كلمة ثقافة أو كلمة مثقف، خاصة إذا كان مثقفاً حقيقياً، مرعبة لكل الانظمة الدكتاتورية، دينيّة كانت أم عسكرية. وترعب العنصريين. ثقافة واحدة ترعب فكيف إذا كانت تعدد ثقافات؟ غوبلز، وزير دعاية هتلر، له قول مشهور: كلّما سمعت كلمة ثقافة/ أو مثقف تحسَّست مسدسي. وهذا بالضبط ما يفعله حكامنا العرب من المحيط الى الخليج. يدهم دائما على المسدس. وسجونهم، في أحسن الحالات، هي اللغة التي يتعاملون بها مع المثقفين. أما هنا في استراليا فالقصة ابتدأت بالمسدس وانتهت بقبول كل الثقافات قانونياً..

قبل الاستيطان الابيض كان هناك تعدد ثقافات عند سكان استراليا الاصليين. فرغم اطلاقنا عليهم تسمية واحدة "الابوريجينيز" إلا أنهم كانوا، ولا زالوا، قبائل متعددة بلغات متعددة وثقافات متعددة ولكنها متعايشة في معظم تاريخهم. فاحصاء 2011 ذكر انهم لا زالوا يتكلمون حوالي 150 لغة مختلفة. مع وصول الرجل الابيض سنة 1788 تغيرت اللعبة. ثقافة واحدة. لغة واحدة. ومسدسات كثيرة وقمع للسكان الاصليين. بعض التجمعات السكانية أبيدت بكاملها حتى خلت تسمانيا مثلاً من أي وجود لهم. وهيمنت الثقافة الواحدة حتى تكرَّست رسمياً سنة 1901 بما عُرِف بسياسة استراليا البيضاء. ومع تناقص اعداد المهاجرين البريطانيين برزت الحاجة لقبول اثنيات وثقافات اوروبية اخرى مثل الطليان واليونان والالمان ومن يوغوسلافيا السابقة وبقية اوروبا. حيث بقيت الغلبة للثقافة الانكلوسكسونية التي عملت على امتصاص القادمين الجدد وتذويبهم في الثقافة المسيطرة. مع وصول غوف ويتلم سنة 1972 الى الحكم، اعتمد حزب العمال سياسة جديدة هي التعددية الثقافية. أدخل بموجبها خدمات كثيرة بلغات الجاليات الاثنية واستحدث ادارات حكومية للتعددية وتنوعت مصادر الهجرة وأنشأ محطة اذاعية وتلفزيونية أصبح اسمها اليوم ألـ اس بي اس، وهي التي أشاد بها مالكوم تانبل في زيارته الاخيرة للامم المتحدة حيث اعتبرها نموذجاً فريداً من نوعه في العالم. وكذلك أدخل حزب العمال في نيو ساوث ويلز سنة 1980 اللغات الاثنية، ومنها العربية، الى المدارس الرسمية الاسترالية.

تابعت حكومات مالكوم فريزر، بوب هوك وبول كيتنغ اعتماد سياسة التعددية الثقافية ومن اهم ركائزها الاحتفاظ بالهوية الثقافية، تطبيق العدالة الاجتماعية، تشجيع الفعالية الاقتصادية وتنويع مصادر الهجرة. أتى جون هاورد من خلفية معادية للتعددية الثقافية. فهو كان دائم الانتقاد لها وكان ينادي بالحد من هجرة الاسيويين والتي تخلّى عنها فيما بعد. في نهاية الثمانينات طرح هاورد سياسة استراليا الواحدة: One Australia Policy والتي طوَّرتها بولين هانسون من بعده لتصبح One Nation أو أمة واحدة. والتي تقف ضد احتفاظ المهاجر بثقافته. هاورد طوال مدة حكمه لم يتلفّظ بكلمة التعددية الثقافية مطلقاً. قصقص أجنحة التعددية لصالح مفهومه الذي يتلخص بهوية وطنية مشتركة: Shared National Identity والرفاقية على الطريقة الاسترالية Mateship والفرصة العادلة للجميع.

لم يكن هاورد الوحيد المتحفِّظ أو المعارض للتعددية الثقافية. لقد سمعنا أصواتاً عالية كثيرة منها لـِ Lachlan Chipman وزميله الفيلسوف Frank Knopfelmacher اللذين اعتبراها مصدر تهديد للتضامن الاجتماعي. وأيضاً للمؤرخ Geoffrey Blainey الذي اعتبر أن التعددية ستفضي الى تجمّع قبائل.

أما اليوم فهناك ارتداد واضح عن مفهوم التعددية عند الكثير من الاستراليين. معظمه موجه ضد المسلمين بقيادة حزب امة واحدة. استطلاع الرأي الشهر الماضي بيَّن ان نصف الاستراليين ضد الهجرة المسلمة الى استراليا. أما الاحزاب الرئيسية في البلاد فتجدها تستخدم التعددية للكسب السياسي مع وجود أصوات صادقة في كل منها الى جانب اصوات عنصرية في معظمها.

التعددية الثقافية لا تعني أن امارس لغتي وثقافتي وديني وعاداتي وتقاليدي وانغلق على الآخر. أو أن اطبِّق ما اعتبره من ديني أو من تقاليدي ولو كان نافراً أو متناقضاً مع قيم المجتمع. ولا يعني أن أفرض معتقدي وطريقة عيشي وتفكيري على الاخرين بالقوة على اعتبار اننا نعيش في مجتمع متعدد الثقافات. التعددية الثقافية تعني، من جملة ما تعني، أن آخذ الجميل من عاداتي وتقاليدي وثقافتي وحضارتي ولغتي وانفتح بها على الآخر. وبالمقابل أن آخذ من الآخر الجميل من عاداته وتقاليده وثقافته لنصل الى مجتمع فريد بكل ما في الكلمة من معنى. الى مجتمع استرالي لا يشبه أي مجتمع آخر يعيش فيه الجميع بتفاهم وتناغم. مجتمع موحد ليس انكليزياً ولا ايطاليا ولا يونانيا ولا لبنانيا...

بل فيه من كل ثقافة ما هو جدير بالبقاء والتفاعل والتطور... بهذا المعنى، أين المسلمون في استراليا من التعددية الثقافية؟

قبل الاجابة احب أن انوِّه ان المجتمع الاسترالي اشتهر بالتمييز دائما ضد الفئة الحديثة الوصول الى استراليا. بداية ميَّزَ ضد السكان الاصليين واعتبرهم، لفترة طويلة، بمثابة الحيوانات حتى كانوا ينظمون حملات لاصطيادهم كما يصطادون البط والارانب. وتوالى التمييز. مرة ضد سكان الجزر القريبة من استراليا والذين كانوا يعملون في مزارع قصب السكر. ومرة ضد الافغان الذين كانوا بأمس الحاجة لهم لاستكشاف الداخل الاسترالي. ومرة ضد الصينيين في مناجم الذهب. وضد الطليان واليونانيين وصولاً الى اللبنانيين والفيتناميين واليوم الى المسلمين. كانت استراليا دائما تفتح أبواب الهجرة للايدي العاملة وعندما لا تعود بحاجة لعمالتهم تمارس التمييز ضدهم. التمييز يكشِّر دائماً عن أنيابه في الازمات.

ما هي علاقة استراليا بالمسلمين أوعلاقة الاسلام باستراليا؟

العلاقة مع المسلمين قديمة جداً وتعود الى حوالي السنة 1650، أي قبل الاستيطان الابيض بكثير، عندما توثَّقت العلاقات التجارية بين مسلمين من اندونيسيا والسكان الاصليين للساحل الشمالي حيث أثر الاندونيسيون في ثقافة السكان الاصليين وفي بعض معتقداتهم الدينية. الاستيطان الاوروبي حمل معه بعض البحّارة المسلمين وبعض المستوطنين الاحرار وعددا من المساجين المسلمين يقدر عددهم بثمانية على اقل تقدير. ولكن لا نعرف عنهم الكثير. الثابت ان بعض الافغان المسلمين وصلوا الى استراليا، مع جمالهم، ما بين 1860 و 1939. قدّم الافغان خدماتٍ لا تقدَّر بثمن في استكشاف الداخل الاسترالي وربط مدنه بخطوط التلغراف والسكك الحديدية. لقد كان المسلمون الافغان القوة الرئيسية وراء بناء سكة الحديد بين أدلايد وداروين والذي حمل اسم: The Afghan Express والذي لا زال يحمل حتى الان اسم: The Ghan اختصاراً واعترافاً بفضلهم. والافغان هم أول من بنى مسجداً في منطقة Marree من جنوب استراليا سنة 1861 ولكنه هُدم لاحقاً لعدم الاستعمال. وهم من بنوا أقدم مسجد لا زال قائما في ادلايد منذ 1888 وبنوا جامع بيرث سنة 1905. هؤلاء الافغان الذين كانت استراليا بأمس الحاجة لهم لاكتشاف الداخل الاسترالي ولربط المدن البعيدة ببعضها بواسطة جمالهم التي كانت وسيلة النقل المثلى وقتها، تعرّضوا- عندما انتفت الحاجة اليهم – للكثير من التمييز بسبب دينهم وشكلهم المختلف وبسبب المنافسة على العمل.

وكرّت الهجرة المسلمة الى استراليا من بلدان عديدة وخاصة من البلدان العربية حتى وصل عددهم اليوم الى حوالي النصف مليون نسمة أي حوالي 2.2% من مجموع السكان. هذا العدد لا يشكِّل أي خطر فعلي على البلاد. فلماذا الضجة إذن؟ ولماذا يطالب نصف الاستراليين بايقاف هجرتهم الى استراليا؟

رغم أنهم ساهموا، مثل غيرهم إن لم نقل أكثر، في اعمار وتقدم وتطور هذه البلاد. سأردّ الاسباب الى اربعة عوامل:

1- التمييز التاريخي الاسترالي ضد كل اقلية وافدة وخاصة في الازمات

2- التشويه التاريخي المتعمّد من قبل الغرب واسرائيل لكل ما هو مسلم وعربي بالتحديد

3- التشويه التاريخي للاسلام من قبل الموروث الاسلامي او الثقافة الاسلامية السائدة

4- ممارسات بعض المسلمين النافرة، في الخارج وهنا، والتي تصب الزيت على النار

لقد تكلمت سريعاً عن العامل الاول. العامل الثاني وهو التشويه التاريخي المتعمد من قبل الغرب واسرائيل لكل ما هو مسلم او عربي. وهذا ليس بحاجة الى دليل. تمَّ هذا التشويه، ويتمّ، من خلال الادب والرسم والفن والتمثيل والافلام والسياسة والراديو والتلفزيون والصحافة والتعليم...الخ

أنا أفهم أن يشوِّه الغرب الاسلام والمسلمين. وأنا أفهم أن تشوِّه اسرائيل كل ما هو اسلامي او عربي. لكن ان يصبح الموروث الثقافي الاسلامي المشوِّه الاساسي للاسلام فهنا المصيبة. داعش لم تُخلقْ من فراغ. القاعدة والحركات الجهادية والتكفيريون والاخوان المسلمون والسلفيون كلهم وصولاً الى الوهابية، ام كل الحركات الاصولية، يتغذون من هذا الموروث الثقافي. وسأعطي ثلاثة أمثلة: الاول حديث منسوب الى النبي، وموجود في صحيح مسلم والبخاري، يقول: كل من قال لا اله الا الله يدخل الجنة. سأله أبو ذر الغفاري وإن سرق وإن زنا يا رسولَ الله؟ أجاب وإن سرق وإن زنا. أعاد أبو ذر السؤال فكرر النبي الاجابة نفسها. وفي المرة الثالثة قال النبي: وإن سرق وإن زنا رغم أنف أبي ذر. أنا أشك، والكثير من المفكرين الاسلاميين يشكّون، بصدور هذا الحديث عن النبي. لآ أشك أبداً بصدق أبي ذر ولا بصدق الامامين البخاري ومسلم، بل أشك ببعض الرواة. بين النبي والامامين ما يقرب من مئتي سنة. (البخاري: 194 هـ - 256 أو 810 م – 870) ومسلم: 206 هـ -261 أو 822 – 875). هذا الحديث مأخوذ من فلان عن فلان عن

فلان كما كل الاحاديث... فلو صح هذا الحديث عن النبي فكيف نبرر قوله: جئت لأتمم مكارم الاخلاق؟ وأين مكارم الاخلاق في اسرق وازنِ وافعل ما تشاء ثم قل لا اله الا الله وتدخل الجنة؟ وماذا نقول في الاية: من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره؟ (سورة الزلزلة). هل حديث منقول عن عدة فلانات أصدق من القرآن؟ هناك دعوات كثيرة لتحديث الفكر الاسلامي، منها دعوة عبد الفتّاح السيسي. التقط هذه الدعوة، قبل السيسي وبعده، مفكّرون اسلاميون كثيرون منهم اسلام بحيري، شكَّك في بعض احاديث مسلم والبخاري وطالب بقياسها على القرآن.. أقيمت عليه دعوى ازدراء الاديان وحُكِم عليه بالسجن عاماً كاملاً.

مثل آخر: الحجاب في الاسلام. عُيّنت سنة 1980 مدرساً للغة العربية في اوبرن. كانت المدرسة، ولا زالت، تضم غالبية مسلمة: أكثرمن ثمانين بالمئة من طلابها. كان عدد المحجبات قليلاً جداً. لا يتجاوز العشرة بالمئة في أحسن الحالات. اليوم أصبحت النسبة أكثر من تسعين بالمئة. فهل هذا يعني أن فتيات اليوم أطهر وأكثر عفّة من امهاتهن؟ ولماذا في فترات الصعود الوطني ينحسر الحجاب. وفي اوقات التخلف التي يمر فيها العالم الاسلامي تجد التحجب قضية أساسية؟ لم يكتف الفقهاء والدعاة بالحجاب الذي تعودنا عليه بل زايدوا في التغطية وكفّروا من لا يجاريهم فيما يفعلون. هل يعلمون ان الحجاب لم يخترعه الاسلام؟ وانه موجود قبل الاسلام بـ ألفي سنة على أقل تقدير؟ فالاشوريون فرضوه على نساء الطبقة الارستقراطية ليُعرفوا ويُمَيَّزوا عن العامة والجواري. انه تشريع طبقي اجتماعي في الاساس مثبت في شرائعهم. منهم انتقل الى الفرس واليهودية والمسيحية والاسلام. المسألة الثانية هي عدم وجود ايات قرآنية واضحة وصريحة تفرض التحجب بمعناه اليوم على المسلمات. ورغم وقوف الكثيرين من المفكرين الاسلاميين ضد الزامية الحجاب ومنهم جمال البنا الاخ الاصغر لمؤسس الاخوان المسلمين. إلا أن الاسلام السياسي فرضه وأصبح الكلام فيه من المحرمات. يكفَّر من يقول عكس كلامهم ويُهدر دمه ويُقتل كما قُتل الدكتور فرج فوده أحد الذين حاولوا تجديد الفكر الديني في مصر.

مثل ثالث وأخير: العداء المستحكم بين كل الحركات السلفية والاصولية والحداثة. أو بين جمهور واسع من المسلمين والحداثة. المحاولة الوحيدة لمصالحة الاسلام مع العصر كانت في تركيا قبل أردوغان. مع حزب عدالته بدأ بمعاداة الديموقراطية وحقوق الانسان واعادة تركيا الى احضان الخلافة. هناك من يقول باستحياء ماليزيا. كما أن هناك بصيص أمل آتٍ من تونس. عدا ذلك فكل الانظمة العربية والاسلامية بالتحديد هي على عداء مع الآخر. الآخر غير موجود في قاموسنا. يجب الغاؤه. الآخر السياسي، الآخر العرقي، الآخر الديني، الآخر المذهبي، وبالطبع ألآخر الثقافي. الاسلام المهيمِن فتح معركة مع التقدم والعلم والحداثة. من تعاليم الاسلام القضاء على الجهل والفقر والمرض. "لو كان الفقر رجلاً لقتلته". لا تجد في الدول الاسلامية الا الجهل والفقر والمرض. او تجد الجهل والتخلّف المركَّبَين كما يقول المفكر السعودي ابراهيم البليهي. الخلفاء الراشدون لم يقولوا عن الانظمة الوضعية انها كفر بل أخذوا بها وطبّقوها في البلدان التي فتحوها. الاسلام دعا الى العلم. وفقهاء اليوم يكفّرون العلم إلا إذا كان يصب في مصلحتهم. العالم "الكافر" يقدم الاختراعات الحديثة، ومَن يسمّونهم "علماء المسلمين" يقلِّبون الاختراعات على بطن وظهر ليفتوا إن كانت حلالاً أم حراماً. الاسلام استهلَّ دعوته بـِ: إقرأ. والاميّة متفشية والويل لمن يقرأ ويفهم على ذوقه. الدين، كل دين، أتى أساساً لخدمة الانسان. وبعض مسلمي اليوم يفجّرون الانسان يفخخونه يذبحونه وهم يهللون و يكبرون. هل هذا ما يريده الله؟ أسئلة كثيرة تبحث عن اجابات. ولن نجدها الا عندما يتصالح الاسلام مع العصر وعندما يصير الدين في خدمة الانسان وليس العكس.

من الواضح من الامثلة أعلاه، وغيرها الكثير، أن الاسلام الروائي أو التراثي أو اسلام الاحاديث والبخاري ومسلم هو الذي أزاح الاسلام القرآني واحتلَّ الواجهة حتى لو تعارض، في كثير من مروياته، مع القرآن الكريم.

رابعاً: الممارسات المحسوبة على الاسلام: في الخارج كلنا نسمع بما يجري. ممارسات بربرية بحق انسانية الانسان لا يبررها أي منطق أو دين. أنظمة تستبيح دماء شعوبها مرة باسم الدين ومرة باسم العسكر، وبالمرَّتين للمحافظة على أشد الانظمة قمعية ووحشية وهمجية. ومعارضات دينية أكثر وحشية وباسم الاسلام أيضاً. ويخيّروننا بين هذه وتلك. يهرب المسلمون من الارهابَين فيندسّ بينهم ارهابيون يفجّرون ويقتلون رعايا الدول التي فتحت ابوابها لهم وهم يصيحون الله واكبر. المؤسسات الاسلامية الرسمية تدين بخجل ولا تكفّر. ألازهر مثلاً، بجبهة علمائه، رفض تكفير داعش والقاعدة ولكنه كفَّر فرج فودة و نصر حامد أبو زيد ونوال السعداوي وسيِّد القمني واسلام بحيري ويوسف زيدان وفاطمة ناعوت وكثيرين من المفكرين التنويريين غيرهم... أما في استراليا فكلنا سمع بالجهاديين الذين ولدوا بيننا وعاشوا معنا ثم رفضوا ثقافة مجتمعنا والتحقوا بداعش او بالقاعدة وجزّوا الرؤوس وتباهى بحملها الاطفال. "لندت كافي" لا زالت بالذاكرة وقبلها مجزرة بالي، وبعدها عشرات الحوادث ما بين قتل ومحاولة قتل وطعن بالسكين وتخطيط لضرب بعض المرافىء ولذبح استراليين. هناك بيئة حاضنة للفكر السلفي أو الاصولي أو الجهادي في

استراليا. يشددون على الشكليات ويتناسون الجوهر: الأكل حرام. اللبس حرام. البحر حرام. دق الجرس في مدرسة حرام. الفن حرام. الرقص حرام. الموسيقى حرام... وبوكو حرام: حلال. اللباس الاسلامي حلال. وكأن الله صمّم لهم أزياء خاصة بهم... أنا أعرف ان هذه الفئة هي الاقلية بين المسلمين في استراليا. ولكنها أقلية الصوت العالي، والصورة الواضحة التي يركِّز عليها الاعلام. يسمعها العنصري الاسترالي ويهلل لها بشغف ليأخذها ذريعة يبني عليها معارضته لهجرة كل المسلمين الى استراليا. لا يفرِّق بين سنّي أو شيعي أو علوي أو درزي. فالحسن عنده أخو الحسين.

في اوروبا القرون الوسطى كانوا يقولون المسيحية هي الحل. ويقتتلون ويتذابحون. و اليوم يقولون الاسلام هو الحل. ويقتتلون ويتذابحون. فأي اسلام هو الحل؟ أهو الاسلام السعودي أم الايراني أم التركي أم الافغاني؟ وهل هو على الطريقة الوهابية أم الاخوانية أم الجهادية أم الداعشية؟ ومعظم الفرق الاسلامية لا تعترف إلا بنفسها وتلغي الآخرين. الحل هو العلمنة وفصل الدين عن الدولة. مجتمعنا الاسترالي يقوم على العلمنة. يحترم كل الاديان. يحمي المتديِّن ويحاقظ على حقوقه بغض النظر عن الطريقة التي يعبد بها ربَّه، كما يحمي غير المتديِّن ويحافظ على حقوق الجميع. وعلى كل المتنورين، في أي موقع، تقع المسؤولية. فهل نكون جديرين بحملها؟

[email protected]