زارعو الحشيشة في البقاع على أهبة الإستعداد للمواجهة
لبنانيون يصلّون ليلاً نهاراً كي لا تهدأ الأوضاع الأمنية

إيلي الحاج من بيروت: خلافاً لبقية مواطنيهم، يصلي مزارعون لبنانيون في منطقة سهل البقاع وعلى سفوح سلسلتي الجبال الشرقية والغربية المحيطتين بالسهل شمالاً لئلا تهدأ الأوضاع الأمنية في البلاد، أقله ليس قبل شهرين، مدة فاصلة عن حلول موسم قطاف نبات القنب الهندي الممنوعة زراعته لأن منه تصنع حشيشة الكيف، الماريجوانا. وما دامت الإذاعات ونشرات الأخبار التلفزيونية تحمل أنباء مواجهات مسلحة من وقت إلى آخر وانفجارات وقلاقل أوحتى تهديدات متبادلة بين أفرقاء النزاع السياسي يستمر الأمل والتفاؤل في قلوب المزارعين بمرور quot;القطوعquot; كما يسمونه، على خير. فالتوتر يعني أن السلطات لن تتمكن وعيدها بإتلاف المزروعات الممنوعة قبل قطافها كما تفعل كل سنة تقريباً في شهر تمز/ يوليو، لأن الجيش اللبناني سيكون منشغلاً بضبط الموقف ما أمكن في المناطق ولن يكون قادراً على مواكبة قوى الأمن الداخلي التي تجرد حملة الإتلاف. أرباب زراعة الحشيشة معاقلهم لا يهابون قوى الأمن بل يطلقون عليها النار، أما الجيش فيحسبون لمواجهته بالرصاص والقذائف ألف حساب.


ويسقي زارعو القنب الهندي بدموع العين نبتاتهم التي شتلوها في آذار/ مارس وبدأت تزهر وتفرش أوراقها الدقيقة المخرمة. يهتمون بالهكتار المزروع منها مئة مرة أكثر من الهكتارات المزروعة بطاطا وبندورة وبصلاً وضاراً لا يخافون عليها من الجيش. زرعوا الحشيشة في صفوف مبعدين كل شتلة عن الأخرى نحو 30 سنتيمترا، وقد بلغت طول الواحدة منها اليوم عشرين سنتيمتراً لكنها ستكون بلغت في موسم القطاف المترين. طويلة هذه النبتة يستحيل إخفاؤها عن عيون العذّال، والأفضل في هذه الحال حمايتها. بالصلاة كما يفعل المزارعون اليوم، أو بما ملك المزارعون من سلاح خفيف ومتوسط وثقيل إذا لزم الأمر. أما إذا تدخل الجيش فلا حول ولا...


في بلدة تبعد عن مدينة بعلبك نحو 25 كيلومتراً شرح أحد المزارعين، بعدما أصرّ على عدم ذكر اسم البلدة أو اسمه إنه زرع هكتارات قليلة هنا وهنالك قنباً هندياً وإنه رب عائلة وليس ميسوراً على الإطلاق. مزارع فقير كان موظفاً وتقاعد، لا يتعاطى تصنيع المخدرات ولا شيء من هذا القبيل، السنة الماضية قطف 15 كيلوغراماً من الحشيشة وباعها ب 700 دولار للكيلو، فكان الموسم جزيلاً أعطاه أكثر بكثير من كل المزروعات الأخرى الشرعية. لم تكلفه الحشيشة مياهاً بكميات كبيرة ولا أدوية زراعية وأيد عاملة مثل البطاطا والبندورة والخيار والبصل وغيره. وعادة يهتم بالحشيشة الزارع وأفراد عائلته، لا يشغلون فيها العاملات السوريات اللواتي ينتقلن إلى البلد المجاور لبنان للعمل في قطاف المواسم.


لكن بعض الذين دأبوا في زراعة القنب الهندي سنوياً امتنعوا عن ذلك هذا العام لاعتقادهم أن الأطراف المتصارعين في لبنان قد يتوصلون إلى تسوية سياسية ثابتة قريباً تحرر الجيش من المهمات الأمنية الكثيرة والثقيلة التي يتولاها في مختلف أرجاء البلاد، فيتمكن عند ذلك من الإنصراف إلى مهمات أقل أهمية مثل حماية عملية إتلاف المزروعات الممنوعة، وثمة سبب آخر هو تضاعف أسعار المحروقات أربع مرات، ولا بد منها لمضخات المياه من أجل سقي الشتول أقله مرة كل أسبوعين. ثم أن أسعار الحشيشة انهارت السنة الماضية 2007 بسبب وفرة الإنتاج فباع المزارع الكيلو منها ب400 دولار لا غير. ويفضل كثيرون ألا يزرعوا ويواجهوا الخطر ليبيعوا بهذا الثمن البخس في نهاية المطاف.


كانت منتوجات سهل البقاع وأطرافه من الحشيش والأفيون خلال الحرب الأهلية التي امتدت من عام 1975 إلى 1990 نحو 500 مليون دولار بمعدل 80 مليوناً سنوياً بحسب أرقام الأمم المتحدة. مبلغ ضخم للمزارعين والتجار في هذه البقعة التي تشكل ربع مساحة لبنان وتضم 250 ألفاً من السكان. أفادت من زراعة الممنوعات مباشرة أو مداورة في تلك الحقبة نحو 25000 ألف عائلة، مما أتاح لقرى ومزارع فقيرة متفرقة أن تنمو وتكبر ويرتفع فيها العمران ويترابط في صفوف طويلة، وبلغ بعض العائلات مرتبة الثراء ورفاه العيش. لكن الوضع تغيّر وعادت علامات الفقر تنشر ظلالها في تلك الأنحاء تدريجاً بدءاً من عام 1994 بعدما قررت سورية التي كان جيشها يحتل لبنان التجاوب مع ضغوط وإغراءات دولية أميركية خصوصاً للمساعدة في القضاء على زراعة الحشيشة. في تلك الحقبة ألقي بكثير من البقاعيين المزارعين والتجار في السجون وصدرت مذكرات توقيف في حق أعداد كبيرة منهم تقدر بنحو 30 ألفاً. لكن السلطات السورية واللبنانية غضت الطرف لاحقاً إلى حد ما، وطوال تلك المرحلة ظل بعض النافذين المحميين يزرعون نباتات مخدرة تصنف بأنها quot;ثقيلةquot; مثل الأفيون في المرتفعات ويستحدثون مصانع لتحويلها quot;هيرويينquot; يقول العارفون في هذا المجال إنه أقل جودة بكثير من نظيره الأفغاني الذي يحتل المرتبة الأولى عالمياً برعاية حركة quot;طالبانquot;.


وكان بعض زارعي القنب الهندي يلجأون أحياناً تلك الأيام إلى رشوة ضباط الأمن السوريين كما اللبنانيين. وبعد انسحاب الجيش السوري من لبنان إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري قررت السلطات تجريد حملات متتالية للقضاء على الزراعات الممنوعة في البقاع وصودرت كمية 4 أطنان من المخدرات الجاهزة وأتلفت. فبلغ سعر الكيلو عام 2005 نحو 1200 دولار لندرته. وفي السنة التنالية 2006 أتلفت القوى الأمنية 2000 دونم مزروعة نباتات مخدرة.
وكانت أخفقت في نهاية التسعينات من القرن الماضي خطط وبرامج دولية ولبنانية لإحلال زراعات بديلة بدل الممنوعة، مثل دوار الشمس الذي يستخرج منه الزيت، بعدما أصابت شيئا من النجاح عند انطلاقتها.


ماذا عن موقف quot;حزب اللهquot; الذي يسيطر إجمالاً على المناطق التي تزرع فيها الحشيشة ؟ هل يشبه موقف quot;طالبانquot;؟
كلا، يقول الرجل الذي لا تستميله عقيدة الحزب الشيعي، فزراعة الحشيشة عند الحزب حرام وإن كان بعض أنصاره يدخنها في السر. في المبدأ لا يتدخل quot;حزب اللهquot; في هذا الأمر ولا يزعجنا. لكنه يتدارك بأن بعض نواب المنطقة في البرلمان يشكلون حركة ضاغطة غير علنية لحماية الزراعات الممنوعة والمزارعين الذين يطالبون بتشريع أوضاعم مستشهدين بسماح دول في الغرب بتدخين الماريجوانا ( هولندا) أو التسامح مع متعاطيها (إسبانيا وسويسرا وإيطاليا وبريطانيا وبعض الولايات الأميركية).


ويتحدث بعض زارعي القنب الهندي في البقاع عن استعدادات حربية يجرونها لمواجهة قوى الأمن بالقوة إذا تجرأت على محاولة إتلاف المحاصيل هذه السنة. quot;سنقاتلquot; قال أحدهم. وذكّر بتعرض الجنود لقصف بقذائف مدفعية أرفقت برشقات رشاشة ثقيلة في اتجاههم السنة الماضية من دون وقوع إصابات. وأضاف : quot;أبلغنا أصحاب الجرارات الزراعية التي تستأجرها قوى الأمن للقضاء على محصولنا في أرضه قبل الموسم: الويل لكم إذا تجرأتم على تأجيرها للدولة هذه السنة. لن يجدوا جراراً يقبل صاحبه هذه المخاطرة من أقصى البقاع إلى أقصاهquot;.