منذ بداية سقوط النظام السابق والملاحقات الميليشاوية تعتدي على باعة الخمور وأكثرهم مسيحيون وتقتل منهم بالعشرات ومنذ ذلك الوقت أيضا كانت المخدرات الإيرانية المدمرة للصحة تتسلل للعراق، ولا سيما عبر البصرة لتصيب بدائها أعدادا كبيرة من الشباب وحتى بين التلاميذ، ولتخلق مشاكل اجتماعية جديدة ومناخا للجرائم والتهريب.

إن من اتخذوا قرار منع المشروبات الكحولية البرلمان العراقي وتمريره بطريقة لصوصية، بمبادرة من حزب المالكي، تجاهلوا تاريخ المجتمع العراقي وتركيبته الدينية والاجتماعية وتراكم مشاكله. العراق الحديث لم يعرف قانونا كهذا القانون المعيب. وفي العهد العباسي كان أبو نؤاس يجاهر:

"عاج الشقي على رسم يسائله عجت أسأل عن خمارة البلد"

وأيضا

"حف كأسها الحبب فهي فضة ذهب"

وأيضا مرة أخرى:

"رُدّا عليّ الكأسَ انكما لا تدريان الكأسَ ما تجدي"

وبموازاة ذلك كان الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي يغني:

"ألا يا أيها الساقي أدر كأسا وناولها"

وكانت كتب المطالعات المدرسية مليئة بأشعار الأولين وفيها أبيات عن الخمرة ومنها المعلقات التي تدرس على نطاق العالم العربي كله وفيها إشارات إلى "خمور الأندرينا"

ونصل إلى أحمد شوقي وقوله:

"رمضان ولى هاته يا صاحِ فلنضرب الأقداح بالأقداح".

وأذكر أنني أدخلت للمستشفى عام الفين لتعب عام طلب مني الأطباء أن أكف عن تعاطي الخمرة، فاطعت. وأذكر أن جدتي مرضت ذات مرة فأوصى الطبيب لها بشرب بضع ملاعق من مشروب الكونياك لمدة أسبوع فوافقت وهي التي زارت مكة وكانت تزور المراقد الشيعية باستمرار. وحين كنا نمزح معها، كانت تجيب أنني أطيع تعاليم الطبيب.

إن البرلمان العراقي المهزوز لم يجد في عراق اليوم مشكلة غير الخمرة فأصدر قراره المدان تناسيا أيضا الأقليات الدينية وأيضا أن الكثيرين من المسلمين أنفسهم ليسوا من المتزمتين دينيا.

البرلمان ربما تصور أنه حل بقراره جميع مشاكل العراق من الفساد والطائفية فنظام المحاصصة واستباحة إيران للعراق. وقد جاءنا بما يتصورون أنه تعزز قدرات الحرب على داعش حين تباروا معه بقرار داعشي بحت. فكأن المالكي كان يقصد هذا حين عاد يصيح "نحن قادمون". ويقال إن في الجعبة مشروع قرار لتحجيب تلميذات الابتدائية على طريقة طالبان والخمينية والقطبية. أما عن المخدرات الكيميائية القادمة من إيران فأهلا بها وسهلا مثلما رحب البرلمان والقيادات الإسلامية بتأسيس جمعية لزواج المتعة لها فروع في المحافظات كما أعلنت الجمعية نفسها قبل حوالي العام.

إن إدانة الكثيرين من المثقفين لهذا القرار وحملات التواقيع ضده ظاهرة جيدة ولكنها غير كافية لمعالجة أوضاع العراق التي تزداد سوءا على سوء. إن ما يحتاجه العراق هو هبة شعبية واعية تطالب بتعزيز قدرات الحرب على داعش وأفكارها التي هي عين هذه الأفكار التي تطلع علينا من يوم إلى آخر من البرلمان العراقي...هبة تحارب الفساد ورموزه والطائفية ونظام المحاصصة وهيمنة سليماني على العراق. ونقول إنه منذ مجيء العبادي والأمور تزداد تدهورا لأنه كثير التناقضات ويلعب هنا وهناك ما دام لا يزال قياديا في حزب الدعوة الذي يقوده المالكي والذي يصيح مرة "أنا ولي الدم " ومرة "نحن قادمون".

إن قرار حظر الخمور مهزلة معيبة أخرى من مهازل حكام العراق ولكنها مهزلة المثيرة للغضب إذ أنها أيضا تشطب على الدستور وعلى الإعلان الدولي لحقوق الإنسان وعلى الحرية الفردية ولآنها تريد صرف الأنظار عن المشاكل الحقيقية والكبرى التي تواجه شعب العراق المستباح.