غياب رؤساء تحرير الصحف المصرية عن لقاء رئيس الوزراء العراقي الدكتور اياد علاوي اثناء زيارته الرسمية للقاهرة ليس امرا مستغربا او غير متوقع.. خصوصا وانهم باتوا مقتنعين بأن أيام الهدايا والمكارم والعطايا والهبات التي كانت تصلهم بصورة منتظمة ابان العهد الدكتاتوري قد انتهت الى غير رجعة.. وان علاوي ليس صدام حسين .. ولا يحمل معه حقيبة دولارات ولا دفتر شيكات ولا كوبونات نفطية يوزعها عليهم مقابل تسخير أقلامهم ومؤسساتهم الصحفية للترويج لشخصه ولبرامجه السياسية.
لقد حرص علاوي على ان تكون كل ساعات زيارته ومباحثاته مع الرئيس محمد حسني مبارك مفيدة على الصعيد السياسي وتطوير العلاقات الثنائية وتعزيز المصالح المشتركة والبحث في امكانية مشاركة مصر في دعم اجراءات الحكومة العراقية لحفظ الامن والاستقرار واعادة اعمار البلاد.
ولا نعتقد ان علاوي الذي زار مصر لمهمة وطنية عاجلة كان متلهفا لآضاعة ولو مجرد دقائق من وقته الثمين سعيا وراء خبر او صورة عن زيارته ولقاءاته مع المسؤولين المصريين التي تناقلتها بموضوعية وسائل الاعلام العالمية.
ان موقف رؤساء تحرير الصحف المصرية لا يختلف كثيرا عن مواقف وسائل اعلام عربية اخرى ما تزال ترى ان انهيار الدكتاتورية في العراق كان بمثابة ضربة موجعة لها حيث انقطع شريان الامدادات المالية التي كانت تتدفق عليها وتؤمن استمرارية حياتها أنذاك.
ان مقاطعة هؤلاء للمؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء العراقي خلال زيارته للقاهرة لم تكن احتجاجا على مواقف سياسية معينة لحكومة علاوي كما زعموا.. وانما كانت تعبيرا واضحا عن حالة الاحباط والمرارة والخذلان التي أصيب بها هؤلاء الاشخاص بعد التاسع من نيسان (ابريل) عام 2003 والتي ولدت لديهم احساسا بالنقمة والكراهية والرغبة بالانتقام .
ان ادعاء رؤساء تحرير الصحف المصرية بأنه لا يجوز التعامل مع حكومة علاوي كونها غير منتخبة وغير شرعية هو تبرير غير مقبول لا مهنيا ولا واقعيا.. فقد اعلن علاوي في اكثر من مناسبة ان حكومته انتقالية, وان حكومة جديدة ستتشكل فور انتهاء عملية الانتخابات العامة في العراق بداية العام المقبل.. ولهذا كان لا بد من تكليف اشخاص لتولي مسؤولية ادارة شؤون البلاد في هذه المرحلة الانتقالية.. فكانت حكومة علاوي.
ويلاحظ المراقب للذين يطعنون بشرعية الحكومة الحالية وبأشخاصها.. وتحت ذرائع ودوافع مختلفة.. أنهم يخفقون دائما في الاجابة عن اسئلة ذات علاقة مثل: ما هو البديل برأيكم؟ من يتولى ادارة شؤون البلاد لحين موعد الانتخابات العامة؟ ومن هو الشخص ذو الشرعية دون غيره؟ هل نستبدل (سين) بـ(صاد) و(كاف) بـ(لام) و(هاء) بـ(واو) وهكذا؟ وما هو معيار شرعية وأفضلية (صاد) او (كاف) او غيرهما؟
ان تكرار الحديث عن لاشرعية الحكومة العراقية وتجاهل غيرها من القضايا بالغة الاهمية التي تفضي الى الشرعية التي يتحدثون عنها بات لغطا يبعث على السأم ولا يساهم في احراز اي تقدم على طريق عودة الاوضاع الى طبيعتها, وانما يعبر عن قصر نظر وعدم المام كاف بمتطلبات المرحلة الانتقالية التي ستأخذ البلاد الى شاطئ الاستقلال التام والسيادة الكاملة.
ومن الملاحظ ان كثيرا من العراقيين ـ خصوصا الشباب ـ يركزون في حواراتهم ونقاشاتهم حول التطورات الحاصلة في البلاد على مسألة الشرعية دون غيرها من الانجازات الكبيرة المتحققة لهم بعد انهيار الدكتاتورية.. وفي مقدمتها على سبيل المثال الغاء نظام التجنيد الاجباري (الخدمة العسكرية الالزامية) الذي ابتلع خيرة الشباب العراقي في حروب عبثية خلال العقود الماضية.. وسهولة الحصول على جواز سفر دون الحاجة الى موافقات أمنية وحزبية وتأشيرة خروج وما كان يترتب عليها سابقا.. ناهيك عن حرية الاتصالات واستقبال القنوات التلفزيونية الاجنبية دون رقيب حكومي.
كما يتناول الصحفيون المصريون مسألة "التمثيل" و"التهميش" في عملية بناء هياكل المؤسسات السياسية العراقية .. وهناك من يرى ان مجرد وجود (فلان) في هذه المؤسسة او تلك يكفي لآضفاء الشرعية عليها ما يستوجب الثناء والاشادة بها في كل زمان ومكان.. وان غيابه عنها ولآي سبب كان يعني تهميشا متعمدا له ولجماعته ما يستدعي اعلان المقاطعة والمواجهة والتحدي.. ومن المؤسف ان ينجر عراقيون بدون وعي ونضوج سياسيين وراء هذا الرأي.. حيث لا ينفكون عن توجيه الاتهامات الى مؤسسات الحكومة العراقية لـ" تهميشها" او "استثنائها" (فلان) وجماعته دون الاقرار بأن اي فريق مكلف بمسؤولية معينة .. سواء في السياسة او الرياضة او الفنون او الجيش اوغير ذلك.. لا يمكن ان يضم عددا لا حصر له من الاشخاص.. وان عدم اشراك (فلان) لا يعني تهميشه بأي حال من الاحوال.. فلو افترضنا ان في العراق خمسين جماعة سياسية مختلفة.. وكلها تريد حضورا فعليا لممثليها في الوزارة.. فكيف يمكن توزير خمسين شخصا في حكومة تتألف من ثلاثين وزارة فقط؟ هل ينبغي استحداث وزارات اضافية ارضاء لرغبات الخمسين؟ وينطبق الامر ذاته على المجلس الوطني المقترح .. فلا بد ان يضم اكثر من عشرة آلاف مقعد لكي يعتبره العراقيون المنقسمون الى ما يزين عن عشرة ألاف مجموعة وفئة شرعيا.. أم ان شخصا او اكثر سيبقى يعتبره مجلسا غير شرعي لآنه " هُمش" ولم يحظ بمقعد؟
الشرعية مسألة محيرة.. أليس كذلك؟ ربما الجواب لدى رؤساء تحرير الصحف المصرية!