من المعروف ان الليبرالية العربية فمر وحركة ناشئة، تنمو ببطء وتشق طريق وعر لها،وسط مناخ قاسي من المنتقدين سواء بدوافع الجهل او الخوف من القادم الجديد الذي يحمل لهذه الامة المفاجئات الكثيرة، والخوف من الصدمة من انها ستطيح بما اعتادت عليه من كسل وجمود ونظرة تشككية بالتغيير والاصلاح وريادة افاق المجهول. وفي خلافها عن الحركات الليبرالية في الغرب بما في ذلك في روسيا فليس للحركة الليبرالية العربية اصول بعيدة وموروث يمكنها توطيوره والاستناد اليها، وان اغلب المروجين لها جاءوا من بين الانتماءات اليسارية الاوربية سيما من الماركسية.
وفي روسيا اعلن الليبراليون عن حضورهم بقوة وسطوة مع انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. وتميزت حركتهم بطرح شعارات ذات توجه غربي صرف. ودعوا الى سحب القيم الغربية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا على روسيا. بل ذهبوا شوطا ابعد من ذلك حيث اكدت برامجهم على ان خلاص روسيا من كل الصعوبات والمتاعب التي تواجهها على مدى قرون مرهون اساسا باندماجها باوروبا الغربية. وطرحوا برامجا لجعل روسيا دولة مزدهرة وحرة تقوم على حرية الانسان ولكنها اتسمت بكونها برامج تجريدية تنسف الواقع. ومسك اللبراليون بالسلطة في التسعينات واطلقت يدهم لتطبيق برامجهم وافكارهم، ووضع منظروهم سياسة النسق العليا للسلطة، وبرروا قراراتها.ولكن الكبوات المتلاحقة والنتائج العكسية الكارثية التي اسفرت عنها سياستهم في كافة المجالات جعلت الناخب الروسي ينفر منهم ويتعامل مع شعاراتهم دون ثقة، فجاءت هزيمتهم المنكرة في الانتخابات البرلمانية عام 2003 ، وخسارتهم كافة مواقع السلطة، وعزلتهم اجتماعيا. وهذا ما جعل خصومهم يصفقون بفرح ويتحدثون عن موت " اليبرالية" في روسيا.
الليبراليون العرب لم يتحولوا لحد الان الى حركة سياسية لها حضورها المؤثر والنافذ على الارض، ومن الصعوبة الان الحديث عن الافاق والمستقبل للحركة الليبرالية العربية، وان كانت ستقوم على استعارة الليبرالية الاوربية، بمعناها الامريكي او الاوربي، ام تكون لها خصوصية تاخذ بالاعتبار الواقع العربي كمنحى ذهني وكموروث تاريخي ام تظل مناوئ ورافض لكل ذلك . ولابد من ان نطرح فرضية سياسية عن شكل الليبرالي التي يمكن ان تكسب بصفها المجتمع العربي ، فالوعي الليبرالي هو مستوى من التطور والارتقاء يمكن بلوغه بعد المرور بتجارب ومراحل طويلة. ولايمكن في هذه الحالة الحديث عن " حرق المراحل" التي نظرت لها الماركسية السوفياتية، ربما لاسباب سياسية او للفهم الميكانيكي لحركة التاريخ. ان هذا يستدعي الليبراليون العرب التمعن مليا في منطلقاتهم النظرية ودعواتهم حتى يظلوا مرتبطين بارض الواقع الصلبة وان لاينعزلوا عن الحركة والمجتمع الذي قد يصدر عليهم احكاما قاسية مثلما خلعت مختلف الصفات القبيحة على الليبراليين الروس وجرى نبذهم ليجدوا انفسهم على هامش التاريخ، بسبب طروحاتهم.
هناك من الباحثين من يذهب الى ان ليبراليي روسيا اليوم لايمتون باية صلة بالحركة الليبرالية الكبرى التي ظهرت قبل ثورة اكتوبر البلشفية عام 1917 والتي وقف على راسها مفكرون وفلاسفة كبار.
لقد طرح الليبراليون الروس افكارا وشعارات مست بالكرامة القومية الروسية في الاعماق. وروجوا لفكرة وصفت بانها تنطوي على عداء سافر للدولة الروسية تدعو الى تقليص الاراضي الروسية الى الحد الاقصى. انطلاقا من ان تخلي روسال عن الاراضي سيعجل من خروجها من حالة القرون الوسطى وانضمامها الى اوروبا الغربية. وينظر الليبراليون الى روسيا على انها ظاهرة مؤقتة.وجعلت هذه الافكار دوائر عدية تنظر الى الليبرالين على انهم حفار قبور لروسيا. سيما وانهم مقتنعون ايضا بتخلف الشعب الروسي وبكونه قاصر عن الارتقاء ذاتيا لوعي مصالحه. ويرون ان الواجب تكليف جيرانه من الدول الاوربية القيام بهذه المهمة له. ومن الواضح انهم يتعاطون باحتقار سافر مع سكان روسيا/ الذي يرونهم بانهم في حالة عاجزين فيها عن ادراك القيم الديمقراطية. ويضعون في مقدمة مهامهم كسر ارادة الاغلبية هذه واغامها على تقبلهم .وبهذا فانهم يجعلون من انفسهم قيميون على الاغلبية القاصرة.
ان الكثير من كتابات الليبراليين العرب ايضا تقع في نفس الورطة وتناى في نفسها في برج عاجي ولاترى في الماضي والحاضر العربي غير بقع سوداء، وحالة مستديمة من التخلف والظلام المتواصل. وكثيرا ما يتم هذا على اساس خلط الاوراق والاحداث والتواريخ والتعميم، الاسلوب الذي يعمق في الاذهان حالة الاحباط والهزيمة وعتمة الافاق، المترسخة في وعي المجتمع العربي برمته الان. وكأن الامر يدور حول نزع الذاكرة عن الانتصارات والبطولات والمنجزات الثقافية الكبرى.ويعيد للاذهان موقف الليبراليين الروس، الذي نشم فيه رائحة معاداة كل ما هو روسي، وعدم اتخاذ أي موقف يدعم روسيا في كافة الاحداث التي شهدتها الساحة السوفياتية سابقا. وعارضوا بشدة أي تقارب روسي مع الشعوب السلافية في بيلاروسيا واوكراينا وتقاربوا مع القوى المتطرفة المعادية للروس في تلك الجمهوريات. والسخرية من كافة اشكال المشاعر الوطنية والتنديد بها، والقاء الظلال على المفاخر القومية وتفريغ مضمونها. فالليبرليون في روسيا وضعوا في اولوية اهدافهم اضعاف اركان الدولة وسيادتها وكافحوا الوعي الوطني الرموز القومية المقدسة، وقسموا المجتمع الى طبقتين واحدة متفوقة ومتطورة تدرك قيم الحرية والديمقراطية والاخرى التي تمثل الاغلبية من " الرعاع" الذين ينبغي تطوريهم.
وعلى مل حال فان الليبراليين في روسيا، لايمتون بصلة بمواقفهم تلك الى اصول الليبرالية الغربية الحقة التي قامت منطلقاتها على الاعتراف بحقوق الانسان السياسية والاقتصادية في اطار القانون، وابدت ايضا الاهتمام بالميراث التاريخي والثقافي الوطني وطورته. وان الليبراليين العرب لذاك مدعويين للوقوف على ارض واقعية لاان يقفوا منعزلين عن الهموم والميول الحقيقية للاغلبية، وتحقيق الاهداف النبيلة التي يروجونها بمشاركتها في تجسيد القيم الليبرالية الحقة،وهذا لايتم الا في العثور على تعادلية غاية في الحساسة تجمع بين الموروث الوطني، والفكر الليبرالي الحديث.

مقالات ذات صلة ببيان الليبراليين العرب:

نص البيان الذي وجهه اليبراليون العرب إلى الأمم المتحدة

*

محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

البيان الفضيحة!

بل كله عيب أيها السيد المصري!

آل الشيخ يرد على منتقديه: اعترفوا بالخطأ

*

إبراهيم المصري
ليس عيباً.. وإنما ضرورة

حمل بطيختين بيدٍ واحدة

*

د. خالد شوكات
القرضاوي وبن لادن لا يوضعان في سلة واحدة

*

عزيز الحاج
البيان اللبرالي وخلط الأوراق

*


د. إحسان الطرابلسي
الغنوشية المتستّرة بثياب الليبرالية تفضحُ نفسها!

د. رجاء بن سلامة
لماذا وقّعت البيان المجرّم لفتاوى الإرهاب

تقول له انظر أمامك.. فينظر إلى يدك

*

محمّد عبد المطّلب الهوني
فضيحة آل الشّيخ مردودة عليه

عودة إلى بيان اللّيبراليّين العرب: ردا على آل الشيخ

القرضاويّ وبن لادن يوضعان في قفص واحد

*

د. شاكر النابلسي

لا أب ولا أبوات لـ البيان الأممي ضد الارهاب!

لماذا كان البيان الأممي ضد الارهاب ولماذا جاء الآن؟

*

نصر المجالي
بيان فيه تحريض وتنوير

*

علي ابراهيم محمد
ما حاجتنا لبيان متوازن

*

د. إحسان الطرابلسي
بيان الليبراليين الجُدد وامتحان الصدقية

*

إنشقاق في معسكر الليبراليين العرب