" إن حظى كدقيق بين شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة يوم ريح إجمعوه
صعب الأمر عليهم ثم قالوا إتركوه
إن من يشقيه ربى كيف أنتم تسعدوه"

كان هذا من أخيب أبيات الشعر التى كنت معجب بها أثناء فترة مراهقتى وقد كتبتها فى الكراسة الخضراء والتى كنت أكتب فيها كل نفائس الشعر والأدب (وقلة الأدب أحيانا!!)، وفى الفترة الأخيرة تذكرت تلك الأبيات، وتصورت أن كاتبها لا بد وأن أكون غاية فى التعاسة، ولا بد أننى كنت غاية فى الهبل لكى أعجب بأبيات الشعر تلك لمجرد أن بها بعض التلاعب بالألفاظ. المهم مع نهاية عام 2004 وبداية عام 2005، نظرت الى الوراء، وسألت نفسى هل أعتبر حظى مثل الدقيق المنثور بين الشوك!! ورفضت الفكرة بشدة، وأكتشفت بأننى محظوظ جدا وحمدت الله وشكرته، وأنا محظوظ لأسباب لا تعد ولا تحصى، ومنها مايلى:
أنا محظوظ لأننى فى بلد أستطيع أن أتكلم وأقول رأئى بحرية فى أى موضوع من الموضوعات بدون أى خطوط حمراء أو صفراء أو خضراء، وهناك مئات الملايين غيرى فى العالم يفتقدون القدرة على الكلام.
أنا محظوظ لأننى أستطيع أن أرى بعينى وأقرأ بعينى كل ما أريد بدون أن يكون علىّ رقيب سوى ضميرى وذوقى، وهناك الملايين غيرى قد حرموا من نعمة البصر والرؤية والبصيرة.
أنا محظوظ لأننى أستطيع أن أسمع ما تستهويه إذنى، وهناك مئات ملايين غيرى لا يسمعون أو يسمعون ما يكرهون رغما عنهم حتى لو صموا آذانهم.
أنا محظوظ لأننى ما زلت أستطيع أن أستنشق هواءا نقيا وأشرب ماء نقيا، وهناك مئات ملايين غيرى يعانون من التلوث الجوى والمائى والتلوث الإنسانى.
أنا محظوظ لأننى أستطيع أن ألمس أفراد عائلتى وأحس بوجودهم بجوارى، وهناك الملايين محابيس خلف جدران السجون الحديدية وخلف جدران السجون الإجتماعية.
أنا محظوظ لأننى أستطيع أن أمشى على قدمى وأستطيع أن أجرى بدون حواجز أو أسوار أو أسلاك شائكة، وهناك ملايين غيرى مقعدون عن الحركة أو يتحركون بين حقول الألغام.
أنا محظوظ لأننى أحببت فى حياتى كثيرا، وهناك الملايين غيرى محرومون من الحب أو من المقدرة على الحب أو حتى الرغبة فى الحب لأنهم قد نشأوا على الكراهية.
أنا محظوظ لأن لى الكثير من الأصدقاء، وهناك الملايين غيرى لا يعرفون معنى الصداقة لأنهم مشغولون بالأعداء سواء كانوا أعداء حقيقيين أو وهميين.
أنا محظوظ لأننى قد نلت حظا لم أكن أحلم به من التعليم والتعلم، وهناك مئات الملايين غيرى لا يعرفون حتى القراءة أو الكتابة.
أنا محظوظ لأننى لاأعانى من الإضطهاد العنصري، وهناك المئات يعانون يوميا بسبب العنصرية الدينيية أو القبلية أو الإثنية.
أنا محظوظ لأننى لم أجرب جوع الفقر المتقع، وهناك مئات الملايين غيرى ينامون بدون وجبة عشاء.
أنا محظوظ لأن هناك مسكن مريح يأوينى وعائلتى، وهناك مئات الملايين غيرى لايجدون السكن الآدمى.
أنا محظوظ لأن لدى عمل شريف أتكسب منه، وهناك مئات ملايين الشباب العاطل عن العمل ويشعر بإلعزلة عن المجتمعات التى يعيشون فيها.
أنا محظوظ لأن لدى بنات أفخر بهن، وهناك الملايين الذين يشعرون بالنقص لأن ليس لديهم صبيان.
أنا محظوظ لأننى آمنت بالله الخالق العظيم والرحمن الرحيم وأمنت برسله لا نفرق بين أحد منهم، وهناك ملايين غيرى لا يؤمنون إلا بأنفسهم وبآلهة بشرية أخرى من إختراعاتهم، ويحللون قتل النفس التى حرم الله.
أنا محظوظ لأننى فى بلد يحترم حرية العبادات ويؤمن أهله بأن الدين مكانه القلب وأماكن العبادة، وهناك ملايين غيرى يحرصون على حريتهم فقط فى العبادة ويريدون حرمان الآخرين منها، ويرغبون فى فرض تعاليمهم الفاسدة على كل نواحى الحياة.
أنا محظوظ لأننى دائما وأبدا أنظر الى النصف المملوء من الكوب، وهناك مئات ملايين غيرى ينظرون فقط الى النصف الفارغ.
أنا محظوظ لأننى أنظر الى المرأة كإنسان مثلها مثل الرجل، ولربما أهم من الرجل، وهناك مئات ملايين غيرى ينظرون إليها ككائن أقل درجة خلق لمتعة الرجل وخدمته.

***

ورغم كل هذا الحظ الذى أستمتع به فإن زوجتى تشتكى أحيانا كثيرة وتقول :"جتنا نيلة فى حظنا الهباب".!!
وكل عام وأنتم بخير، وأتمنى ألا يكون حظكم فى عام 2005 مثل الدقيق المنثور بين الشوك

[email protected]