اتهم المدعي العام المكسيكي رئيس الجمهورية الاسبق (لويس ايجيفيريا) وعددا من كبار اعوانه المدنيين والعسكريين بمسؤوليتهم عن قتل ما لا يقل عن 25 طالبا كانوا يشاركون في مظاهرة سلمية في شوارع مدينة مكسيكو قبل 33 عاما. ففي لقاء صحفي الاسبوع الماضي, أكد المدعي العام (ايغناثيو كاريللو برييتو) ان ملف الاتهام ضد الرئيس الاسبق ونحو 75 من اعوانه هو بمثابة رسالة واضحة بأن حكم القانون لا يستثني أحدا مهما كان منصبه, وان العدالة ستأخذ مجراها الطبيعي بموجب الدستور المكسيكي.. حتى لو كان المتهم رئيسا للبلاد. وكانت قوات الامن قد شنت عام 1971 حملة قمع واسعة لآعتقال وتعذيب معارضين لحكومة الرئيس ايجيفيريا أطلق عليها (الحرب القذرة) وأسفرت عن مقتل وفقدان ما لا يقل عن 280 مواطنا. وقد أثنت منظمة مراقبة حقوق الانسان على خطوة القضاء المكسيكي وشددت على ضرورة محاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم, فيما عبرت عائلات الضحايا عن ارتياحها بالقرار الاخير باعتباره تطبيقا للعدالة التي طال انتظارها.

هذا الخبر القادم من عبر المحيط الاطلسي أثار لدى المتابعين للشأن العراقي جملة من التساؤلات المتعلقة بمحاكمة الدكتاتور السابق واعوانه وطبيعة الاتهامات الموجهة ضدهم.. والاسباب التي جعلت زمرة من المحامين غير العراقيين يهرعون للدفاع عن المتهمين.. وأوجه الشبه والاختلاف بين الحالتين المكسيكية والعراقية.

في المكسيك تقول لائحة الاتهام القضائية بأن الرئيس الاسبق انتهك الدستور واستغل منصبه وسلطاته فأصدر أوامر شخصية لقادة في قوات الشرطة والجيش لتفريق تظاهرة سلمية نظمها معارضون سياسيون باستخدام كل الوسائل لتنفيذ الاوامر ما أسفر عن مقتل 25 شخصا وفقدان 280 آخرين.. ولهذا وجب تقديمه للعدالة كمسؤول مباشر عن تلك الاحداث. ومن غير المتوقع ان تكون لائحة الاتهامات الموجهة ضد صدام وزمرته بهذه الصورة المقتضبة.. بل ستكون أطول من المسافة بين العراق والمكسيك من حيث عددها وطبيعتها وأساليب ارتكابها ووفرة الادلة و البراهين الدامغة.

فقائمة ضحايا (الرئيس) العراقي السابق لم تتضمن 280 معارضا سياسيا فقط, بل ضمت المئات من المدنيين والعسكريين ورجال الدين وكل من كان يشكك في ولائه او يظن انه خطر كامن يهدد منصبه سواء كان من الاقرباء او المقربين او (الرفاق) او غيرهم.. بالاضافة الى الالاف من القتلى والمفقودين والمهجرين من ضحايا الحملات العسكرية التي شنتها قواته بأوامر مباشرة منه ضد الاهالي في عدد من مدن البلاد وفي اوقات مختلفة من سنوات حكمه.

والملفت هو ان منظمة مراقبة حقوق الانسان التي بادرت للثناء على قرار المدعي العام المكسيكي بتقديم الرئيس الاسبق وكبار مساعديه للعدالة بدون استئناء.. لم تطالب الحكومة المكسيكية بضرورة ان تكون المحكمة عادلة ونزيهة توفر لهم حق الدفاع والاستئناف وما الى ذلك.. في الوقت الذي بدت فيه متشددة في مطالبها و لم تظهر نفس القدر من الحماس ازاء الاجراءات القضائية المزمع اتخاذها ضد صدام وزمرته, وكأن سجله الاجرامي غير معروف في الاوساط السياسية الاقليمية والدولية.. ولم يندرج في أغلب التقارير الدولية ذات العلاقة.

والملفت ايضا أن احدا لم يسمع بان محامين وقضاة من دول مجاورة او قريبة من المكسيك شكلوا لجنة (واعتصموا) وتطوعوا للدفاع عن ايجيفيريا وزمرته بدعوى ان الرئيس الاسبق يمتلك حصانة ولا يجوز مساءلته دستوريا.. كما فعلت مجموعة المحامين (العرب) التي هرعت للدفاع عن صدام رغم توفر المئات وربما الالاف من ملفات الاتهام التي لم تعد تفاصيلها خافية على الرأي العام العراقي والعالمي.

ومن غير المستبعد ان تبدأ قريبا وتنتهي محاكمة الرئيس المكسيكي الاسبق واعوانه عن جرائم وقعت قبل 33 عاما .. فيما لا يزال العراقيون ينتظرون بفارغ الصبر الاعلان عن موعد مثول صدام وزمرته امام محكمة عراقية للرد على لائحة الاتهامات بارتكاب جرائم بشعة وانتهاكات صارخة دامت لآكثر من 35 عاما وذهب ضحيتها مئات الالاف من المواطن.

لندن