متنزه الزوراء في بغداد..صورة عن قرب
انها باب من ابواب الحب وتجدد الحياة العراقية

عبد الجبار العتابي من بغداد: بالمصادفة.. حيث كنت على الطريق الى وزارة الشباب والرياضة التي تقع في اعالي حديقة الزوراء، دخلتها وكان كل ما يشغلني ان اصل الى الوزارة بأسرع وقت واتجاوز شيئا من حرارة الجو التي بدأت تسخن اكثر حيث كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة صباحا، فلم تكن نظراتي تتركز الا على الطريق الى الوزارة، ولكن حين كنت على طريق الاياب لفتت انتباهي.. لقطة، ثم رحت أتأمل صورة كنت قريبا منها لفتاة وفتى يجلسان تحت ظل شجرة في اقتراب حميمي، هذه الالتفاتة جعلتني ادور حول نفسي ومن ثم اتوقف لأتأمل المساحات الشاسعة والمترامية الاطراف المفعمة بالاخضرار، ادهشني المنظر ورحت ابتسم له، فهناك..

تحت كل شجرة ظليلة مقعد يتسع لاثنين ومنضدة، وما اكثر الاشجار وهي تنتشر على مساحات واسعة من حديقة الزوراء، ثمة ابتسامة راحت تركب فوق شفاهي وفضول يدفعني الى ان اتوغل اكثر واكثر لأعاين عن قرب ما أرى، نظرت الى الساعة كانت تشير الى الحادية عشرة والربع صباحا، والحرارة كانت تزداد سخونة في صيف عراقي معروف، لكن الباب الرئيس للحديقة الذي وقفت بالقرب منه وجدته يشهد مرور العشرات من الشباب والشابات منه على الاغلب، الكل ينطلق في شارع عام داخل الحديقة ومن ثم يتوزع على الاماكن التي يشاء، كنت اشاهد منظرا جميلا، وكأنني اسمع وأرى لغة الحب وهي تتطاير كالعصافير من تحت الاشجار الى اعلاها، الامكنة مفعمة بالحركة، وفضولي يدفعني الى ان اتقدم نحو مساحات اخرى وان لم اكن ارغب في أن (اراقب الناس) أو اتلصص عليهم، ومع كل خطوة كنت اسمع نفسي وهي تقول لي: (استح.. ) لكن فضولي يقول لي: (امض.. ما عليك بها)، وأطعت فضولي، ومشيت في الشارع اتطلع الى جانبيه، الى الناس وهم في حركة دائبة فيه وانعطافاتهم نحو الاماكن الظليلة، كان (كل الاحبة اثنين.. اثنين)، في جلوسهم وتجوالهم، كنت استمتع بالمنظر العام، واستذكر ما كانت عليه الزوراء قبل هذا الوقت حيث كانت مقفرة او الدخول اليها مربكا، ليست كما هي الان حيث الدخول بحرية وبهذه الاعداد الكبيرة، انه شيء جميل ان يتحرر الناس من الخوف وان يعودوا الى المتنزهات العامة والحدائق، ومن الجميل ان يستعيد الشباب عافيتهم وينتبهوا الى عالم الحب الجميل، وان كانت هناك ملاحظات على تلك العلاقات التي قيل انها مجرد نزوات واخلال بضوابط التقاليد والعادات وافساد ينبغي التصدي له، لا اعرف بماذا اجيب ؟، ولكنني كنت انظر الى الناس من جانب انهم بدأوا يكسرون حاجز الخوف في نفوسهم الذي بنته السنوات الماضية وجعلتهم لا يجازفون في السير في الشوارع بصحبة فتيات، انظر الى الشباب وهم يمارسون شجاعتهم في التحدي للظروف وان كانت عصيبة.

حين كنت امارس فضولي في التفرج لم اجد ما يثير الشبهات لاسيما ان المسافة بين المقاعد ليست بعيدة، وان الحدائق ليست في العمق الذي يشهد كثافة في الاشجار وما شابه ذلك والذي يسمح بالاختلاء مثلا، وكل ما شهدته في تلك الاصبوحة هو حشد من العشاق برسمون لوحات من حنين وهيام وغرام، وهذه ليست جديدة وليست صورة مستحدثة فهي مرتبطة بالناس منذ ان وعوا الحياة، قال لي عابر مني حين وجدني التقط بعض الصور : الزوراء صارت احلى، امانة بغداد اهتمت بها كثيرا، وما شاء الله اصبحت ملاذا للشباب الذي لا يجدون ملاذا بعد ان اغلقت الكازينوهات العامة ابوابها ولم يعد هنالك من مكان يلتقي فيه الشباب.

واصلت إشباع فضولي، واختلست النظر والتقطت بعض الصور من بعيد وقريب، كانت العيون تتطلع الي بدون استغراب او خشية او ريب والسبب هو الكاميرا التي بين يدي والتي اشهرها كلما رأيت ما اثارني، ولم يعترض احد، وتجرأت ان اسأل احدهم فقال : لامكان لدينا سوى الزوراء التي فتحت ابوابها لنا وحدائقها الجميلة بهذا الترتيب الجميل، صحيح انني سمعت عن بعض المضايقات من بعض العاملين الامنيين في الحديقة ولكنني لم اتعرض لذلك، ويبدو ان البعض يتجاوز حدوده وهذا ما يجعل الاخرين يتدخلون !!!، وحين سألته عن علاقته بالفتاة التي معه قال : علاقة حب حقيقية وليست كاذبة، ونضطر الى المجيء الى الزوراء لعدم وجود امكنة اخرى، ولا يمكن ان يكون الهاتف هو الرسول الوحيد بيننا.

رحت اتجول في الحديقة الكبيرة ذات الاشجار الكثيرة الكثيفة، لا اريد ان اصف جمال المكان لانه لايعنيني فيما اتحدث عنه، ولكنني اريد ان اصف جمال الناس وقدرتهم على تجاوز حالة الخوف، وما اكثر انواعه، والوصول الى حالة التصرف بشكل عفوي والانسجام للتنفيس عن حالة الكبت التي ضربت اعماقهم خلال السنوات الماضية بسبب العنف واشياء اخرى كان الخوف يتقاسم ساعات يومهم، اردت ان اقول ان حديقة الزوراء التي كانت مغلقة ولايسمع فيها سوى حفيف الاشجار وعويلها، استعادت حياتها، وان الشباب العراقي فتحوا للحياة بابا من خلال زيارتهم للزوراء، انهم بدأوا يشمون روائح الورد بدل رائحة البارود والدخان، يعتنون بقلوبهم التي كاد يأكلها الوسواس والشر وخزعبلات الطائفية، بدأوا يتجددون ويتعافون، وما الزوراء الا باب واحد من ابواب عديدة.