نزار جاف من بون: منذ نهايات الالفية السابقة و بدايات الالفية الحالية، باتت ملامح حرب صامتة و غير مباشرة بين الکنيسة و المسجد في بلدان اوربا الختلفة تتبلور شيئا فشيئا. ولهذه الحرب الصامتة أسباب و عوامل عدة، لکن يمکن ذکر أهم ثلاثة عوامل فيها وهي:
ـ تزايد ظاهرة عدم الاکتراث بالمسائل الدينية في بلدان الاتحاد الاوربي خصوصا بين الاجيال الجديدة و تشير آخر الاحصائيات الى تراجع عدد مرتادي الکنائس في تلك البلدان بشکل غير عادي.

إزدياد نسبة المسلمين المقيمين في بلدنا الاتحاد الاوربي و تکاثرهم بشکل ملفت للنظر قياسا الى المجتمعات الاوربية التي يقيمون بين ظهرانيها.
ـ عدم إکتراث المجتمعات الاوربية بمسألة تشكيل الاسرة وکذلك عدم الاهتمام بمسألة إنجاب الاطفال والتي هي في تراجع باتت العديد من الاوساط الاوربية تنظر إليها على إنها ليست مثيرة للقلق فقط وإنما حتى مخيفة.


يظهر مسجد و تختفي کنائس!

التقارير الخبرية الاوربية تشير الى إزدياد عدد المساجد في بلدان الاتحاد الاوربي و، بين کل فينة أخرى، يتم بناء مسجد في هذه المدينة الاوربية أو تلك، وفي مقابل ذلك فإن عددا لافتا للنظر من الکنائس في ذات تلك المدن أو مدن أخرى تصبح مهجورة وتعرض للبيع أو إستخدامات أخرى.

في المانيا التي تتوجس و تشعر بالقلق من حملة بناء المساجد فيها و إزدياد نسبة مرتادي المساجد، في الوقت الذي يتم الحديث فيه عن مشروع مسجد ضخم في مدينة کولونيا(رابع أکبر مدينة في المانيا) و تثار عاصفة من الشکوك بخصوص نشاطات العديد من المساجد المتواجدة هنا و هناك في المانيا سيما تلك التي في مدن برلين و بون و فرانکفورت و ميونيخ، فإن آخر التقارير الخبرية تشير الى ان قرابة 35 الف کنيسة بروتستانتية و کاثوليکية في مختلف مدن المانيا قد أغلقت أبوابها و باتت معروضة للبيع أو لتغييرها لإستخدامات أخرى. وهنا يجب أن نلفت النظر الى ان مسجد کولونيا الکبير المزمع إنشائه قريبا، قد أثار و يثير المخاوف و القلق بين الاوساط الالمانية و ينظرون للمشروع على انه بمثابة تحد جدي للقيم الديمقراطية في المانيا.

في الدنمارك
في الدانمارك مهد الرسوم الکاريکاتيرية المسيئة لنبي الاسلام، تتواتر التقارير التي تؤکد بأن نسبة المتواجدين في الکنائس تنخفض بشکل مريع و، في الوقت الذي يشکل فيه نسبة الدانمارکيين الذين سجلوا اسماءهم في الکنائس 82% فإن نسبة الحضور الفعلية في تلك الکنائس لا تتجاوز 8%، وهذه الحقية المرة بالنسبة للدوائر الکنسية في الدانمارك قد دفعت بأمين عام الکنائس فيها الى القول بشکل تهکمي مداف فيه الکثير من السخرية اللاذعة:(ان لم تستخدم الکنائس للعبادة، فالافضل ان يتم إستخدامها کإسطبلات!).
وهنا، لابد من الوقوف أيضا امام ذلك التقرير الحديث الذي يشير الى أن عشرة کنائس دانمارکية معروضة للبيع، مما يمکن تفسيره کنتيجة منطقية لعدم حضور الناس فيها، هذا إضافة الى ان عدد حضور الکثير من الکنائس الدانمارکية لا تتجاوز أصابع اليد مما يعطي إنطباعا بان الايام القادمة ستخبرنا بإغلاق کنائس أخرى لأبوابها.

عمدة مدينة: لنغير الکنائس الى مساجد!
أما في بلجيکا، حيث يستقر فيها مقر الاتحاد الاوربي، فإن عدد الکنائس المعروضة للبيع أو تغيير إستخداماتها، في تزيد بشکل ملفت للنظر. کما يلمح المراقبون الى ان نسبة الاقبال على حضور الشعائر الدينية في تراجع مستمر، فإنه و في مقابل ذلك، هنالك اقبال ملفت للنظر على حرکة بناء المساجد و کذلك تتکاثر الاهتمامات الدينية بين اوساط الجالية المسلمة في بلجيکا.

وفي هذا السياق، و في غمرة إزدياد عدد الکنائس المهجورة في مدن بلجيکا، يقترح عمدة مدينةquot;انتويربquot; فيليب هيلين، تغيير الکنائس الى مساجد سيما من بعد إزدياد عدد المسلمين في تلك المدينة و حاجتهم لأماکن العبادة الخاصة بهم.
الاصوات المعارضة ترتفع مع کل الذي اوردنا ذکره، تزداد حدة الانتقادات الموجهة لحملة بناء المساجد و المراکز الاسلامية في دول الاتحاد الاوربي، و تجد بين المنتقدين الساسة و البرلمانيين و المفکرين و الکتاب و الفنانين و الصحفيين وشرائح أخرى مختلفة. وتجد احيانا ان حدة الانتقادات تدفع في النهاية لإقامة نشاطات ما ضد تلك المسألة نظير تنظيم المظاهرات أو الاعتصامات أو حتى إخراج أفلام أو کتابة مقالات و بحوث أو أعمال فنية تجسد الرفض لإنتشار المساجد الاسلامية في اوربا. وتکاد تکون أشد البلدان نقمة و رفضا لهذه الظاهرة کل من سويسرا و فرنسا و المانيا و النمسا، وحتى ان الاوساط المختلفة في هذه البلدان تنشط ضد تنامي المسلمين فيها و تسعى للوقوف بوجه کل نشاطاتها و تحرکاتها المختلفة وحتى انها تعمل من أجل إستصدار مسوغات قانونية تقف کعقبة کأداء في وجه التحرکات الدينية للجالية الاسلامية.

الاوربيون بين القلق و التوجس
بريغيت هوفمان(35 سنة) من مدينة وبرتال، بخصوص مسألة إنتشار المساجد في بلدان اوربا و تراجع عدد الکنائس، أخبرت إيلاف:quot;انا لا أنظر لهذه القضية کمجرد مشکلة عادية وإنما هي بمثابة أزمة مخيفة من الممکن أن تؤثر سلبا على الناحية الديموغرافية لاوربا ذاتها. الجيل الجديد في بلدان اوربا لا يأبه للدين، لکن في مقابل ذلك فإن الجيل الجديد للجاليات الاسلامية تهتم کثيرا بالدين و مع مرور الزمن يزدادون تعلقا و إلتزاما بالمسائل الدينية و من دون شك ان هذا الامر يتداعى عنه الکثير من المعاني والتي تکاد تکون برمتها مقلقة. في الحقيقة انا أمام الحوادث الارهابية التي تجري في ارجاء العالم و أبطالها من المسلمين المتشددين، أجد من حقي و من حق کل اوربي ان نتخوف من إنتشار الاسلام في بلدان الاتحاد الاوربيquot;.

لکن يوهانس ديرك(47 سنة) من مدينة بون، بخصوص ظاهرة إنتشار المساجد الاسلامية في بلدان اوربا قال:quot;کل مسألة کانت ضمن إطار القانون فإنه لن تثير القلق، لکن أية مسألة تهدد الاطار القانوني، فإنه يجب معالجتها و التصدي لها، ولتکن تلك المسألة ماتکون! في إعتقادي ان بناء المساجد طالما کان ضمن إطار القانون فإنه ليست هنالك من مشکلة، لکن يجب على المسلمين ان يعملوا منذ الان کي يسدوا الطريق أمام أية مشکلة قد تحدث من جراء ذلك في البلدان التي يقطنون فيهاquot;.

کيف ينظر المسلمون في اوربا للقضية؟
بوراق سوزکين، مسلم الماني من أصل ترکي(24 سنة) مستقر في مدينة سولنغن الالمانية. بخصوص إنتشار ظاهرة بناء المساجد في اوربا و إلتزام المسلمين بديانتهم يقول:quot;الدين، بمثابة کرامة و شخصية الانسان، الفرد الذي لا يحترم و يوقر دينه، فإن احدا لايحترمه و ليس جديرا بالاحترام. المسجد لا يهتم لغير الاعمال الحسنة و کل مامن شأنه الخير للناس، وکلما کانت هنالك مساجد کثيرة فإنه يکثر الاناس الصالحون و تزداد اعمال الخيرquot;.

السيدة اميناتا ديوف التي هي بالاصل مسلمة سنغالية و تسکن في مدينة راينباخ الالمانية تقول بهذا الصدد:quot;أي انسان ينوي القيام بأعمال إرهابية، أي يريد ان يصبح إرهابيا، فإنه بإمکانه ان يحقق هدفه في إي مکان وليس بالضرورة ان يکون المسجد شرطا اساسيا لذلك. انا مستغربة من قلق الاوربيين من بناء المساجد! المسجد لعبادة الله و ليس لإرعاب الناس. برأيي يجب على اولئك الذين يقلقون من بناء المساجد ان يطمأنوا بأن ذلك الامر لن يلحق أي ضرر بهمquot;.