تحيات طيبة

استغربت من مقالتك حول هذا الموضوع لإحساسي أن فيها شيئًا من اليأس وهذا ليس من ديدنكم, والذي نأمله منكم معشر الكتاب والمفكرين الاحرار أن تجدوا لنا مخرجا من كل ظلمة وحلاّ لكل معضلة ومحنة، فما ذهبت اليه هو عين الحقيقة التي آلت الينا كتراث طالما تغنى بها شعراؤنا وتبارى بها كتّابنا فمواصفات مثل السطو والسرقة وقطع الطريق والكذب كانت مبعث فخر ورجولة بل وشرف ولحد الآن يعمل بها في بعض مجتمعاتنا ولا يعني الشرف الاّ ما يمس المرأة وما سواه مباح، ولمن يقارن بين احتلال اليابان أو المانيا واحتلال العراق الآن أومصر سابقا عليه ان يراجع هل لتلكما الدولتين مثل ذلك التراث المشّرف؟ وهل لهما جيران مثل جيران العراق اليوم يملأهم الحقد والغيض لجيرانهم وهل لتلكما الدولتين جذورا قومية أو تأريخية أو دينية تنبع حينا من داخله أو تقتحمه حينا من خارجه تعرقل مسيرته نحو التحرر والانعتاق من قيود الماضي السحيق وهل كانت يومها فضائيات تحاربه علنا ومن على أراضيه وهل تبارى كتّاب يومها لنهش لحمه نيئا وهل تسابق محامون يذودون عن الباطل والظالم كذودهم عن حرائرهم، هذا ما رمت اليه أخي النابلسي أن تقتله درسا وتمحيصا ولنتغلب على كل عيوب التراث مهما تمسك به البعض الضال فلا عزّة ولاشرف ولا حياة مع بؤر الفساد والكذب و السطو بكل صوره أيا كان فاعلوه أو مساندوه.

فلا يأس مع الحياة , نعم والاّ توقّفت... وأملنا بكم معشر الكتاب الاحرار والمفكرين الغيارى في الذود عن حياض الحرية والحداثة والديمقراطية ليس في العراق فحسب وإنما في كافة اقطار الارض و بكشف كافة أسبابه ومسبباته... ودمتم.

حكمت النعمة / هولندة

***

عزيزي د. شاكر النابلسي، لماذا تنكأ الجرح بقسوة؟!!!


في مقاله المنشور في إيلاف يوم25/7/2004 بعنوان: لماذا أصبح العرب عصيين على التطبيع؟ أرى أن د. شاكر النابلسي الذي دأب على تحليل أمراض الأمم المسماة بالعربية، وتشخيص أسقامها، ومحاولة وصف الدواء، قد قرر بهذا المقال – بلا رحمة – أن يشرِّح الجثث التي تفترش البوادي القاحلة، من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، تلك الجثث التي عافت الصقور والعقبان رائحتها، فتركتها تتصلب، تتحجر، تتعفن، وحذت حذوها الضواري.

لماذا فعلت ذلك يا سيدي؟ أو تظن أنك حين تضعنا مباشرة في مواجهة عارنا وفشلنا وخيبتنا الفريدة، أنك تجبرنا على مراجعة أمرنا؟ أو تظن أننا سنستحي ونعيد ترتيب الأوراق إذا ما واجهتنا بسؤاليك:

فكيف تعامل اليابانيون مع نكبتهم؟

وكيف تعامل العرب مع نكباتهم؟

أو تظن أن من سيقرأون كلماتك من النشامى والأشاوس والمجاهدين ستعتريهم ذرة خجل؟

بل أتظن أنهم لا يعرفون كل ما ذكرت؟!!

المسألة يا أستاذنا فيما أعتقد ليست مسألة جهل بالطريق المؤدي للسلامة، والآخر المؤدي للندامة، فمنذ كنا في المدرسة الابتدائية ونحن نسائل أنفسنا عن السر في تقدم اليابان وتخلفنا، وأذكر أن الإجابة كانت واضحة وبسيطة في عقولنا ذات الأجسام الصغيرة، لكن عن لماذا لم نفعل مثل الأمم الناجحة، فالإجابة الواضحة والصريحة صعبة ومحرجة.

تعرف بالطبع يا سيدي أن كبارنا العارفين يقولون علانية عن الأمم المتقدمة – التي هي بغير مصادفة كافرة – لهم الدنيا ولنا الآخرة، فما هو تفسير ذلك؟

التفسير الذي أراه منطقياً أن الصفوة في شعوبنا، والدائرة الأوسع من النشطاء المحيطين بها، هذه المجموعة لديها إحساس يقيني بالعجز . . هي لم تحاول أن تسير ومعها الجماهير الصامتة في طريق العمل الجاد الدؤوب، لسبب بسيط أنها ليست أهلاً لذلك، ومن المنطقي والحالة هذه أن تكون ممارساتها تدميرية، كما لو تضرب كرسي في الكلوب، حسب التعبير المصري الشعبي.

إن مجتمعاتنا - من وجهة نظري على الأقل – عبارة عن جسد قوي خامل لكنه ربما يمتلك الاستعداد للتطور والإنجاز، لكنه ذو رأس (صفوة ونشطاء) بلا كفاءة، فالأمر أشبه بالديناصور ذو الجسم القوي الضخم، والرأس الصغير الغبي، فالجماهير الصامتة قد حققت إنجازات تداين بها الإنسانية، فهي التي زرعت مستنقعات دجلة والفرات قديماً، وهي التي روضت نهر النيل وحولت ضفافه إلى جنة، لكن قديماً أيضاً حولت الصفوة اتجاهه من صناعة الحياة إلى صناعة الموت، فتحولت حضارة الأشوريين والبابليين إلى حضارة عسكرية مدمرة، وتحولت جهود الفلاح المصري بدلاً من شق الترع والمصارف، إلى بناء المقابر الضخمة ( الأهرامات)، وتحنيط الجثث بدلاً من مداواة الأحياء، وحتى الآن، ليس كل ما في الصورة أسود، فهناك الجماهير الكادحة، في المزارع والمصانع والمتاجر، تبذل الجهد والعرق الشريف في سبيل الخبز اليومي، لكن هذه الجماهير محدودة الإمكانيات، أقصى ما تستطيع أن تكدح، لكنها تحتاج إلى الطليعة، إلى الرأس الصحيح المعافى، الذي يحدد لها الاتجاه نحو التطور والتقدم، لا الذي يقودها للموت، أو الهلاك جوعاً وعطشاً في القفار.

الجسد قوي والروح خائرة والعقل خرب.

وإذا كان الطب قد نجح في إجراء عمليات تغيير للقلوب والعديد من أعضاء الجسد الإنساني، فهل سينجح في استبدال الرؤوس؟!!

لنحاول أن نقسم السؤال إلى سؤالين:

· هل يمكن استئصال الرأس الجامد الفاسد؟

· هل يقبل الجسد رأساً غريباً مستزرعاً، أم يلفظه كما تفعل كل الأجسام مع الأعضاء الغريبة؟

ألم أقل لك يا سيدي أنك نكأت الجرح بقسوة؟!!

ها نحن أمام سؤالين كل إجاباتهما مرة!!!

كمال غبريال

[email protected]