نجلاء عبد ربه من غزة: لم تعد الصحف والمجلات المطبوعة من وجهة نظر الكثيرين، عنوان الصحافة والإعلام. فمع دخول عالم الإنترنت للمنازل، باتت تلك الصحف مهددة بانقراض قرائها، باستثناء وجودها على مكتب الموظفين لقراءتها وقتل الوقت بانتظار انتهاء دوام العمل، فضلا عن بعض المسنين الذيناعتادوا قراءة الصحيفة.

وبدأت العلاقة بين الإنترنت وجيل الشباب قبل باقي الأجيال، وباتت العلاقة أكثر من مجرد زائر على الشبكة العنكبوتية، بل تعدت لدرجة الإدمان على تلك الشبكة وتصفح كل ما هب ودب فيها.

وتحكي حنان، 25 عاما، عن علاقتها بعالم الإنترنت منذ 9 أعوام. وتقول 'باتت مشاهدة المواقع الإلكترونية جزءامهما جدا من حياتي اليومية، حتى خلال دراستي الجامعية، فمنتدى الجامعة التي أدرس بها أدخله يومياً وأناقش مع طلبة وطالبات بعض المسائل العالقة في المادة'.

ولم يتوقع كثيرون أن تكتسح صحافة شبكة الإنترنت الصحافة الورقية، وتسحب البساط من تحت أقدامها بسرعة فائقة، بل وأصبحت الركيزة الأساسية للصحافة، وباتت الصحف تقتبس العديد من الأخبار من خلال وكالات الأنباء ومواقع صحافية متعددة.

يقول الصحافي ناصر الشرقاوي 'أبدأ صباحي اليومي بمشاهدة عدد من المواقع الإلكترونية ومنها بالطبع إيلاف، فهي بالنسبة لنا كصحافيين فلسطينيين موقع متجدد على مدار الساعة، وبالتالي فإن كل جديد سيكون بداخله'.

الرأي ذاته قاله زميله خالد صبري لإيلاف، موضحاً 'المواقع الجيدة نضعها في المفضلة بإستمرار'، ولا يخفي الصحافي خالد أن الجرائد المطبوعة لا يكترث لها كثيراً. وزاد 'باتت أخبارها قديمة قياساً بأخبار المواقع الإلكترونية'.

الغريب كما تقول نغم كمال وهي طالبة في كلية الإعلام في إحدى جامعات غزة، أن مدير تحرير جريدة تتدرب في مكتبه، يفتح باستمرار المواقع الإلكترونية أكثر من موقع جريدته التي يعمل بها. وتضيف الطالبة 'مواقع الأخبار أكثر سرعة في نقل الخبر، وهناك مواقع كثيرة تعتمد أسلوب الفيديو في نقل حدث مهم'.

وتضيف نغم 'رغم ذلك، فإن عيوباً كثيرة تجدها في مواقع الإنترنت كعدم الرقابة وتلفيق الأخبار أو تهويلها'. وهو ما أكدته زميلتها التي تتدرب في المكان نفسه رشا عبد الله بأن 'لكل شيء مزايا وعيوب، وهذا الأمر ينطبق على الإنترنت'.

وتضيف رشا ' صحافة شبكة الإنترنت تبدو في نظر البعض كالصحافة، ولكنها ليست صحافة، يمكن أن تُطبَّقُ عليها قوانينها وتشريعاتها، وهي كذلك إعلام، ولكنها غير مصنفة في وسائل الإعلام'.

وذهب الدكتور رأفت العوضي إلى القول إن السنوات العشر القادمة ستشهد ضمور الصحافة الورقية، وازدهار صحافة شبكة الإنترنت، فعدد العاملين في الصحف الورقية وإنتاجها وتوزيعها يجعلها مؤسسات وظيفية مُكلفة، ولن يستطيع مالكو الصحف الورقية في المستقبل القريب تغطية رواتبهم مضافا إلى ذلك أجرة الطباعة والتوزيع.

ويضيف الدكتور العوضي ' صحافة الإنترنت تستخدم أدواتٍ جديدة تساعده على الانتشار بشكل كبير، فهي تستخدم الصور والأصوات والأفلام، وكذلك فإنها صحافة تفاعلية، تتيح للقارئ التعليق على ما يقرأ، وتسمح له بالتواصل مع الكاتب والمحرر المسؤول، ومع القارئين الآخرين في كل أنحاء العالم.

ويتحدث رامي '32 عاما' والذي يعمل مندوب مبيعات في مؤسسة للعابة والإعلان وسط مدينة غزة، عن مزايا الصحافة الالكترونية من حيث مقدرتها على التغلب على القوانين واللوائح التي تحكم البلد من حيث إصدار الصحيفة ومنح التراخيص، وسرعتها في نقل الخبر الصحافي في أحيان كثيرة بالصوت والصورة حيت تعتمد بعض المواقع على نشر بعض المقاطع للحدث كما يحدث في المنتديات ومواقع اليوتوب، وسرعة انتشارها وانخفاض تكلفتها المادية مقارنة بالصحافة المطبوعة والمسموعة والمرئية.

ولكنه قال أيضاً 'هنالك عيوب قاتلة فيها، تتمثل في عدم وجود تميز في نقل المواضيع الصحافية وعدم التأكد من صحة الأخبار من المصادر وذلك بسبب التسرع في نقل الأخبار، إضافة إلى عدم وجود رقابة على المواقع الالكترونية وخاصة المواقع الشخصية التي لا تخضع في أحيان كثيرة للمعايير الأخلاقية.


ولم تتمكن دولٌ كثيرة من اعتبار صحافة شبكة الإنترنت جزءاً من النظام الصحافي، وحاولتْ بعضُ الدول كتونس والأردن أن تُسِلكَ صحافة شبكة الإنترنت ضمن الصحافة التقليدية.

وعدّلت الجمهورية التونسية عام 2006م، بعض نصوص قوانينها التقليدية لتشمل صحافة شبكة الإنترنت، وحاولت أن تُصدر قانونا ينظم عمل صحافة شبكة الإنترنت، غير أنها لم تتمكن من تطبيق هذا القانون تطبيقا محكما. وكذلك فعل الأردن عام 2007، عندما أصدر لوائح تنصُّ على سريان قوانين الصحافة التقليدية على صحافة شبكة الإنترنت، بما في ذلك لوائح العقوبات.

ويُعرف هذا القانون الصحافي بأنه 'كل من يعمل في صحيفة يومية، أو دورية، أو وكالة أنباء مصرية أو أجنبية، ويتقاضى راتبا، بشرط ألا يمارس مهنة أخرى'. إلا أن هذا التعريف يتعارض مع تعريف الصحافي في صحافة شبكة الإنترنت، إذ إن معظم العاملين في صحافة شبكة الإنترنت لا ينطبق عليهم التعريف السابق، لأن كثيرين منهم لا تكون مهنتهم الوحيدة هي الصحافة.

ويرجعُ الكاتب توفيق أبو شومر سبب عجز كثيرٍ من الدول عن وضع اللوائح والقوانين المنظمة لعمل صحافة شبكة الإنترنت إلى صعوبة متابعة تلك الصحف، لأنها لا تملك هيئة وأشخاصا اعتباريين يمكن أن يُحاسبوا في حدود الدولة، ولا تستطيع الدول فرض قوانينها على تلك الصحف، ولا تملك في أغلب الأحيان سوى قرار حجبها عن حدود الشبكة التي تتحكم فيها الدولة، مع العلم بأن هذا الحجب غير مجدٍ لأن كثيرين يستخدمون شبكاتٍ وخطوطا أخرى لا يمكن للدولة أن تحجبها.

وإزاء صعوبة تطبيق قوانين الصحافة على صحافة شبكة الإنترنت، رأى أبو شومر أن كل جهود الدول التي تحاول أن تطبق القوانين واللوائح والعقوبات عليها، وأعتبرها جهودا عبثية، لأنها في الحقيقة تُطارد الهواء، وهي أيضا بمحاولتها منع بعض الصحف، أو معاقبة بعض أصحاب صحف الإنترنت، يأتي بمثابة الدعاية المجانية لهم، فبعد حجب مواقعهم أو سجنهم، يزداد الطلبُ على مواقعهم، وتتعزز منزلتهم الصحافية.

وطرح الكاتب توفيق أبو شومر تعزيز دور منظمات صحافة شبكة الإنترنت، وتجميعها في جمعية صحافية أو في هيئة للصحافة الرقمية، أو في منظمة لمحرري تلك الصحف، بحيث يكون الإطار العام لتلك الهيئة أو الجمعية 'أنها غير خاضعة لسلطة الدول، أي أنها منظمة حُرة. وأن تضع لها ميثاقا صحافيا، يؤكد الركائز الصحافية الأساسية التي لا تختلف عليها الدول، ومنها حرية الصحافة، والحفاظ على خصوصية الصحافي ومصادر أخباره، وعدم انتهاك الأعراف والتقاليد الدينية والأخلاقية، وعدم إثارة النعرات ومحاربة الدعوات العنصرية، والتزام الصدق والتوازن والموضوعية، ومنع نشر الأخبار والتعليقات التي تحرض على العنف، وتمس بالصحة العامة والأخلاق، واحترام حقوق الغير.