1-

لم تسفر زيارة الدكتور البرادعى لاسرائيل عما كان يحلم به البعض.. ولن تسفر اية زيارات قادمة للرجل او لاى مدير غيره لوكالة الطاقة الذرية عن شئ فيما يتعلق بترسانة اسرائيل النووية، لسبب جوهرى هو ان ازدواجية المعايير التى تتبناها الادارات الامريكية المتتابعه والتى تريد لهذه الوكالة ان تتدخل لابطال حتى محاولات العدد الضئيل من الدول العربية والاسلامية المتواضعه للحصول على امكانيات ذرية للاستخدامات السلمية تصر على استبعاد اسرائيل من المسائلة اى كان نوعها !!.
تعهد واشنطن الذى بذلته ادارة الرئيس الامريكى الاسبق ريتشارد نيكسون عام 1969 بعدم الضغط على اسرائيل لاجل دفعها للتوقيع على معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية لا زال سارى المفعول حتى يومنا هذا، فى مقابله يتصاعد موقف واشنطن تجاه الدول " المارقه " من مجرد الحصار الى التهديد بضرب منشآتها النووية.. التعهد الامريكى يوفر اقصى الحماية لحكومات اسرائيل التى صدر ضدها منذ عام 1987 وحتى العام الماضى 13 قرارا من جانب الجمعية ينص كل منها على " ضرورة توقيعها على تلك المعاهدة ".
اسرائيل وامريكا تسيران فى خط واحد يتعمد اضفاء حالة شريعة على الموقف الملتبس لكل منهما حيال امتلاك الاولى لترسانة نوويه تضعها وفق الملحق الذى نشرته صحيفة لوموند الفرنسية فى اواخر الشهر الماضى فى المرتبه الخامسة على مستوى العالم، وتعهد الثانية بحماية هذا الترسانة ومنع الاقتراب منها اقليميا وعالميا.. وفق مقتضيات حالة الالتباس هذه اسرائيل لا تنكر ولا تعترف بامتلاكها للسلاح النووى وعلى المتضرر ان يخبط دماغه فى الحيط، ووفقها ايضا تستخدم امريكا هراواتها لضرب دماغ كل من تسول له نفسه ان يسعى لامتلاك واحد على مائة من القدرة النووية الاسرائيلية التى يقال انها بلغت حوالى مائتى رأس بالاضافة الى منصات اطلاقها الجوية والارضية.
ليس من مصلحة اسرائيل ان تصبح عضوا فى النادى الذرى.. وليس من مصلحتها ان تصبح منطقة الشرق الاوسط خالية من الاسلحة الذرية.. وليس من مصلحتها.


2 -
ان يتحقق توازن رعب بينها وبين جيرانها الاقربين او الابعدين، لذلك بدأت تخطط للخروج بالتدريج من حالة التعتيم التى انتهجتها منذ عام 1957 فور انضمامها لوكالة الطاقة الذرية لكى تضع المنطقة امام تحدى الامر الواقع التى تظن انه يتوجها زعيمة لمنطقة الشرق الاوسط الكبير وفق التصنيف الذى صكه الرئيس الامريكى منذ بعضة اشهر خاصة وانه " ليس لديها ما تخجل منه " على حد قول الكاتب الصحفى الون بن فى صحيفة هآرتس اوائل الشهر الجارى.
بعد ان اصبحت اسرائيل فوق الجميع بامتناعها وهى التى تملك الترسانة النووية التى تتحدث عنها دول العالم والاعلام الدولى عن التوقيع على معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية فى حين وقعت عليها الدول العربية والاسلامية التى لا تملك على الاقل مثل هذه الترسانة، لم يعد هناك ما يدعو الى سياسة الغموض ( Ambiguity ) فقد عرف كل طرف فى المنطقة حدوده وقدراته بعد ان اصبحت امريكا جارا لكل من تسول له نفسه ان يتخطى الخطوط الحمراء وبعد ان اصبح تدمير المنشئات الذرية حتى لو كانت للاغراض السلمية قابلا للتنفيذ بالتعاون بين الحليفين تل ابيب وواشنطن.
اصبحت اسرائيل فوق الجميع لانها لم تلزم نفسها بشئ وتمكنت فى نفس الوقت من الحصول على كل شئ بشتى الوسائل.. والعالم كله لا يملك حيالها اى شئ لان واشنطن تمنع اى يد شرعية او قانونية ان تمتد اليها، واصبحت الدول العربية والاسلامية مكبلة بما وقعت عليه من تعهدات واشتراطات وضمانات لم توفر لها حتى الامن الداخلى.. والعالم كله لا يستطيع ان يقف الى جوارها دفاعا عن حقها فى الدفاع عن نفسها لان واشنطن تمنع صدور اى قرار دولى او اقليمى فيه شبهة ادانه لاسرائيل من ان يرى النور.
اسرائيل التى اصبحت فوق الجميع تعلم كيف تستخدم ترسانتها النووية وفق اشتراطات الدبلوماسية وكيف تهدد باستخدامها قتاليا لتحقيق اهدافها الآنية والمستقبلية وفق افرازات السلام الذى لم تعشه المنطقة وفى ضوء سيولة النظام العالمى الذى لم يتشكل بعد، وكلا الامرين ترعاهما واشنطن بكامل قواها السياسية .


3 -
والعسكرية طالما انهما يحققان لها المزيد من الهيمنة.. اسرائيل تعرف كيف تستفيد سلميا وعسكريا من تراجع الشرعية، الم تضرب الشعب الفلسطينى فى مقتل على امتداد الاربع سنوات الماضية دون ان تقدر عليها الشرعية الدولية التى اصبحت تخضع لارادة واشنطن ؟؟ الم تمنع دول الجوار التى وقعت معها على اتفاقات سلام من ان تمتلك اسلحة نووية وكميائية وجرثومية وعمدت الى اتهام كل ما يرفض بالقول سياساتها العنصرية وسفكها للدماء واصرارها على مواصلة احتلال الارض بامتلاكها سعيا لوضعه تحت الرقابة الامريكية وفق قوانين يصدرها الكونجرس.
اسرائيل هذه ستخفف بالتدريج من سياسات التعتيم التى كانت تفرضها على ترسانها النووية، فماذا فعل العالم حيال كل من الهند وباكستان اللتين اعلنتا على الملأ اجرائهما اكثر من تجربة نووية ؟؟ لم يفعل اى شئ لانهما مثلها لم توقعا على معاهدة منع نشر الاسلحة النووية.. تتميز اسرائيل عن الدولتين الاسيويتين انها لن تخضع يوما للضغط الامريكى الذى تعرضتا له ابان اشتعال الموقف الحدودى بينهما بسبب مشكلة اقليم كشمير المتنازع عليه.
واذا كنا نعترف بان الموقف الاسرائيلى يحظى بمزيد من التأييد والمساندة لان واشنطن لازالت مقتنعة كما كانت منذ اكثر من ثلاثين عام ان امتلاك تل ابيب للسلاح الذرى سيوقف الى حد كبير المخططات العربية التى تعمل على تدمير مقوماتها وافناء شعبها والقضاء على الديموقراطية الوحيدة التى تمثلها فى المنطقة.. فعلينا ان نقتنع بان اجواء التغيير المتلاحق التى تعصف بالشرق الاوسط تساهم فى رفع الستار عن حالة لا اخلاقية تنفرد بها اسرائيل على مستوى العالم تعكس : عدم قدرة اى طرف على التعرض لها واعفائها من كل مسئولية واطلاق يدها فى كل مكان !!.
* استشارى اعلامى مقيم فى بريطانيا