نجل الرئيس الفرنسي في منصب سياسي مرموق ولم يتجاوز الواحدة والعشرين
جان سركوزي.. طموحات سياسية على خطى أبيه

أنيسة مخالدي من باريس: لم يتجاوز جان الواحدة والعشرين وها هو يحمل مثل والده لقب 'الرئيس'، حيث اُنتخب، مؤخرا،ً رئيساً للمجموعة السياسية للحزب الحاكم في واحدة من أهم المقاطعات الباريسية 'أو دو سان'. نجمه صعد كالصاروخ ليصبح في أقل من سنة المسؤول السياسي الأول لليمين في هذه المنطقة سَاحبا البساط من تحت أقدام إطاراتها القدامى المحنّكين و هو لا يزال طالبًا في سنة ثانية حقوق في جامعة السوربون. إنه جان سركوزي الابن الثاني للرئيس الفرنسي نيكولا سركوزي من زيجته الأولى مع ماري دومنيك شيولي ابنة أحد النبلاء الكورس الفرنسيين. شخصية جان المائلة لحب الظهور والتألق تختلف تمامًا عن شخصية ''بيار'' أخيه الذي يكبره بسنتين، إن لم تكن نقيضها، فالابن البكر لنيكولا سركوزي وهو منتج موسيقي في مجال 'الرّاب' يهرب من الأضواء ويرفض الإجابة على أسئلة الصحافيين و قد ظّل طويلا يُخفي هويته الحقيقية تحت إسم ''موزلي'' لكي لا يعرف زملاءه صلة القرابة الموجودة بينه وبين الرئيس. الشيء نفسه بالنسبةإلى ''لوي' 10سنوات الذي ترفض والدته سيسيليا تعريضه لكاميرات الصحافة بسبب صغر سنه.

جان سركوزي: في السياسة على خطى الوالد
الكّل يتفق على أن الابن نسخة من أبيه في الطموح السياسي فقد بدأ ''جان'' مشواره السياسي مبكرا و بقوة في المنطقة نفسها التي بدأ منها والده منذ ثلاثين سنة و هي ضاحية ''نوي سور سان'' الراقية، التي كان فيها سركوزي عمدة من سنة 1983 إلى 2002 وهي المنطقة التي تضم أكبر عدد من المنخرطين في الحزب اليميني مقارنة بتعداد سكانها (4000 منخرط من مجموع 60.000 ساكن) حتى سُميت بإقطاعية سركوزي أو ''سكرولاند'' بسبب اتساع نفوذ الرئيس في هذه المنطقة.

قرار الدخول في السياسة جاء من جان و بمحض إرادته -كما يّردد هو و عائلته. حيث قرّر المشاركة في الانتخابات المحلية في خريف 2007 مساندًا حملة المرشح الذي اختاره والده آنذاك ''دافيد مارتنون'' وهو الناطق الرسمي السابق للإليزيه أيضا، مقابل ذلك كان اسم جان ضمن قائمة مستشاري البلدية، لكن الابن الذي ورث عن والده أيضا فن حياكة المكائد السياسية تخّلى عن المرشح الذي لم يكن يتّمتع بشعبية كبيرة وكّون قائمة مستّقلة، حيث تمكن مقابل مساندته للمرشح الجديد من التفاوض على فرض ترشيحه للانتخابات الإقليمية التي فاز فيها بأول منصب سياسي له كمستشار عام عن منطقة '' نوي سور سان'' بنسبة % 52 من الأصوات. تماما كما فعل والده سنة 1983 حين تخّلى عن رئيس الوزراء السابق ''شارل بسكوا'' و هو مريض ليستحوذ على منصبه كعمدة على بلدية ''نوي سور سان'' بعد أن كان مجرد مستشار. طموح سركوزي الابن لم يتوقف عند هذا الحدّ، و قد فاجأ الجميع حين تقدم في حزيران من سنة 2008 في أخر لحظة للحصول على منصب رئيس للمجموعة السياسية للحزب الحاكم في واحدة من أهم المقاطعات الباريسية ''أو دو سان'' يومين فقط قبل موعد التصويت، حيث انتزع المنصب من إحدى الشخصيات المرموقة في المنطقة وهو ''إيرفي مرساي'' البالغ من العمر 52 سنة، المرشح التعيس الذي يملك 20 سنة خبرة في السياسة اكتفى في النهاية بمنصب نائب لجان سركوزي. رغم أن نيكولا سركوزي يصّرح لمن يريد أن يسمعه أنه لن يتدخل لفسح الطريق أمام طموحات ابنه وأنه سيدعه يشّق طريقه في الحياة دون مساعدة إلا أن محيط الرئيس يتحدث عن مساندة حقيقية من الأب لأبنه. فالشاب الذي خرج للتّو من المراهقة يباشر مهامه السياسية تحت إشراف نائبة رئيس المجلس العام لمنطقة ''أو دوسان'' إيزابيل بلكاني التي تعتبر أيضا عرّابة الشاب و صديقة قديمة لعائلة سركوزي، و يقال أيضا إن هذه المسؤولة -بطلب من الرئيس- هي الآن بصدد تحضير السياسي الشاب لمنصب رئيس المجلس العام لمنطقة ''أو دو سان'' المتوقع في 2010 و الذي يشغله حاليا ''باتريك دو فجيان'' وزير الصناعة السابق. كما نقلت وسائل الإعلام أخبارا عن ضغوطات مُورست من أعلى مستوى حتى تتّم تبرئة جان سركوزي في قضية حادثة مرور، اتهم فيها هذا الأخير بإلحاق أضرار ماديةًَ بسيارة مواطن فرنسي من أصول عربية، الهرب و السّب العلني.

حب الظهور بالوراثة...
مثل أبيه، يميل سركوزي الابن إلى الظهور في وسائل الإعلام، فهو يثير فضول الصحافة التي تتابع جولاته ووصلاته و تنشر أخباره و مغامرته أول بأول. أول ظهور له كان في حفل تنصيب والده في قصر الإيليزي، حين اكتشف الفرنسيون شابا أشقر أنيقا، له ملامح الرئيس نفسها ، نبراته الصوتية وحركاته، سمات الثقة بالنفس والكبرياء نفسها و لكن بجرعة زائدة من الجاذبية و الوسامة. بعد أشهر معدودة من تولي سركوزي مقاليد الحكم في فرنسا، بدأت الصحافة تهتم بأخبار هذا الابن المثير، وقد دخل عالم الأضواء أول مرة من باب الفن و هوايته الثانية وهي المسرح، حيث كان يستّعد لأداء أول أدواره في مسرحية ''أوسكار'' لبيار موندي بعد سنوات من دراسة التمثيل المسرحي على يدي ''جان لوران كوشيه'' الذي اكتشف مواهب الممثل ''جيرار دي بارديو'' و ''دانيال أوتوي'' لولا أن اختار جان التوجه نهائيا إلى السياسة. الابن الأوسط للرئيس يثير اهتمام الصحافة والإعلام بمغامرته العاطفية أيضا فهو مخطوب ''لجسيكا سبعون دارتي'' الوريثة الوحيدة لعائلة دارتي الغنية و التي تملك أكبر محلات الأجهزة الإلكترو منزلية في فرنسا. الأخبار تتحدث عن دروس في التوراة يتلقاها ابن الرئيس استعدادا لاعتناقه الديانة اليهودية التي تنتمي إليها خطيبته وعائلتها قبل موعد الزواج المنتظر في الصيف المقبل. نبأ الخطوبة أحدث ضجة كبيرة على الشبكة، خاصة بعد حادثة فصل صحافي كاريكاتور معروف بتهمة معاداة السامية من صحيفة شارلي إبدو الساخرة لأنه كتب يقول :'' سركوزي الابن، جدير بسمعة والده فهو خرج من تهمة الهروب في حادثة مرور ببراءة بل وتحت التصفيق، لا ننسى أن نقول إن المدعي هو مواطن من أصول عربية و هذا ليس كل شيء... فالولد مخطوب لوريثة عائلة دارتي الغنية، وهو يسّتعد لاعتناق الديانة اليهودية إرضاء لعائلتها.... لا شك أن هذا الولد سيكون له مستقبل زاهر...''.


معجبو جان سركوزي يعّدون بالآلاف على الشبكة، فكثير من الفتيات الفرنسيات أدرجن في مدوناتهن صورا محّملة بالقلوب الصغيرة وتعليقات لطيفة لأصغر مسؤول سياسي في فرنسا وموقعه على ''الفاس بوك'' وحده يضّم أكثر من 4000 عضو. شهرة جان سركوزي تجسدت أكثر بعد أن دخلت دميته حصّة ''لغنيول'' الساخرة، التي تمثله على انه الابن المدّلل المتعجرف للرئيس، وقد بلغت الحصّة نسب مشاهدة قياسية حين روت بسخرية حادثة لجوء الرئيس لمصالح F.B.I لإجراء اختبار الجينات د.أن.أ من أجل العثور على..... دراجة ابنه المسروقة !!!. صعود ابن سركوزي السريع في مجال السياسة أثار إعجاب المسؤولين في عائلته السياسية حيث صّرح باتريك دوفجيان وزير الصناعة السابق : '' أن الابن تجاوز أباه الذي شغل المنصب نفسه وهو في الثامنة و العشرين من العمر...و إذا استمر بهذا الريتم فإنه سيذهب بعيداً''، نجاح جان أثار أيضا حفيظة المعارضة التي رأت أن الرئيس يتصرف و كأنه ملك يحضّر ابنه لخلافته، حيث صّرح ''فرانسوا بيرو'' زعيم حزب الوسط ''مودام'' : أن منطقة نويي سورسان أصبحت كالإمارة: يورث فيها سركوزي الأب أراضيه لابنه جان من بعده'' وتضيف ميشال كاني مسؤولة المجموعة السياسية لليسار في مقاطعة أو دوسان : ''جان سركوزي ليس سوى البيّدق الذي يستعمله سركوزي ليضمن الحفاظ على نفوذه في هذه المنطقة.. فمن يتصور أن يصبح شاب لم يتمم حتى دراسته الجامعية مسؤولاُ سياسيا بهذا المستوى...؟''.


مهما كانت حدّة الانتقادات، إلا أن المشوار السياسي لابن نيكولا سركوزي يبدو مليئا بالوعود حتى أن أحد المسؤولين في دائرة ''نوي سور سان'' صّرح لإيلاف: ''أن صعود سركوزي الابن مذهل إلى درجة تجعلنا نتّرقب أن يكون السباق الرئاسي المقبل بين الأب و ابنه''.

[email protected]