(نداء من الليبراليين العرب). هذا هو عنوان الخطاب الذي تم تقديمه إلى رئيس مجلس الأمن وأعضائه والأمين العام للأمم المتحدة من قبل بعض الفعاليات الليبرالية العربية للمطالبة بإنشاء محكمة دولية للإرهاب، يكون هدفها ملاحقة الإرهاب، ودعاته، وفقهائه، ومعاقبتهم، كما جاء في البيان، الذي تناقلته وكالات الأنباء، ووسائل الإعلام مؤخراً.

هذا الخطاب، أو النداء، هو في تقديري، وحسبَ قراءتي له، تصرف يندى له الجبين. نعم، كلنا ضد الإرهاب، وكلنا ضد القتل والتدمير، وإراقة الدماء، واستغلال الدين لإشاعة الفوضى وهز استقرار المجتمعات وأمنها. كما أننا نؤمن إيماناً راسخاً أن الإرهاب لا يُبرر؛ فليس من أخلاقيات المسلم المتحضر والواعي أن يتلمس له أعذاراً، أو أن يبحثَ له عن مبررات، حتى وإن حاول بعض البسطاء والسذج، ناهيك عن المغرضين، ذلك. غير أن هذا لا يُعفينا البتة من قراءة الواقع قراءة منطقية وموضوعية، ومن ثم الحكم على هذا الواقع بتجرد. ونحن عندما نمارس النظر إلى الإرهاب من زاوية واحدة ومحدودة، وبطريقة مُبتسرة أو مبتورة، كما هو شأن ذلك النداء، نكون في الواقع بمثابة المدلسين والمزورين وأصحاب الأهواء، بكل المقاييس. هذه حقائق لا يمكن أن نتجاوزها بأي حال من الأحوال.

ولا أعتقد أن ثمة عربي أو مسلم، بما فيهم الموقعين على البيان ومعديه ـ هذا إذا أحسنا الظن بهم ـ لا يتفقون معنا على أن الإرهاب الإسرائيلي، والقتل والتدمير، وتشتيت الشمل، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية صباح مساء في فلسطين، وعلى مرأى ومسمع من مجلس الأمن (الموقر)، هو بكل المقاييس إرهاب أيضاً؛ فلماذا إذن ( ينتقي) الذين صاغوا الخطاب حالات مُحددة، وأسماء إسلامية وعربية بعينها، ثم يأتون بها على سبيل المثال، في إشارات لا تخفى على الحصيف؛ في حين يصمتون، ولا ينبسون ببنت شفة، تجاه ما يقوم به (فقهاء) الإرهاب وأساطينه في إسرائيل. هل لأن أولئك مثلاً (شعب الله المختار) كما يزعمون بينما نحن أبناء الأرذلين؟!.

وأرجو ألا يُفهمُ من مقالي هذا أنني أدافع عن (الإرهاب)، أو عن دعاته بيننا، أو منظريه في البلاد العربية والإسلامية الأخرى، بل أعتقد جازماً أن مكافحة هذا الفكر المنحرف، وملاحقة أساطينه والدعاة إليه، مهما تلبسوا بلباس الدين، من أهم الواجبات علينا، وأكثرها إلحاحاً؛ فما يمر به الإسلام من أزمات في وقتنا الحاضر، وما يمر به المسلمون من اضطهاد وتقصد من قبل أعدائهم، كان بسبب هؤلاء المنظرين والدعاة السذج والجهلة ومحدودي الرؤية والأفق السياسي ؛ الذين يرفعون شعار (الجهاد)، إما عن جهل بواقع المسلمين، أو عن قصد وتعمّد لغايات في نفس يعقوب، و بسببهم تحول واقعنا في النتيجة إلى ما ترون. ولعل ما ترتب على أحداث 11 سبتمبر من كوارث ومصائب حلت بنا، وتلاحقنا أينما ذهبنا واتجهنا، و كذلك ما يجري الآن على أرض العراق من قتل وذبح وتدمير واغتيالات تحت مسمى (الجهاد)، يؤكد للإنسان العاقل ما أقول.

غير أن من العدل أيضاً، ووضعاً للأمور في نصابها، القول : أن الإرهاب، والتقتيل، والتدمير، ملة واحدة. فالذين ينحرون الناس نحر الكباش في العراق مثلاً، لا يختلفون أبداً عَمّن ينحرون الناس في فلسطين. الفرق أن هؤلاء يتلبسون بلباس الإسلام وهم أبعد ما يكونون عنه، وأولئك يتذرعون بالأساطير التوراتية المزعومة التي تبيح لهم الذبح والتدمير في فلسطين، لتصبح النتيجة هنا كما هي هناك تماماً. فلماذا إذن نطالب الأمم المتحدة بملاحقة ومحاكمة ومعاقبة بني جلدتنا، ونسكت عن المطالبة بملاحقة وبعقاب الإسرائيليين، هل وصل بنا الإجحاف، بل والتنكر لأبناء أمتنا، إلى هذا الحد؟. ثم هل من أخلاقيات (الفكر الليبرالي) الذي يدّعون أنهم ينتمون إليه (التحريض) على الآخرين في حين أنهم لا يملون من تكرار إيمانهم بحرية (الرأي)، والاحتكام إلى الحوار عند الاختلاف؟ ؛ أبن تلك المبادئ المزعومة من هذه الممارسات بالله عليكم؟!.

أعلم يقيناً أن هذا الخطاب (الفضيحة) لن يبقى في أضابير مجلس الأمن، ولن يظل حبيس دروج الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، بل سيُـفعّل بكل ما تحمله كلمة (تفعيل) من معنى، هذا إذا لم يَبدأ تفعيله أصلاً. وسيكون بكل تأكيد بمثابة الشرارة التي ستشعل ناراً لا يعلمُ إلا الله مدى ما سيترتب عليها من تبعات ومطالبات. وقد علمنا التاريخ، وعلمتنا التجارب، مع هيئة الأمم المتحدة أن الكيل بمكيالين هو من أهم (ثوابتها)، وثوابت مجلس الأمن على وجه الخصوص، في التعامل مع الشعوب العربية والإسلامية؛ وهذا الخطاب يعطي الفرصة سانحة، وعلى طبق من ذهب، وبحجة (شهد شاهدٌ من أهلها)، لأن يُمارس الغرب إحدى (ثوابته) في تحيّن الفرص لشن الحملات تلو الحملات علينا بدعوى مكافحة الإرهاب، في حين أنهم، وبكل وضوح ومكابرة يُمارسون حق (الفيتو) ضد أي قرار يتضمن ولو مجرد ( استنكار) لما يُمارسه الإسرائيليون في فلسطين من إرهاب. والسؤال : هل يُدرك معدو البيان مدى الإجحاف والظلم والتجني الذي ارتكبوه في حق أمتهم عندما أعدوا هذا الخطاب بهذه الرؤية المبتورة؟. ثم هل مجلس الأمن بأعضائه، وتاريخه معنا، محل إنصاف وعدالة حتى نُنهي إليه شكوانا ومعاناتنا من الإرهاب؟. سادتي : أقسم بالله عيب !.

مقالات ذات صلة ببيان الليبراليين العرب:

نص البيان الذي وجهه اليبراليون العرب إلى الأمم المتحدة

محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

بل كله عيب أيها السيد المصري!

*

إبراهيم المصري
ليس عيباً.. وإنما ضرورة

حمل بطيختين بيدٍ واحدة

*

د. رجاء بن سلامة
لماذا وقّعت البيان المجرّم لفتاوى الإرهاب

*


محمّد عبد المطّلب الهوني
فضيحة آل الشّيخ مردودة عليه

*

د. شاكر النابلسي

لا أب ولا أبوات لـ البيان الأممي ضد الارهاب!

لماذا كان البيان الأممي ضد الارهاب ولماذا جاء الآن؟

*

نصر المجالي
بيان فيه تحريض وتنوير

*

د. إحسان الطرابلسي
بيان الليبراليين الجُدد وامتحان الصدقية

*

علي ابراهيم محمد
ما حاجتنا لبيان متوازن

*

إنشقاق في معسكر الليبراليين العرب