بعد انحسار التهديدات الامنية.. حلبات البصرة تستعيد صراعالديكة

البصرة: في يوم الجمعة من كل أسبوع يتوافد الزبائن إلى مقهى الحاج أبو عباس في منطقة البصرة القديمة في المحافظة الواقعة على مسافة 590 كم جنوب بغداد. ففي هذا اليوم لا يأتي الرواد الذين تزدحم بهم المقهى لاحتساء الشاي أو تدخين النرجيلة فقط، إنما لمشاهدة سباق الديكة الهندية في حلبة يبلغ قطرها مترين في الجهة الخلفية من المقهى.

صراع

ولأن الرواد يعقدون رهانات مالية على الديكة المتصارعة فقد أغلقت الحلبة عدة مرات خلال الأعوام الماضية. وبحسب مربي الديكة الهندية فإنهم تعرضوا إلى ضغوط وتهديدات دفعت بعضهم إلى الانقطاع عن ارتياد المقهى رغم أنها تحتوي على الحلبة الوحيدة في البصرة لممارسة اللعبة، فيما اضطر البعض الآخر إلى مزاولة هذه الهواية خارج حلبة مقهى الحاج أبو عباس.

آخر تهديد وصل إلى المقهى كان قصاصة ورق اعتبرت الرهان على صراع الديكة مخالفاً للشريعة الإسلامية ومن فعل الشيطان. القصاصة حملت توقيع جهة تطلق على نفسها لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لكن التحولات الأمنية التي طرأت على المدينة بعد عملية quot;صولة الفرسانquot; التي نفذت في آذار الماضي، أدت إلى استعادة الحلبة نشاطها واستئناف المتبارين والمتفرجين رهاناتهم ومتعهم.

ديك ابو غضة

على جدران المقهى الداخلية توزعت لوحات زيتية بسيطة من الناحية الفنية إلا أنها تؤشر إلى الديكة الهندية البارزة على مدى نصف قرن، خاصة تلك التي اشتهرت بشراستها وقوتها في التغلب على الديكة الأخرى. ومن أبرز تلك اللوحات quot;الصاروخquot; وهو اسم ديك أفغاني الأصل عرفته حلبة المقهى في العقد السادس من القرن الماضي، ثم لوحة لـ quot;ابو عضةquot; التركي الذي ذاع صيته أواخر تسعينيات القرن المنصرم بفوزه أحدى عشرة مرة من دون خسارة أو تعادل.

عادة ما تقترن أسماء تلك الديكة بأسماء مربيها باعتبارهم أصحاب الفضل في فوزها وشهرتها وذلك لاعتنائهم بها وحسن تدريبهم لها. وغالباً ما يحصدون، إثر ذلك، أموالاً كبيرة، خصوصاً في مزادات بيع الديكة التي تقام فصلياً في المقهى نفسه، إذ يتراوح سعر الديك الهندي الاستثنائي بقوته وشجاعته بين ألف وألفي دولار، بينما سعر العادي منها لا يتجاوز المائة دولار.

مربي الديكة محمد منصور

مربي الديكة الهندية محمد منصور، 52 عاماً، مهندس معماري يقول في حديثه لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;مصارعة الديكة الهندية في حلبة المقهى تخضع لضوابط وأحكام منذ عشرات السنين، وما تزال راسخةquot;، نافياً اعتماد الطريقة التايلندية في خوض النزالات، وهي الطريقة التي تقضي بأن يكون الصراع حتى الموت، وذلك بوضع آلات جارحة في سيقان الديكة المتصارعةquot;. لكنه يشير إلى إمكانية quot;تثقيف الأطراف السفلى للديكة بهدف زيادة قوة ضرباتها، ومضاعفة تأثيرهاquot;. ويضيف quot;بالرغم من السماح بذلك إلا أن الكثير من المربين، وأنا منهم، نرفضها لأنها تصيب الديكة بجروح عميقة، وأحياناً تتسبب بعاهات دائمةquot;.

ويلفت منصور، الذي يمارس هواية تربية الديكة الهندية منذ عشرين عاماً، إلى أن quot;بعض المربين تأخذهم الرأفة بالديكة، فيضعون قطع قماش صغيرة حول سيقانها حفاظاً عليها من الأذىquot;.

صراع ديكة

ويوضح منصور أن quot;أي نزال بين الديكة لا يُسمح بإجرائه، إلا إذا كان هناك حكم يتمتع بخبرة، مهمته احتساب الوقت وإعلان النتائجquot;، مضيفاً quot;عادة ما تكون فترة النزال ساعتين، تتخللها استراحات بواقع دقيقة واحدة بعد كل عشر دقائق من تبادل الضربات، يتم خلالها فحص الديكة المتصارعة من قبل أصحابها، وغسل مناقيرها وسيقانها بالماء البارد وتجفيفهاquot;.

ويقول منصور إن quot;بعض الديكة تفقد قدرتها على الصمود، فينهي الحكم النزال، ويعلن النتيجة بعد تقييم الأضرارquot;. ويضيف quot;في حالات نادرة ينتهي الصراع بضربة قاضية، فإذا حدث ذلك، فإن الديك الفائز يرتفع سعره إلى أكثر من الضعف، بغض النظر عن أصلهquot;.

ديك فائز

مربي ديكة آخر هو جابر كاطع، 43 سنة، سائق سيارة أجرة ، يقول لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;مصارعة الديكة نادراً ما تجري في فصل الصيف لأن الديكة الهندية لا تتحمل درجة الحرارة المرتفعة، ففي هذا الفصل ينشغل المربون بتدريب وتناسل الديكة القوية، استعداداً لموسم الشتاء، موسم المصارعةquot;.

ويرى كاطع أن quot;معظم الديكة الهندية في العراق من أصول أفغانية وإيرانية وتركية وهندية وباكستانية وقبرصية، وهي تختلف في شكلها وصفاتها القتالية وفقاً لأصولهاquot;، لكنه يؤكد على quot;عدم أهمية ذلك، إذا لم تحض الديكة بتدريبات مكثفة وعناية كبيرة، تتضمن إخضاعها لنظام غذائي يشترط فيه إطعامها اللحوم البيضاء والحمراء، فضلاً عن الحبوب والقشورquot;.

ويوضح كاطع أن quot;الديكة ذات الأصول الأفغانية والباكستانية وحتى الإيرانية تتميز عن غيرها بكبر حجمها وكثافة ريشها، أما الديكة القبرصية فإنها ذات قدرة محدودة على الثبات عند المواجهة، رغم جمال مظهرها، وبخصوص الديكة الهندية فإنها تمتاز بثباتها وسرعة توجيهها الضربات التي عادة ما تكون أقوى من ضربات الديكة الأخرى، أما الديكة التركية فإنها تتسم بنفس الصفات، لكنها نادراً ما تكون غير مهجنة وهذه نقطة ضعفهاquot;.

ديك

ويؤكد كاطع ما ذهبت إليه مصادر تاريخية مختلفة تفيد بأن مصارعة الديكة الهندية دخلت إلى العراق مطلع القرن الماضي بواسطة البحارة الهنود، عندما كانت ترسو سفنهم التجارية في موانئ البصرة، ويقومون باستغلال أرصفتها، بعد ساعات العمل، لمصارعة الديكة التي يجلبونها معهم بقصد التسلية وكسب المال من المراهنة عليها، الأمر الذي كان يدفع عشرات المواطنين العراقيين والأجانب إلى التجمهر لمشاهدة هذه اللعبة التي تحولت إلى لعبة شعبية وهواية.

ويضيف كاطع أن quot;مصارعة الديكة اكتسبت، آنذاك شعبية واسعة وانتشرت في غالبية المحافظات العراقية، لكنها سرعان ما انحسرت وتحددت في الأعوام القليلة الماضية بمحافظات البصرة وبغداد وكربلاءquot;، مبيناً أن quot;عدد مربي الديكة الهندية في البصرة لا يتجاوز حالياً 150 شخصاً، ولكن هناك مئات الهواة الذين يرتادون المقهى بكثافة، لاسيما في الآونة الأخيرة شغفا بهذه اللعبة التراثيةquot;.

يذكر أن الفترة بعد العام 2003 شهدت مرضا يدعى quot;Newcastlequot;فتك بعشرات الديكة الهندية قبل أن يتوفر في العيادات البيطرية المحلية مصل فعال للوقاية منه.

وكالة نيوزماتيك