تبدو اليوم عملية دراسة بعض المفاهيم المتباعدة اصطلاحيا جزءً من تكامل معرفي مطلوب لا تتم عملية الفهم والاستيعاب إلا من خلالها, فمصطلحات مثل الديمقراطية والبعد العالمي وحقوق الإنسان وغيرها تدخل ضمن الموضوعة السياسية أكثر منها في موضوعات العلم والتعليم إذا ما حاولنا التحقيل أو التصنيف. ومن هنا تبرز بعض الأسئلة عن مدى العلاقة بين المفهومين" التعليم والديمقراطية" ومدى ضرورة تلازمهما وفي أي المواضع؟ فإذا ما عرفنا أن منهجية التعليم في العراق قد اعتمدت ومنذ بدايات دخول المدرسة بمعناها الحديث في بدايات القرن الماضي على نمط تعاملي متوارث من الحياة التعليمية في قرون الدولة الإسلامية وما تلاها من انقطاع خطير عن التواصل المعرفي وبالتحديد في أبان الاحتلال العثماني والذي عرف عنه قسوته وطول فترته وممانعته الكبيرة من توسيع دائرة العلم والمعرفة وبالذات تحريمه طباعة الكتب لأكثر من ثلاثمائة عام مما حرم العالمين العربي والإسلامي؟ الجزء الواقع في دائرة الاحتلال العثماني؟ من التطور العلمي والثقافي على مدى ثلاثة قرون, وبعد دخول الإنكليز بغداد عام 1917 لم يكن هناك سوى أربعة مدارس فقط. وقد اعتمدت الدراسة عموما على (نظام الكتاتيب كما هو الحال في بداية العصر العباسي, وحتى ما بعد تأسيس الدولة العراقية لم يبلغ عدد طلاب الكليات الحكومية إلا (99) طالبا في العام 1921- 1922 الذي ازداد إلى (1218) طالبا في العام 1940- 1941 وإلى (8565) في العام 1958- 1959 وارتفع عدد طلاب المدارس الحكومية من (229 إلى 13969) ثم إلى (73911) في السنوات نفسها) (1) وبالرغم من ارتفاع عدد الطلاب والمدارس بشكل متزايد وصل إلى رقم بالملايين قبل سقوط النظام في العراق في التاسع من أبريل عام 2003 إلى أن طيلة هذه العقود من الحياة التربوية في العراق ظلت طريقة التعليم والعلاقة بين الطالب والأستاذ مرهونة بالإرث القديم من التعاملات المبنية على مفاهيم مثل " من علمني حرفا ملكني عبداُ" - "كاد المعلم أن يكون رسولا" وهي مفاهيم قد حددت نمط العلاقة التسلطية بين المعلم والطالب وساهمت بدرجة أساس في بقائها متواصلة مع فترة الكتاتيب والمقتصرة على نمط بدائي من التعليم يعتمد الحفظ أساس التعلم دون الغور إلى منطقة الفهم والمناقشة والاستنتاج مؤكدةُ في الوقت ذاته على نظام الثواب والعقاب وهو من المفاهيم المستمدة من التأثيرات القديمة في العملية التعليمية والتي يأخذ العقاب فيها أحيانا درجات من العنف تتصاعد أحيانا مع ارتفاع درجات التسلط التي يشعر بها المعلم وبالأخص أولئك الذين يتولون مناصب إدارية, وبالرغم من أن التعليم قد توسع في العقود الأخيرة من القرن الماضي وزاد عدد الجامعات إلى أكثر من عشرين جامعة وآلاف المدارس والمعاهد إلا أن هذا التوسع قد صاحبته مشكلات كبيرة تتعلق بتوفير الكادر المتخصص والمدرب وبالتحديد في الجامعات العراقية التي تستقبل أعداد كبيرة من التدريسيين البارعين في حقول تخصصهم والذين يفتقدون في الوقت ذاته الكيفية أو الطريقة الحديثة في التدريس ويعتمدون بالدرجة الأساس على مدرسيهم القدماء أو إحدى طرق التدريس التي انتهجها أحد ما قبلهم وقد أعجبتهم لسبب ما أيضا!! وقد وجد الباحث أن نسبة 82% من المدرسين المنظمين لدورات التأهيل في الجامعات العراقية ليست لديهم خبرات في طرق التدريس الحديثة وأن نسبة 98% منهم لم يطبقوا الطرق الحديثة في التدريس مثل طريقة التعليم المبرمج والتعلم الذاتي(2). ولعل هذه النتائج تثير أكثر من تساؤل عن مدى تأثير كل ذلك على العلاقة بين الطالب والأستاذ, والطالب وطريقة التدريس, ومعلم المستقبل في العراق.

الديمقراطية وطرائق التدريس:

إذا ما كانت الديمقراطية في جزء من تطبيقاتها إعطاء الأخر حق الرد وحسن الإصغاء واحترام رأي الأخر أو حسب قول فولتير" أنا لا أتفق معك في كلمة واحدة مما قلت ولكني سأدافع عن حقك في الكلام وحرية التعبير عن أفكارك حتى الموت" فأن ذلك كله لا يأتي من فراغ حتما دون أن يؤسس له في المنهج التعليمي ويطبق في طريقة التدريس, سواء أكان ذلك عبر المناهج أو الدورات التأهيلية أو التطبيقات الحياتية المختلفة.
وإذا كنا هنا نعنى بموضوعة التعليم والديمقراطية فأننا نود أن نتفحص مفردات العملية التعليمية ومدى علاقة كل مفردة منها بموضوع الدراسة. فالطلاب على اعتبارهم أحد الأركان الثلاثة في العملية التعليمية بلغ عددهم في العراق أكثر من خمسة ملايين طالب موزعين على المراحل الدراسية المختلفة, وهو رقم يعادل نفوس بعض الدول العربية وأحيانا يعادل نفوس أكثر من دولة, وتشير الإحصائيات أن النسبة الأعلى من هذا الرقم تنحصر في المراحل التمهيدية للتعليم في العراق, لوجود قانون إلزامية التعليم في العراق مما يحتم دخول جميع الأفراد الذين يبلغون ست سنوات من العمر. والحديث عن الطالب في مختلف المراحل الدراسية في العراق يحتم الحديث عن عائلة الطالب أيضا وانعكاسات الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للعائلة عن الطالب. فلم يعد الطالب مواطنا في مجتمعه المحلي فقط، بل أصبح مواطنا في مجتمع دولي، وأصبح يعيش في عصر سريع التغير يتطلب مهارات ومعلومات تساعده على العيش في عصر المعلومات. من هنا ازداد الاهتمام لدى التربويين بطرح مقررات في الدراسات الدولية أو العالمية أو إضافة بعد عالمي إلى المقررات المختلفة كاللغات والدراسات الاجتماعية والأدب والتجارة وإدارة الأعمال والاقتصاد والزراعة والجغرافيا والتاريخ) في مختلف المراحل (من الروضة حتى الجامعة) خاصة في السنوات القليلة الماضية. وهو الأمر الذي تفتقر له المناهج الدراسية العراقية لخضوعها إلى تغيرات مستمرة بفعل التدخل السياسي للنظام السابق ومحاولته أدلجة التعليم وفرض أفكار حزب البعث ذات الطابع القومي والتعصبي فضلا عن إدخال عسكرة التعليم كجزء من مفردات الحياة اليومية للطالب وإلغاء فترات العطل الصيفية وإبدالها بقسرية التدريب العسكري والتحاق الطلاب في معسكرات الجيش والتعامل معه على أساس كونه جنديا ينطبق عليه التعليمات الصارمة التي تنطبق على الجنود المحترفين ففي عام 1987 تم فصل اكثر من 500 طالب من كلية الفنون الجميلة وحدها من الدراسة كونهم قد تغيبوا عن ساحات التدريب لمدة سبعة أيام فما فوق وتم إلحاقهم بوحدات الجيش النظامي وقتل الكثير منهم فيما بعد في الحرب العراقية الإيرانية. وقد انعكس هذا الأمر على الحالة النفسية للطالب الذي أصبحت هذه المواد عبئا نفسيا ثقيلا عليه يتمنى أن تطول فترة الدراسة كي لا تأتي العطلة الصيفية ويزج به في أتون الحرب. وأصبحت عملية إكمال المنهج الدراسي أو تحديثه وإدخال البعد العالمي أليه موضوعة ليست ذات أهمية ما دام التفكير متجه من قبل الطالب والأستاذ على حدٍ سواء للدفاع عن أنفسهم في عملية الموت هذه. ولعل الخلل يكمن في نوع التعليم وطرائقه، ومدى تأثيرهما في أنماط السلوك وفي تغير عمليات التفكير، فنظام التعليم وبرامجه وطرائقه لم يستطع أن يؤثر في السلوك، ولا يغير النظرة إلى الواقع والمحيط المادي التي اكتسبها التلميذ منذ طفولته في أسرته ومحيطه الاجتماعي, لأن العلوم ليست مجرد مجموعة من المعارف يحفظها المتعلم ويقوم بتذكرها وتقديمها في اختبار تحريري، كما أنها ليست سلسلة من تجارب يتم أداؤها في المختبر فقط، بل إن العلوم نشاط تعليمي يتناول القيام بمجموعة من الأنشطة العلمية تتضمن الملاحظة والتمعن في الكون، والبحث والاستقصاء بعمليات علمية يمارسها التلاميذ للوصول إلى تأكيد لحقائق ومفاهيم معروفة أو إلى حقائق جديدة، وربما حقائق أفضل، وتصحيح مفاهيم خاطئة.

تجارب سابقة
وقد اهتم التربويون في العالم كثيرا بموضوعة الديمقراطية والتعليم وكيفية تضمين المنهج الدراسي ما يعزز هذه النقطة, وقد تم أجراء بحوث في المناطق التي تحتوي على تنوع عرقي ومذهبي ومن بين تلك الدراسات:
قامت ديموفسكي ونيموث Demovsky and Niemuth (1999) بتصميم برنامج هدف إلى زيادة المهارات العالمية وزيادة وعي طلاب الصف السادس والمرحلة الثانوية ممن يعانون من صعوبات في التعلم بالتنوع العرقي في الفصل وإشاعة مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. حيث ركز البرنامج على استخدام التدريس المباشر المعتمد على مهارات استخدام الخرائط والأحداث الجارية والتعليم التعاوني، والتسامح، ووضع الطلاب في مواقف تساعدهم على فهم القضايا العالمية. وأظهرت نتائج التدريب ازدياد احترام الطلاب للاختلافات الثقافية. وأصبحوا أكثر قدرة على التواصل مع بعضهم البعض، وتحسن فهمهم للجغرافيا البشرية(3).
وفي دراسة ثانية استخدم أنجري ( Angry 1992) برنامجا تدريبيا لزيادة الوعي العالمي لدى طلاب المرحلة المتوسطة. حيث قام بتدريب الطلاب على مهارات تحديد المواقع التي يحتاج إليها الطلاب في تعلم القضايا العالمية وأماكن حدوثها. وقام الطلاب بتجميع حقائق عن اعتماد دول العالم على بعضها البعض، وكتابة تقارير ومقالات بالاعتماد على مراجع من المكتبة، وتابعوا الأحداث العالمية في كراسة خاصة طيلة مدة التدريب. فأظهرت نتائج التدريب زيادة في معلومات الطلاب عن اعتماد دول العالم على بعضها البعض. وأصبح الطلاب أكثر اهتماما بالشؤون العالمية والأحداث الجارية في العالم (4).
ومن بين الأسئلة التي تطرحها هذه الدراسات :
1/ هل تقدم مقررات الدراسات الاجتماعية لطلاب المرحل المختلفة موضوعات عالمية؟
2/ في أي صف تدرّس الموضوعات العالمية؟
3/ ما نسبة الموضوعات العالمية إلى الموضوعات المحلية في كل صف؟
4/ ما المحاور التي تركز عليها الموضوعات العالمية في كتب الدراسات الاجتماعية ؟
أي هل تركز كتب الدراسات الاجتماعية على:
(أ) الأنظمة الثقافية والبيئية والاقتصادية الخ
(ب) القيم الإنسانية والديموقراطية
(ج) القضايا الملحة
(د) تاريخ العالم. وما درجة تركيزها على كل محور من المحاور السابقة؟
الديموقراطية و البعد العالمي في المنهج التعليمي.
يشير البعد العالمي إلى ما يتعلق بالبلدان الخارجية بالنسبة لبلد الطالب من موضوعات وبرامجيات وبصريات تتضمنها الكتب التعليمية للمراحل الدراسية كافة. ويمكن أن تدور الموضوعات العالمية حول النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتاريخية والجغرافية والبيئية والثقافية والدينية في الدول الأخرى في العالم (غير بلد الطالب). واقرب مثال إلى ذلك هو كتاب الأطلس التعليمي الذي كان يوزع على الطلبة في مادة الجغرافية ولكنه ظل محصورا في التضاريس الجغرافية دون التطرق للعادات والتقاليد واللغات والأديان التي تسكن في هذه المناطق
الديموقراطية؟ الموضوعات العالمية في الدراسات الحديثة؟:
تتكون قائمة موضوعات الدراسات الاجتماعية العالمية ما يلي:
الموضوعات التي تركز على الأنظمة العالمية وتشمل:
cultural systems 1/ موضوعات تركز على الأنظمة الثقافية
الموضوعات التي تعرض الأنساب والحكايات الشعبية والفنون واللغة والملابس والطعام والعادات والأعياد والمساكن والأديان والتربية والجغرافيا والأسرة والرياضة والألعاب والممارسات الطبية.
ecological systems موضوعات تركز على النظام البيئي 2/ مثل التلوث الهوائي والمائي والتخلص من النفايات وقطع أشجار الغابات وتأثير البيوت المحمية وتخطيط المدن والفصائل المعرضة للانقراض وحرائق الغابات والتغيرات التي طرأت على الطقس وطبقة الاوزون.
3/ موضوعات تركز على الأنظمة الاقتصادية مثل التجارة الدولية والاقتصادية والسياحة والمهن والمصادر الطبيعية.
4/ موضوعات تركز على الأنظمة السياسية كالأنظمة الديموقراطية والشيوعية والاشتراكية، والعمليات السياسية وتقويمها لتنمية المهارات اللازمة للمساهمة كمواطنين مسئولين.
5/ موضوعات تركز على الأنظمة التكنولوجية وتشمل استخدام الفيديو واسطوانات الليزر وبرامج الحاسب ودوائر المعارف الالكترونية وقواعد المعلومات الالكترونية ونظم الاتصالات.
6/ موضوعات تركز على المنظمات العالمية مثل الأمم المتحدة والمنظمات المتفرعة عنها، منظمة الدول المصدرة للنفط، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الإفريقي، منظمة المؤتمر الإسلامي...الخ
7/ موضوعات تركز على القوانين الدولية.
8/ موضوعات تركز على النظم الصحية.
9/ موضوعات تركز على النظم التعليمية والتربوية.
10/ موضوعات تركز على النظم الاجتماعية مثل الضمان الاجتماعي، رعاية كبار السن، التقاعد، التسريح من الخدمة، التأمينات الاجتماعية، رعاية المعوقين، رعاية الأحداث( 5).
والمتتبع لهذه القائمة يجد أن الفقرة الرابعة منها تكاد تكون مغيبة تماما من مفردات المناهج العراقية ومحصورة في درس الثقافة القومية (الملغى حاليا) وقد كان من الدروس الإجبارية المقررة على المراحل الدراسية كافة وتحديداً في المرحلة الجامعية والذي يتضمن رؤية حزب البعث لهذه المصطلحات وإضفاء الكثير من التشويه عليها ومحاولة زرع اتجاهات مضادة لها وخاصة تلك التي تتعلق بالدول الغربية ذات النفوذ العلمي والاقتصادي الكبير في العالم اليوم.
ولا يكفي لأجل تجديد التعليم إدراج مواد جديدة في المناهج، بل الأمر يحتاج إلى تصور دقيق للتفكير العلمي، وتطوير خصائص المتعلم، وطرائق التدريس التي ما زالت تقليدية, لا علاقة لها بنظرية علمية محددة، ولا تتأسس على معرفة حقيقية بنفسية التلميذ أو بقدراته العقلية والمعرفية، فما هو شائع في مدارسنا طرق تدريس تقليدية متوازنة تعتمد أساسًا على محورية دور "المعلم" الذي يلقن ويقرر ويحدد وينظم، وعلى تصور المتعلم وسلبيته في مواقف النشاط والتعلم لكونه عنصرًا منفعلاً فقط، وعلى تجزيئية المواد الدراسية وترتيبها وفق اعتبارات منطقية فالمعروف أن هناك الكثير من طرق التدريس و يمكن تقسيمها حسب الجهد المبذول إلى الطرق التالية:
1- طرق تعتمد على جهد المعلم: مثل طريقة الشرح والعرض والمحاضرة والتقديم وتعرف بالطرق الإلقائية.
2- طرق تعتمد على جهد الطالب: مثل طريقة المشروعات،طريقة الاكتتاب، التعليم المبرمج، طرائق تفريد التعليم.
3- طرق تعتمد على جهد المعلم والطالب معا: مثل الطريقة الحوارية، طريقة التعينات، طريقة حل المشكلات، طريقة المحاكاة.
ويمكن ملاحظة أن القسم الأول من هذه الطرق( الطرق الإلقائية) هو الغالب في التعليم العراقي في مختلف مراحله حتى الجامعية منها والتي ينبغي أن تؤكد على بناء شخصية الطالب وتمهد لدخوله في المجتمع بصفته مؤهلا للعمل. ومشكلة هذه الطريقة أنها لا تتيح للطالب أن يعبر عن آرائه من خلال مناقشة
الأستاذ لسببين رئيسيين: هما عدم وجود الوقت الكافي للمناقشة, والأعداد المتزايدة للطلبة في القاعات الدراسية, فضلا عن عدم بناء الدرس كي يتناسب واستقبال المناقشات. وقد انعكس ذلك على مهارات المناقشة وفن الإصغاء وكيفية تقبل الرأي الأخر وعدم مصادرة الآراء وهي جميعا تشكل ركنا مهما من تطبيقات الديمقراطية. بل وما يزيد الطين بلة هو تسلطية الأستاذ وانفراده بالرأي يصل أحيانا من بناء تصورات دائمة عن الطلاب لموقف ما ارتكبه هذا الطالب أو ذاك وقد استشرت في السنوات الأخيرة الكثير من العادات الغريبة في الوسط الجامعي والمتعلقة بالضغط الذي يمارسه بعض الأساتذة على الطلاب للانخراط في دورات التقوية التي يقيموها خارج أوقات الدوام الرسمي مقابل مبالغ كبيرة وانعكاس ذلك سلبا على الطلاب الذين يرفضون الانضمام إلى هذه الدورات, وهو بحد ذاته انتهاك لحقوق الطالب يمارسه الأستاذ نفسه على من ينبغي خدمته وتقديم افضل العون له!! ومن هنا لا بد من إزالة الشبح المرعب بين الطلاب وأساتذتهم لكي يكون ما يقدم لهم هيناً على أنفسهم وفي ضوء القاعدة التي تقول : لن يستمع الناس لرأيك وفكرتك إلا إذا أحبوك .
ولا بد من إعداد الأساتذة وتأهيلهم وذلك من خلال تخصيص سنة دراسية كاملة لمن أراد مجال التدريس من غير خريجي الكليات ذات العلاقة بالتدريس، لتدريبه على (مهارات التدريس وكيفية إيصال المعلومة) لا أن يتخرج الطالب من جامعته ثم يعين مدرساً بدون أية خلفية له عن التدريس كما حصل في السنوات الأخيرة. ولا بد من محاربة الأخطاء السلوكية الواقعة في المجتمع من خلال مناهج التدريس، وأن يكون المدرس نموذجا يحتذى في السلوك التربوي وأن يقترن كلامه بعمله. ويمكننا هنا أن نؤشر عددا من النقاط السلبية في هذا الباب مثلا:
1- اعتماد طرق التدريس في مدارسنا على الطرق التقليدية والتي أظهرت عدم فاعليتها في ظل التقدم العلمي.
2- ضعف مستوى ربط المؤسسة التعليمية بالمجتمع وظروفه ومشكلاته.
3- عدم تفعيل دور الأنشطة غير الصفية، بحيث أصبحت في مدارسنا بمثابة مضيعة للوقت والجهد.
4- افتقار المنهج الدراسي للبعد العالمي في الموضوعات وعدم تضمنه الجديد من التوجهات الحديثة في المناهج العالمية.
كما توصل الباحث إلى عدد من التوصيات جاء من أهمها ما يلي:
1- ضرورة تطوير مناهج التعليم والاستفادة من الطفرة العلمية والمعلوماتية تمشيًا مع متغيرات العصر واحتياجاته.
- أن يصبح المنهج الدراسي شاملاً لحياة الطالب، فلا يقتصر الاهتمام على جانب واحد من جوانب شخصيته, وهو الجانب العقلي المعرفي، وإنما يوجه الاهتمام إلى الطالب ككل وإعداده للحياة وسط الجماعة التي يعيش بينها كالاهتمام بجوانب تحصيل الحقائق والمعلومات، وتعلم المهارات المتنوعة، وتعلم أساليب التفكير السليم، والاتجاهات الصحيحة, وذلك من خلال إدخال البعد العالمي للمناهج وفقا لقائمة موضوعات هذا البعد المذكورة أعلاه .
3- العمل على إعداد المعلم الإعداد الجيد في المجالين التربوي والعلمي، حيث إن (معلم الضرورة) لم يعد مقبولاً في الوقت الراهن بالنسبة للتعليم العام, لأن نجاح التعليم يشترط فيه توافر المعلم المعد الجيد، والذي تقع عليه مسؤولية تبصير الطلاب بالاتجاه السليم وذلك عن طريق التوجيه الصحيح.
4- ضرورة تطوير طرق التدريس والوسائل والتقنيات التعليمية، وعدم التركيز على التدريس التقليدي الذي أظهر عدم فاعليته في ظل التقدم العلمي.
5- ضرورة الاهتمام بالديمقراطية وتطبيقاتها في مدارس التعليم العام والجامعات من الطلاب أنفسهم.
6- تأسيس مركز اتصال علمي بين الجامعات العالمية ونظيراتها العراقيات يعمل على تهيئة الفرص أمام الطلبة العراقيين للتدريب في تلك الجامعات وعقد المؤتمرات العلمية المشتركة بين الهيئات العلمية في الجانبين وتنفيذ المشاريع التنموية والاستفادة من الخبرة العالمية في شتى مجالات العلم والمعرفة وبالتحديد في موضوعات حقوق الإنسان والديمقراطية.
7 - ضرورة إعادة النظر في العلاقة بين الطالب والأستاذ المبنية على أساس بعض التقاليد القديمة والمتوارثة من نمط التدريس القديم. وضرورة إعادة تقييم برامج أعداد المعلمين وتزويدها بأحدث المستجدات في عالم التعليم الحديث.

المصادر
1/ حنا بطاطو، العراق52.
2/ د. حسن السوداني، نتائج استبيان دورة التأهيل التربوي(49) لأساتذة الجامعة المستنصرية، مركز تطوير طرق التدريس والتدريب الجامعي، 15/11/1997.
3/Demovsky, S. and Niemuth, J. (1999). The Global Classroom: A Study in Appreciation, Awareness, and Acceptance of Different Cultures and People in Our Ever Changing World. ERIC No. ED440901
4/ Angry, R. (1992). Developing and Implementing a Model for Improving Global Awareness in the Secondary School with Collaborative Learning Groups through the Aid of a Multimedia Approach. ERIC No. ED406245.
5/ د. ريما سعد الجرف، البعد العالمي في مناهج الدراسات الاجتماعية للمرحلة الثانوية في سنغافورة, كلية اللغات والترجمة، جامعة الملك سعود.

د. حسن السوداني باحث عراقي مقيم في السويد