دنس وباولا شاعران يعملان في مطعم ويؤسسان لحلم أقرب إلى الحقيقة

صلاح حسن من سان خوسيه: يندهش العربي الذي يزور كوستاريكا من التشابه الغريب بينه وبين هؤلاء الناس الذين تجري في عروقهم الدماء العربية كما يعتقد البعض والتي ورثوها عن الاستعمار الاسباني لهذه القارة قبل مئات السنين. ليس في كوستاريكا وحدها ولكن في القارة اللاتينية كلها ولولا بقايا السكان الأصليين من الهنود الحمر بشعورهم الطويلة وقاماتهم القصيرة لما كان هناك أي فرق ملحوظ بين العرب وهؤلاء الناس سوى اللغة. وإذا كان سكان كولومبيا على سبيل المثال يشبهون السوريين واللبنانيين فإن سكان كوستاريكا يشبهون المغاربة إلى درجة كبيرة وهم يعرفون هذه القصة ويرددونها كلما سنحت لهم الفرصة.


دنيس وباولا شريحة طيبة من هؤلاء الناس، شابان يعيشان في العاصمة سان خوسيه ويملكان كافيتيريا فيوسط المدينة افتتحاها بعد فترة قصيرة من زواجهما الطري. كانا يستضيفان ضيوف مهرجان الشعر ويقدمان لهم الطعام كل يوم. باولا فاجأت الجميع في افتتاح المهرجان لأنها قدمت فعالياته الرئيسة ودنس هو الآخر اخرج ديوانه وقرأ في المهرجان وسط استحسان الجمهور.


إنهما شاعران إذن وهذه الكافيتيريا هي مصدر رزقهما وهما في البداية ويشعران بالرضا لان العمل يسير بشكل جيد وان كان بطيئا. ولكن ما هي الحكاية ؟ باولا الفتاة ذات الأربعة والعشرين عاما والناعمة كالحرير درست العلاقات العامة في الجامعة ولكنها لم تذهب إلى الوظيفة، ودنس الذي درس الاقتصاد في الهندوراس ولم يكمل الماجستير في أميركا التقيا في أمسية شعرية في سان خوسيه وبدأت حكاية الحب من النظرة الأولى وسار كل شيء بشكل سريع فوجدا نفسيهما في القفص.!


الشعر بسحره الغامض جمع هذين الشخصين في علاقة حميمة، هي أصدرت مجموعة شعرية واحدة وهو اصدر ثلاث مجموعات وشاركا في المهرجان الشعري بقوة ولكن لم يتركا الكافتيريا، فقد كانا يعملان بشكل مضاعف كل يوم. يخرج دنس كل صباح مبكرا إلى السوق ليحضر ما تحتاجه الكافتيريا من لوازم، بينما تقوم باولا بإعداد الطعام والتنظيف وليس هذا فحسب، فقد كانا يلبيان الكثير من المطالب التي تتعلق بالمهرجان وضيوفه ولم يكن يتاح لهما من النوم سوى ساعات قليلة.


تقول باولا إن فكرة الكافيتريا لم تكن الفكرة الرئيسة لنا لأننا فكرنا في البداية بافتتاح غاليري ليكون مؤسسة ثقافية لإقامة الأمسيات الشعرية والموسيقية بالإضافة إلى المعارض التشكيلية ولكن ضيق الحال جعلنا نحول هذا المكان إلى كافيتريا دون أن يعني ذلك التخلي عن النشاط الثقافي. وتضيف باولا إننا نقيم بين فترة وأخرى معارض تشكيلية لفنانين معروفين وهذه فرصة لجعل الناس الذين لم يشاهدوا معارض رسم في حياتهم يشكلون فكرة معينة عن طبيعة الفن قد تدفعهم في المستقبل إلى متابعة المعارض التي تقام في المدينة وتذوق الفن التشكيلي. بالمقابل يحفل الغاليري بصور قديمة كثيرة من تاريخ كوستاريكا المعاصر يمتد إلى بداية القرن العشرين عن حياة السكان في تلك الفترة من تاريخ هذا البلد الصغير في أميركا الوسطى.


أثناء أيام المهرجان العالمي للشعر كان هناك معرض تشكيلي لفنانة كوستريكية شابة افتتح ليلة المهرجان ضم أكثر من عشرين عملا فنيا مشغولا بالزيت يحرص الغاليري / الكافتيريا على إقامة مثل هذه المعارض للمواهب الشابة. الفكرة إذن لم تكن بالأساس ربحية ولكن كما قالت باولا إن ضيق الحال والبداية هي التي دعتهما إلى تحويل هذا المشروع الثقافي إلى مشروع مشترك للعيش والفن معا رغم المعاناة المترتبة على مثل هذا النوع من العمل.


تخطط باولا لمشاريع ثقافية كثيرة في المستقبل كما هو حال دنس الذي بدأ مشروعا شعريا يخص كبار السن حيث ينظم بين وقت وآخر أمسيات يقرأ خلالها قصائد مخصصة لكبار السن عن الحب والعيش المشترك وهو يقوم بزيارة هؤلاء الناس في أماكن سكناهم ولا يتقاضى أجرا عن هذه الأمسيات التي يصفها بالأمسيات البهيجة. باولا ودنس أنموذج جديد لطبيعة الحياة الشابة في كوستاريكا يتألف من الحب والتواضع وفهم معقول لمتطلبات الحياة المعاصرة مقترن بالتضحية وحب الأخر الذي يبقى في النهاية شريكا رئيسا لا بد من فهمه واحترامه.