القسم الأول


هناك مَن أسلم لله وآمن بأن الدين عند الله الإسلام، فرفض أن يكون ذلك الدين مشرذما إلى أحزاب سياسية دينية، ورفض أن يكون المسلمون في هرج ومرج، بل ورفض جازما أن يمارس الإرهاب، ورفض كليا أن يؤيد الإرهاب بكل أشكاله وألوانه.
وهناك مَن إتخذ الإسلام دينا كأداة للعنف والإرهاب والعدوان من أجل أن يقبض على السلطة بأي شكل من الأشكال لتحقيق مآرب شخصية تحت حجة (الحاكمية). ولكن الله والإسلام براء من العدوان.
لقد وقع بعض الكتاب والمفكرين العرب في إشكالية الخلط بين الدعوة الإسلامية والسياسة الحزبية للجماعات الإسلامية فجعلوا، مثلا، حركة الإخوان المسلمين حركة حزبية منذ تأسيسها. وأسرع بعض هؤلاء في خلط الأوراق مما جعل من دعواتهم تفقد بعض مصداقيتها، خاصة إذا أساء البعض من القراء فهم تلك القراءات من أنها ضد العقيدة الإسلامية. وإن أية قراءة ضد العقيدة الإسلامية لن تنال النجاح في المجتمعات المسلمة. لذلك لابد من التمييز بين الإسلام وبين القوى السياسية الحزبية الإسلاموية التي تمارس العنف والإرهاب لتشويه الإسلام وإظهار المسلمين بمظهر الهمج والمتخلفين وقطاع الطرق. وكل دعوة لاتميز بين سماحة الإسلام وعبادة الله الواحد الأحد الذي يدعو إلى الخير والمحبة والإخاء والسلام، وبين الأحزاب الإسلاموية التي تمارس العنف والإرهاب والتكفير وتخرج الإسلام من نقاءه وبهاءه لن تنال النجاح. فالدعوات التي تخلط الأوراق تجعل من الأحزاب الإسلاموية أكثر تطرفا وإرهابا. يجب بيان الحقيقة التي مفادها أن الإسلام ليس أحزاب سياسية، ولايمكن أن يكون أحزابا سياسية تجعل من الإسلام واجهة لأعمال بشرية تقتل وتفتك بالمعارضين من أجل السلطان والسيطرة على الحكم لقطع الرقاب، واحتكار الحقيقة، وجعل المجتمع يرجع الى الوراء لعبادة الإنسان للإنسان بدلا من عبادة الإنسان للرحمن.
عندما أسس الراحل حسن البنا حركة الإخوان المسلمين، وهي أول حركة إسلامية منظمة بالمفهوم المعاصر للتنظيم، لم تكن تهدف إلى أن تكون حركة حزبية سياسية دينية أبدا، إنما دعوة إسلامية لإستقطاب بعض المسلمين الذين إتخذوا الإسلام دينا. فـ " بعد أن كان الكاتبون المسلمون يجدون عنتا في التدليل على أن الإسلام ليس ضد العلم وأنه يواكب الحضارة، أبرزت حركة الإخوان المسلمين جيلا من الشباب المؤمن المثقف يستصغر الحضارة الغربية في جنب الإسلام، ويعتقد أنه لن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة ". (مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، ط3، المؤسسة الإسلامية، بيروت، 1984، ص 6). استطاع حسن البنا أن يرسي دعائم دعوة إسلامية متميزة حيث نجح مع ستة نفر من إخوانه على تشكيل أول نواة لجماعة الإخوان المسلمين في شهر آذار/ مارس عام 1928. وأصبح حسن البنا إماما، وبدأ يركز على ضرورة صب الجهود من أجل بناء جيل مؤمن يفهم الإسلام فهما صحيحا.

مَن هو حسن البنا ؟
ولد حسن البنا بمدينة المحمودية بمحافظة البحيرة في مصر عام 1906 م. درس في دار المعلمين بدمنهور عام 1920، وفي دار العلوم بالقاهرة وتخرج منها عام 1927. بدأ إهتمامه في سن مبكر بالعمل الإسلامي المنظم والدعوة إلى الله تعالى. نشأ مع زملائه ( جمعيد الأخلاق الأدبية ) ثم ( جمعية منع المحرمات ) وتعرف على الطريقة الحصافية. حفظ القرآن الكريم وهو في الرابعة عشرة من عمره. كان يرتاد إلى مجالس إخوان الطريقة الحصافية والمكتبة السلفية ومجالس علماء الأزهر. عمل مدرسا بمدينة الإسماعيلية وبدأ يتصل بالناس في المقاهي ويحثهم على العمل للإسلام. وبعد تأسيسه لجماعة الإخوان المسلمين إنتقل إلى القاهرة عام 1932 وأصدر مجلة (الإخوان المسلمون) الأسبوعية ثم مجلة (النذير) وعددا من الرسائل. وانتشرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر والعالم العربي، مما هددت النظام المصري، فباشرت الحكومة بحلها واعتقال قياداتها باستثناء مرشد الحركة الإمام حسن البنا الذي جرى إغتياله في أحد شوارع القاهرة يوم 14 ربيع الثاني 1368 هجرية، 12 شباط / فبراير عام 1949ميلادية. وبعد ذلك تحولت حركة الإخوان من مرحلة الدعوة الإسلامية إلى مرحلة التحزب وتسييس الإسلام.

حسن البنا ضد السياسة الحزبية وتحزب الإسلام
كان الإمام حسن البنا يدعو إلى الإسلام عقيدة وشريعة، عبادة وسلوكا، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان يدعو إلى تجاوز الخلافات التي كانت تسود المجتمع الإسلامي المصري والعالم الإسلامي، والعودة إلى الإصالة الإسلامية المتمثلة بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وتجاوز الخلافات المذهبية والقومية. ويمكننا فهم دعوة الإمام حسن البنا ورفضه للسياسة الحزبية والتحزب الديني الإسلاموي، ومعاداته لشرذمة الإسلام وتجزءته إلى قوى حزبية متصارعة ومتنافسة ومتقاتلة بعضها للبعض الآخر، من خلال قراءتنا لأفكاره ورسائله الموجهة للأخوان المسلمين، باعتباره مؤسس الجماعة ومرشدها.
لقد أراد حسن البنا أن يكون الاخوان المسلمون للدعوة الإسلامية السلمية البعيدة عن العنف والإرهاب ومساندة الطغاة والظالمين. فلم يكن يريد أن تكون تلك الدعوة كما نراها اليوم، بعد أن حوَلها وغيَّرها بعض تلامذته وعلى رأسهم سيد قطب إلى حزب سياسي شبه عسكري. فقد كان الشهيد حسن البنا يميز بين السياسة العامة والسياسة الحزبية، وكان يؤكد على فصل السياسة الحزبية عن الإسلام لأن الإسلام دين الله وليس حزا سياسيا ينظم الميليشيا العسكرية. فنسمع كلمات الشهيد حسن البنا وهو يوضح لنا هذه الحقيقة الناصعة بجلاء وبلا رتوش ومناورة سياسية لنفهم أولئك الذين حولوا الإسلام من دين السلام الى التحزب السياسي والعسكرة. يقول الأمام حسن البنا:
" وآن لي في الحزبية السياسية أراء هي لي خاصة ولا أحب أن أفرضها على الناس فإن ذلك ليس لي ولا لأحد. ولكني كذلك لا أحب أن أكتمها عنهم، وأرى أن واجب النصيحة للأمة وخصوصا في مثل هذه الظروف – يدعوني الى المجاهرة بها وعرضها على الناس في وضوح وجلاء. وأحب كذلك أن يُفهم جيدا أني حينما أتحدث عن الحزبية السياسية فليس معنى هذا أني أعرض لحزب دون حزب، أو أرجح أحد الأحزاب على غيره أو أنتقص أحده وأزكي الأخر، ليس ذلك من مهمتي، ولكني سأتناول المبدأ من حيث هو، وسأعرض للنتائج والآثار المترتبة عليه، وادع الحكم على الأحزاب للتاريخ وللرأي العام والجزاء الحق لله وحده. ( ينظر: رسالة الإمام حسن البنا في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين في محرم 1358هـ )." (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أنَّ بينها وبينه أمدا بعيدا).
ويقول حسن البنا: "وبعد هذا كله أعتقد ايها السادة ان الإسلام وهو دين الوحدة في كل شئ، وهو دين سلامة الصدور، ونقاء القلوب، والإخاء الصحيح، والتعاون الصادق بين بني الإنسان جميعا فضلا عن الأمة الواحدة والشعب الواحد لايقر نظام الحزبية ولا يرضاه ولا يوافق عليه. والقرأن الكريم يقول: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا). ويقول رسول الله عليه السلام، ألا لأدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصوم ؟ قالوا بلى يارسول الله: قال إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ". ( ينظر: رسالة الإمام حسن البنا في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين في محرم 1358هـ )
ويتابع حسن البنا في رسالته مبينا كيف أن التحزب الإسلامي يخلق الإنقسامات والتفرقة بين المسلمين في الإسلام، فيقول: "وكل ما يستتبعه هذا النظام الحزبي، من تنابز وتقاطع، وتدابر وبغضاء يمقته الإسلام أشد المقت، ويحذر منه في كثير من الأحاديث والآيات. وتفصيل ذلك يطول وكل حضراتكم به عليم... وفرق ايها الإخوان بين الحزبية التي شعارها الخلاف والإنقسام في الرأي والوجهة العامة وفي كل ما يتفرع منها، وبين حرية الآراء التي يبيحها الإسلام ويحض عليها، وبين تمحيص الأمور وبحث الشؤون والإختلاف فيما يعرض تحريا للحق، حتى إذا وضح نزل على حكمه الجميع، سواء كان ذلك إتباعا للأغلبية أو للإجماع، فلا تظهر اللأمة إلاّ مجتمعة، ولا يرى القادة إلاّ متفقين.
أيها الإخوان لقد أن الأوان أن ترتفع الأصوات بالقضاء على نظام الحزبية في مصر، وأن يستبدل به نظام تجتمع به الكلمة وتتوحد به جهود الأمة حول منهاج إسلامي صالح تتوافر على وضعه وانفاذه القوى والجهود. ( ينظر: رسالة الإمام حسن البنا في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين في محرم 1358هـ ).
ويؤكد الشهيد حسن البنا: "ان الفارق بعيد بين الحزبية والسياسة. وقد يجتمعان وقد يفترقان. فقد يكون الرجل سياسيا بكل ما في الكلمة من معان وهو لا يصل بحزب ولا يمت اليه، وقد يكون حزبيا ولا يدري من أمر السياسة شيئا، وقد يجتمع بينهما ". ( ينظر: رسالة الإمام حسن البنا في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين في محرم 1358هـ )

لقد رشح حسن البنا نفسه مرتين للإنتخابات البرلمانية لكنه لم يدعو إلى ممارسة العنف والقتل والإغتيالات والإرهاب بغض النظر عن فشله أو فوزه في الإنتخابات. رشح نفسه لأنه كان من حقه كمواطن مصري أن يرشح نفسه ويدلي بصوته كأي مواطن آخر. أما أن تشكل حزبا سياسيا دينيا وتكفر الآخرين لأنهم لا ينتمون لحزبك الديني فذلك أمر لايمكن قبوله، لأنه يشكل ظاهرة خطيرة لهدم الديمقراطية، وتجريد المواطنين من حقوقهم الإنسانية.


القسم الثاني بعنوان: سيد قطب وتسييس الإسلام ودحض أفكاره في التكفير والعنف.

السويد
[email protected]