ورومانيا تبني مجمعا كنسيا لها في أريحا


أسامة العيسة من أريحا: في شارع عين السلطان أحد أهم شوارع مدينة أريحا، توجد لافتة مثبتة على بوابة ارض متسعة مسورة، كتب عليها quot;ملك حكومة روسياquot; باللغات الروسية، والعربية، والإنجليزية. وتضم هذه الأرض معالم كنسية هامة مثل شجرة زكا العشار، التي يقصدها المؤمنون المسيحيون للزيارة.
وتشكل هذه الأرض جزء بسيطا من أملاك روسيا في فلسطين التاريخية تصل إلى 3% من مساحة فلسطين، فقد الروس الكثير منها بسبب الأحداث السياسية التي تعصف بفلسطين منذ اكثر من قرن، من بينها ما استولى عليه الانتداب البريطاني وورثه الاحتلال الإسرائيلي مثل منطقة المسكوبية في غرب مدينة القدس.
وخلال فترة الحرب الباردة، ووقوف الاتحاد السوفيتي السابق، وفي القلب منه روسيا، إلى الجانب الفلسطيني-العربي في الصراع ضد إسرائيل وأميركا، فقد الروس الكثير من أراضيهم في فلسطين، ولكنهم لم ينسوها أبدا، ومنذ سنوات يعمل الروس بداب وهدوء لدى الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية لاستعادة هذه الأراضي مستفيدين من الأجواء التي أعقبت الحرب الباردة.
وفي حين لم يحقق الروس حتى الان إنجازات هامة مع الجانب الإسرائيلي، فانهم تمكنوا من استعادة الكثير من اراضيهم وأديرتهم بمساعدة السلطة الفلسطينية.
وبدا الأمر يأخذ منحى جديا اكثر، مع الإصرار الروسي على استعادة كل أراضيهم، وخلال الأسبوع الماضي، تسلم نائب وزير الخارجية الروسي اليكساندر سلطانوف الممثل الخاص للرئيس الروسي، وثائق ملكية لاراض روسية في مدينتي أريحا وبيت لحم.
في أريحا، سلم حسن صالح رئيس بلدية المدينة سلطانوف، وثائق الملكية الرسمية لقطعة الأرض الروسية في المدينة والتي تبلغ مساحتها أحد عشر دونما وثمانمائة واحد عشر مترا بالقرب من موقع شجرة الجميزة، في الوقت الذي كان فيه الروس يعملون على تطوير الموقع وتأهيله.
ووفقا لصالح فان هذه الخطوة جاءت quot;بعد استكمال كافة الإجراءات القانونية لتجديد تثبيت الأملاك الروسية في مدينة أريحاquot;.
وفيما يشبه الفخر بالإنجاز زار سلطانوف برفقة الدكتور صائب عريقات رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، ومحافظ أريحا عريف الجعبري، و نائب رئيس الجمعية الإمبراطورية الروسية يوري كراتشوف، وممثل روسيا لدى السلطة الفلسطينية سيرجي كوزولوف
الأرض الروسية وتفقدها.
واستقبل الفلسطينيون، الذين ما زالت ذكرى الصداقة مع روسيا ماثلة في أذهانهم، سلطانوف ورفاقه بحفاوة، ورحب صالح، بأي استثمار روسي في أريحا quot;من شأنه تقوية علاقات التعاون والصداقة بين الشعبين الفلسطيني والروسيquot;، معلنا استعداد البلدية للتعاون في أي مشروع استثماري وتقديم كافة التسهيلات.
واشار صالح، بأن مدينة أريحا مقبلة على حدث كبير حيث تستعد المدينة للاحتفال بمرور عشرة الاف سنة على إنشاءها في العام 2010، وهي بحاجة إلى كثير من المشاريع معربا عن أمله أن يلقى مشروع الاحتفال هذا مشاركة روسية قوية وفاعلة.
ولم ينس الروس أن يعبروا عن تقديرهم للفتة الفلسطينية هذه، فوجهوا الدعوة لرئيس بلدية أريحا لزيارة روسيا، وسلم الدعوة لرئيس البلدية ممثل روسيا الاتحادية لدى السلطة الفلسطينية سيرجي كوزلوف ومساعده بولس راسادين، اللذين ابلغا رئيس البلدية تحيات سلطانوف وفرحه بزيارته أريحا، وتم الإعلان بأنه سيتم خلال زيارة رئيس بلدية المدينة الفلسطينية لروسيا مناقشة أمور عدة من أهمها quot;استكمال إجراءات تجديد تثبيت ملكية الأرض الروسية في أريحا بشكل نهائيquot;، وهو ان اشار الى شيء، فانه يؤشر الى الاهمية البالغة التي توليها روسيا لقضية املاكها في فلسطين.
وخلال زيارته لفلسطين، لم يضيع سلطانوف وقته في اللقاءات البروتوكولية، وفي مدينة بيت لحم، تسلم من محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الفلسطينية، وثائق ملكية ارض روسية في المدينة تابعة للجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية العريقة.
واعلن سلطانوف بان الجمعية ستبني على قطعة الأرض هذه مدرسة روسية ثانوية، مذكرا بدور الجمعية في النشاط التعليمي الثقافي في فلسطين، منذ تأسيسها عام 1882.
وبنت هذه الجمعية عشرات المدارس، والمشافي، والأديرة، والمعاهد التعليمية التي تخرج منها العديد من رموز النهضة الثقافية ليس في فلسطين فقط ولكن أيضا في بلاد الشام، امثال ميخائيل نعيمة.
ويترأس الجمعية الإمبراطورية الان سيرجي سـتيباشين، رئيس الوزراء الروسي السابق، ورئيس ديوان المحاسبة الحالي، واعلن سـتيباشين، بان نشاط الجمعية المتعاظم في فلسطين يستهدف استئناف الوجود الديني الثقافي الروسي في الأراضي المقدسة، وقال بان لدى الجمعية برامج لبناء مدارس ومراكز ثقافية روسية، والعمل على استعادة الأراضي والعقارات والأديرة والكنائس والمنشات التابعة لها في فلسطين، مما يعني عودة قوية لروسيا إلى قلب العالم العربي، وان لم تكن عودة سياسية مباشرة.
ولطالما اعتبرت روسيا، فلسطين، منطقة هامة بالنسبة لها، وجزء من افقها الاستراتيجي، ويعود الفضل للروس في تشييد أول حي خارج أسوار بلدة القدس القديمة، في القرن التاسع عشر، والذي يعرف الان باسم المسكوبية، التي تسيطر عليها إسرائيل وحولتها إلى سجن.
وتعتبر المسكوبية، مستوطنة روسية في قلب القدس كانت تضم نزلا للحجاج، ومحكمة، ودوائر أخرى بالإضافة إلى كنيسة الثالوث الأقدس المهيبة.
ومنذ سنوات يخوض الروس مفاوضات شاقة مع الإسرائيليين لاستعادة المسكوبية، واملاك أخرى تستخدمها الحكومة الإسرائيلية، ورغم انه يتم بين الوقت والآخر تسريب انباء عن قرب التوصل إلى حل بشان ذلك، إلا انه لم يحدث أي شي هام على ارض الواقع، ولكن هذا لم يثن عزيمة الروس أبدا، الذين يعتقدون بانهم يملكون الكثير من الاوراق التي من شانها لي اذرع اسرائيل.
وتبدي وسائل الإعلام الروسية اهتماما بالغا بهذا النشاط لاستعادة الأملاك الروسية في فلسطين، وصرح الأسقف مارك، المتحدث باسم بطريركية موسكو لهذه الوسائل قائلا بأن الاتفاق على إعادة بعض الأراضي التي كانت في الماضي من ملك روسيا في الشرق الأوسط قد تم التوصل إليه منذ فترة طويلة إلا أنه لم يكن من الممكن تنفيذه لأسباب محددة.
واضاف الأسقف بان quot;إسرائيل ظلت فترة طويلة من الزمن ترفض الإقرار بأننا نملك هذه الأرض ولدينا حق شرعي في تلك الأملاك غير المنقولة. وكانت الحكومة الإسرائيلية تقول إن تلك الأراضي والمباني من ممتلكات الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في الخارج. لذلك كانت عملية إعادتها للكنيسة الأرثوذكسية في روسيا تصطدم بصعوبات كبيرة في سنوات انشقاق الوحدة الكنائسية. وبعد أن أُعلن رسمياً عن تذليل حالة الانشقاق الكنائسي لا تواجه روسيا مشاكل وصعوبات في استعادة حقها في ممتلكاتها في الأرض المقدسة. وقد تم الاتفاق مؤخرا على أن تعاد إليها كاتدرائية الثالوث المقدس وبعض الأديرة والمنشآت وقطع الأرض الأخرى في المنطقةquot;.
وحديث مارك عن ما اسماه انشقاق الوحدة الكنائسية الروسية، المقصود به انقسام الكنيسة الروسية بعد ثورة أكتوبر الشيوعية، إلى ما عرف بالكنيسة الحمراء التابعة للنظام السوفيتي والكنيسة البيضاء المدعومة من الغرب.
وفي حين أن روسيا تستعيد أملاكا لها في فلسطين، فان دولا أخرى لطالما راودها حلم التسلل إلى الأراضي المقدسة تفعل ذلك الان وبقوة، ولكن دون ضجيج، مثل رومانيا، التي تبني مجمعا كنسيا ضخما في مدينة أريحا، سيصبح احد معالم هذه المدينة الفلسطينية التي تعتبر واحة في صحراء البحر الميت، اخفض منطقة في العالم.
ويضم هذا المجمع كما عاينه مراسلنا عدة كنائس، مزينة بأيقونات على الطريقة البيزنطية، بالإضافة إلى دير للراهبات الرومانيات.
وتقطن الراهبات في الدير العتيد، بينما تستمر أعمال تشييد المجمع، مع تزايد أعداد الحجيج الرومان إلى فلسطين.
وقالت إحدى الراهبات لمراسلنا وهي تقدم حلوى رومانية تقليدية quot;فلسطين تعني لنا الكثيرquot;، وبذلك تنضم رومانيا إلى صف طويل من الدول التي لها تاريخ من النفوذ في فلسطين، في حين ان تعامل الدول العربية، مع فلسطين يقتصر في معظمه على الطابع الأمني، مثل جمع المعلومات الاستخبارية، وشراء الذمم، وترسيخ حالة الانقسام الفلسطيني.