لم يدر بخلدي يوماً أني سأتعرض إلى رجل دين بالنقد، خاصة وإني تربيت ونشأت وسط عائلة كانت ومازالت متدينة جداً حيث كنا ننظر إلى رجل الدين بمنتهى القداسة والاحترام. كان ذلك قبل أن يتم اختطاف الدين وتشويهه من قبل المتطرفين وإقحامه في السياسة وجعله "أحبولة لف واصطياد" على حد تعبير شاعر الشعب الراحل محمد صالح بحر العلوم. ولكن بعد أن حصل ما حصل وحشر رجال الدين أنفسهم في ألاعيب السياسة ودسائسها وتسلطوا على رقاب الناس واتخذوا من الإسلام سلماً للسيطرة والنفوذ، وراحوا يلهثون وراء المناصب ويدفعون الشباب إلى قتل الأبرياء بحجة الجهاد في سبيل الله حتى صار الإسلام مرادفاً للإرهاب، ويصدرون الفتاوى بتشجيع ذبح الأبرياء وتدمير حياة الشعب العراقي، عندئذ فمن حقنا، أن نقول كلمتنا بحق هؤلاء الذين قال عنهم الإمام الباقر: " أخاف على أمتي من أئمة ضالين ". وإذا أراد رجل الدين ممارسة السياسة فعليه أن يتقبل أن نعامله كرجل سياسة وأن لا يتمترس بجلباب الدين في تمرير سياساته.
في مقالة سابقة لي بعنوان ( البعث يعمل لإشعال حرب طائفية ) ذكرت فيها أن البعثيين يروجون أن التفجيرات وقتل المدنيين الأبرياء واغتيال العلماء والأطباء ومطالبتهم بمغادرة العراق لتفريغه من العقول، هي من صنع الموساد والأمريكان. وليس مستغرباً أن نسمع الإدعاء ذاته من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله على خامنئي عندما قال ان الاستخبارات الاسرائيلية والاميركية هي التي تقف وراء الاعتداءات التي استهدفت مدينتي النجف وكربلاء اول من امس. وقال خامنئي في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي الايراني «انني على يقين ان اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والاميركية تقف خلف هذه الاحداث». (الشرق الأوسط، 21/12/2004).
ونحن إذ نسأل، لماذا سارع خامنئي إلى ترديد ادعاءات البعثيين الزائفة وما هي الأدلة التي اعتمد عليها ليكون "على يقين" من صحتها؟ تقول الحكمة (حدث العاقل بما لا يليق، فإن صدق فلا عقل له). فلو نظرنا إلى موقف التيار الديني المتشدد في إيران والذي يقوده السيد علي خامنئي، حاكم إيران المطلق، من تحرير العراق لعرفنا لماذا يطلق الرجل هذه التصريحات التي لا يمكن لأي عاقل تصديقها. فقد بات واضحاً أن سوريا وإيران تبنتا مخططاً استراتجيا ومصيرياً قبيل الحرب على صدام، غايتها تحويل العراق إلى "ضفة غربية كبرى" أو "فيتنام" ثانية، ضد أمريكا خدمة لأغراضهما وخوفاً على نظاميهما من المصير الذي لقيه نظام صدام حسين. ولذلك تم عقد (التحالف السوري -الإيراني - البعثي - الزرقاوي) لإفشال دمقرطة العراق على أمل إلحاق الهزيمة بالأمريكان عن طريق إغراق العراق بالدماء "وتحويله إلى مستنقع يمرغون فيه كبرياء أميركا كي لا تعيدها غلطتها ثانية" على حد تعبير البعض منهم.
طبعاً هذه السياسية ناتجة عن قصر نظر سببها العقلية الضيقة المحصورة في كهوف الآيديولوجيات الشمولية المظلمة التي تقضي على العقل وتمنعه عن التفكير السليم، وبتأكيد ستكون نتائجها كارثية عليهم وعلى شعوبهم المظلومة، تماما كما حصل لصدام حسين. فالعاقل من يتعظ بأخطاء غيره والجاهل لا يتعظ حتى من أخطائه.
ومع الزمن، فقد انكشفت المخططات الإيرانية السورية في دعم الإرهاب في العراق، سواءً من خلال الدعم الإيراني لمقتدى الصدر وجيش المهدي الذي كلف العراقيين آلاف الضحايا، أو تسهيل إيران وسوريا للإرهابيين الأجانب دخول العراق من حدودهما. لقد أرسلت إيران الألوف من رجال مخابراتها والحرس الثوري والإرهابيين الأجانب للقيام بأعمال القتل والتخريب كما ثبت ذلك من خلال الذين وقعوا في الأسر. ونفس الكلام ينطبق على سوريا، حيث يقوم أئمة المساجد هناك بتحريض الشباب على الذهاب إلى العراق للجهاد، حيث تفيد الأنباء أن هذه المساجد تحولت إلى مراكز لتجنيد الإرهابيين وتدفع حوالي 1600 جنيه استرليني لكل متطوع. وكما يعلم الجميع أن سوريا كإيران، دولة بوليسية لا يمكن لهؤلاء الأئمة أن يقوموا بهذا الدور التحريضي ما لم تدعمهم السلطة البعثية السورية. كذلك نعلم الآن أن قيادة حزب البعث العراقي هي في سوريا تقود الإرهاب من حلب.
إيران التي تتباكى ليل نهار على الشعب العراقي وتتهم أمريكا بالتفجيرات وبسرقة ثرواته النفطية وتطالب برحيل قواتها الفوري، هي نفسها التي أعلنت على لسان الناطق باسم وزارة خارجيتها ، احمد رضا آصفي (.... ان ايران ستطالب الحكومة العراقية المقبلة بتعويضات لما لحق بها من دمار خلال الحرب التي دارت بين البلدين (1980- 1988). ويقدر الايرانيون الاضرار التي لحقتهم بسبب الحرب بنحو الف مليار دولار. بينما أمريكا شطبت كل ديونها على العراق والبالغة 4.1 مليار دولار وتبرعت بما يقارب العشرين مليار دولار لإعمار العراق. فمن الحريص على مصلحة الشعب العراقي يا سماحة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية؟ إيران الإسلامية أم أمريكا "الشيطان الأكبر"؟ أفتونا يرحمكم الله!. ولماذا هذا التستر على الإرهابيين الحقيقيين والخوف من فضحهم؟ إن تستر على خامنئي على الإرهابيين البعثيين وحلفائهم من الزرقاويين الذين يتلقون مباركته ودعمه، من تهمة التفجيرات في كربلاء والنجف هو من باب (يكاد المريب أن يقول خذوني).
نعم، لدى الحكومة العراقية أدلة ثبوتية ومستمسكات تدين ضلوع إيران وسوريا بدعم الإرهاب في العراق، تؤكدها تصريحات رئيس الجمهورية ووزير الدفاع ووزير الداخلية عن دور هذين البلدين في تخريب العراق والعمل على منع الانتخابات فيه وأن لإيران عملاء من العراقيين يعملون لصالحها على حساب وطنهم وربما سيتم فضحهم في المستقبل القريب.
وهذا هو رجل الدين العراقي المتنور السيد أياد جمال الدين يقول: «نعم هناك تدخل كبير من دول الجوار وخاصة التأثير ماليا على الناس وكذلك بالنفوذ السياسي. وهناك رغبة جادة لدى ايران لتكون هي المهيمنة في البرلمان العراقي من خلال أصدقائها الموجودين داخل العراق، ولا ننسى ان هناك قوى سياسية عراقية لها علاقة وثيقة بايران كونها تأسست على الاراضي الايرانية وهي على علاقة وثيقة بها، هناك بعض الاحزاب السياسية العراقية ينص قانونها الداخلي على ان القائد الأعلى لهذا الحزب او هذه الحركة هو المرشد الأعلى للثورة الاسلامية في ايران، ولم يتم تغيير الدستور او النظام الداخلي لهذه الحركات والأحزاب حتى هذه اللحظة، وهؤلاء دعموا من قبل ايران بأموال هائلة وتحت خدمتهم القنوات الفضائية والصحف والمراكز الإعلامية وباستطاعتهم التأثير بقوة على آراء الناس، وأنا برأيي ان الصراع الحقيقي هو بين قوى ديمقراطية وطنية وبين قوى اسلامية تفكر بانشاء اقليم اسلامي او بلد اسلامي كبير بنوع من التحالفات الايرانية والسورية تحديدا». (الشرق الأوسط، 22/12/2004).
ومن كل ما تقدم، فإن الذين يحكمون إيران باسم الإسلام لن يتورعوا لحظة واحدة عن مخالفة المبادئ الإسلامية وضربها عرض الحائط والتحالف مع الشيطان وكافة أشرار العالم من البعثيين والقاعديين وغيرهم في سبيل تحقيق أغراضهم السياسية الدنيئة لضمان بقاء حكمهم المهزوز والمرفوض من قبل شعوبهم المظلومة وعلى حساب أمن وسلامة شعبنا. فعلي خامنئي وحكام سوريا البعثيون يريدون محاربة أمريكا على الأرض العراقية وبدماء العراقيين. ولكن للتاريخ منطقه، فجميع الحكام الظالمين انتهوا إلى مزبلة التاريخ. فرغم المصاعب التي يخلقها الإرهابيون ومن ورائهم، فإن شعبنا لا بد وأن ينتصر، لأن هذا هو منطق التاريخ. وإن غداً لناظره قريب.