرب في تلك المرحلة قررت رفض الهزيمة جملة وتفصيلا وكان نداء عبد الناصر الشهير quot;إرفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الذل والإستبدادquot; هو الشكل المؤسس للبنيان العاطفي والسياسي الذي دفع بالكثير من المثقفين للإقناع بأن ما حدث كان مجرد نكسة يمكن تجاوزها والتخلص من آثارها بعد أن سادت هواية جلد الذات وسيطرت على الأجواء الثقافية قراءة وتحليلا وسياسة وفنا وشعرا.
رفعت quot;الحريةquot; شعارا مستفزا يقولquot; كلا لم يخطئ عبد الناصر ولم يهزم العرب بل هي مواجهة مفتوحة مع إسرائيل والإدارة الأميركية.quot; ويرى سلمان ان التاريخ الفعلي للهزيمة هو في توقيع الصلح المنفرد مع إسرائيل في 17أيلول سبتمبر 1978 وصولا إلى توقيع المعاهدة المصرية الإسرائيلية في 26 آذار/ مارس 1979 وهكذا خرجت مصر من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي بشكل قانوني . وهو يصر على عرض تقابل بين صورتين الأولى تكونت في اللحظة التي تم فيها إعلان وفاة جمال عبد الناصر، فقد رفض الناس على مختلف طبقاتهم وانتماءاتهم تصديق هذا الخبر ثم انفجرت كل البلاد العربية حزنا طاول كل شيء ولذلك يستنتج سلمان أن الذي رحل لم يكن في أي شكل بطل الهزائم.
الصورة الثانية هي صورة مجموعة من الجنود يقفزون من شاحناتهم العسكرية إبان العرض العسكري الذي كانوا مشاركين فيه ويتوجهون نحو المنصة الرئيسة ويطلقون النار على الرئيس أنور السادات الذي يعتبرونه المسؤول الأول عن الهزيمة ولا يتوقفون عن إطلاق النار حتى تنفد خزانات أسلحتهم . ويخلص سلمان إلى نتيجة تقول إن قراءة النكسة وتداعياتها تكون بتبيان الفارق بين هاتين الصورتين.
لكن الأسباب التي أدت إلى حدوث نكبة 1948 هي نفسها التي سمحت للتاريخ بأن يتكرر في 1976 برأي الدكتور حسين أبو النمل . والمفارقة التي تجدر الإشارة إليها كما ينبه، هي أن التاريخ قد تكرر كمأساة في الحالتين ولم يتحول ملهاة في المرة الثانية .
لعل المشكلة الأبرز هي في غياب القراءة الواعية للوضع الإسرائيلي وإنشاء صورة متخيلة له تضعه دوما كأنه على شفير الهاوية والإنهيار في حين أنه مجتمع يمارس تلك الإزدواجية التي قامت على اساسها الدول الإستعمارية الكبرى كبريطانية وغيرها والتي تفصل بين شكل النظام الديمقراطي في الداخل وبين شكل إدارة الطموحات الإستعمارية في الخارج. وهكذا يكون النظام دائما منتجا لآليات حماية نفسه لأن الشعب هو مصدر السلطات وتكون مصالحه دائما مرعية سواء في الداخل أو من خلال الغزو الخارجي . وهكذا يستطيع القضاء أن يكون سلطة لا سلطة فوقها وقد استطاع هذا القضاء محاكمة رابين وسجن ابن شارون كما كان قبلا قد عاقب رئيس الدولة عيزر فايتسمان وكذلك موشي كاتساف بسبب فضائح مالية وجنسية.
إذا الفكرة التي تقول بقرب انهيار المجتمع الإسرائيلي بسبب الفساد هي فكرة ساقطة ولذلك يمكن قراءة الأزمة التي سببت نكسة حزيران على انها أساسا تعود إلى نقص في الوعي الفعلي لطبيعة المجتمع الإسرائيلي وإمكانياته والتي تمثل الإيديولوجيا أبرز تجلياتها فالمجتمع الإسرائيلي كان حين خاض الحرب في 1967 مجتمعا متوسط النمو ويمكن مقارنة حالته بحال المجتمع اللبناني في تلك الفترة ولكنه كان دائما معززا بالإيديولوجيا وبتعدد الهيئات الناظمة للحياة السياسية في البلاد على قاعدة فصل السلطات، فإسرائيل تعرف عن نفسها بموجب قانونها الذي هو عبارة عن قانون موقت للدولة على انها دولة يهودية وديمقراطية.
لذا كانت النتيجة المباشرة لحرب1967 هي التوسع السريع للمجتمع الإسرائيلي نحو تحقيق طفرة نمو ضخمة تدفقت على إثرها الرساميل الأميركية واليهودية والأوروبية فبعد أن كان الناتج المحلي الإسرائيلي لا يتجاوز ال10 مليارات دولار إذا به يقفز الآن إلى 150مليار دولار أي أنه تضاعف 15مرة.
يخلص الدكتور أبو النمل إلى أنه لا بد إذا من امرين لمواجهة تحديات الصراع العربي- الإسرائيلي وهما يتعلقان بتكوين نظرة واقعية تنظر إلى المجتمع الأسرائيلي من الداخل والعمل على تصميم شبكة تحديث شاملة .وربما يكون مثال حرب 2006 في لبنان والتي كان معظم المشاركين فيها ما لم يكن كلهم من الجامعيين والخريجين مثالا على ان النجاح العسكري لا يمكن تحقيقه إلا بواسطة التحديث وتطوير الكفاءات والتخلص من الأوهام والركون النهائي إلى الوقائع والتجارب الواضحة والحية.
ربما تكون نكسة حزيران لحظة سمحت بتكوين مشهد سياسي لا يزال يلقي بظلاله حتى لحظتنا الراهنة ولكنه بالتأكيد فقد الكثير من حضوره وتعرضت الكثير من القراءات السابقة له للنسف فلم تعد المسألة الآن مسألة هزيمة عسكرية معينة، بل المطروح الآن هو أسئلة تتعلق بشكل المقاومة وكيف تتحول من وسيلة لرد العدوان الخارجي إلى وسيلة لرهن البلاد والسيطرة على السلطة فيها بشكل مطلق، وخاصة أن معظم التيارات التي تتبنى المقاومة كشعار هي تيارات سلفية تمارس علاقة مع التكنولوجيا المتطورة دون الحداثة والتحديث لذلك فإن الأزمة تبقى مفتوحة وتبدو حلولها صعبة ما لم نكن مستحيلة.
هكذا لم تكن النكسة درسا بل مجرد ذكرى تستعاد بحنين غنائي فهي ليست حدثا نشعر بأن هناك استقبالاً له في المدينة العربية. ففي بيروت لم تمر هذه الذكرى إلا على هامش الأحداث فلم نشاهد ملصقات ولا دعايات . هناك علاقة خجولة بالنكسة لان الواقع المأزوم الآن يطرح أسئلة ربما تكون أكبر من أسئلة النكسة.
وتعلق يمنى فواز وهي طالبة حقوق على هذا الموضوع quot;ليست النكسة بالنسبة لي إلا موضوعا للذاكرة، فما نعيشه الآن اصعب وأكثر تعقيدا لكن يمكن القول إننا quot;نكساويونquot;، فقد كانت تلك اللحظة نقطة انطلاق تطورت وأدت إلى تصنيع احوالنا الحاليةquot;.
العديد من المواطنين الذين حاولنا سؤالهم عن علاقتهم في حاضر اللحظة مع موضوع النكسة اجابوا إجابة مفيدة quot;شو نكسة ما نكسة حل عنا يا إبني يرضى عليكquot;
النكسة ذكرى باردة تعبر في ظل حوادث ساخنة .